الباحث القرآني

والكَلامُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأصْحابُ الشِّمالِ ما أصْحابُ الشِّمالِ﴾ ﴿فِي سَمُومٍ﴾ عَلى نَمَطِ ما سَلَفَ في نَظِيرِهِ، والسَّمُومُ قالَ الرّاغِبُ: الرِّيحُ الحارَّةُ الَّتِي تُؤَثِّرُ تَأْثِيرَ السُّمِّ، وفي الكَشّافِ حَرُّ نارٍ يَنْفُذُ في المَسامِّ والتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ وكَذا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وحَمِيمٍ﴾ وهو الماءُ الشَّدِيدُ الحَرارَةِ ﴿وظِلٍّ مِن يَحْمُومٍ﴾ أيْ دُخانٌ أسْوَدُ كَما قالَ ابْنُ عَبّاسٍ وأبُو مالِكٍ وابْنُ زَيْدٍ والجُمْهُورُ وهي عَلى وزْنِ يَفْعُولٍ، ولَهُ نَظائِرُ قَلِيلَةٌ مِنَ الحُمَمَةِ القِطْعَةُ مِنَ الفَحْمِ وتَسْمِيَتُهُ ﴿ظِلا﴾ عَلى التَّشْبِيهِ التَّهَكُّمِيِّ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا أنَّهُ سُرادِقُ النّارِ المُحِيطُ بِأهْلِها يَرْتَفِعُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ حَتّى يُظِلَّهم، وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: هو مِن أسْماءِ جَهَنَّمَ فَإنَّها سَوْداءُ وكَذا كُلُّ ما فِيها أسْوَدُ بَهِيمٌ نَعُوذُ بِاللَّهِ تَعالى مِنها. وقالَ ابْنُ بُرَيْدَةَ وابْنُ زَيْدٍ أيْضًا: هو جَبَلٌ مِنَ النّارِ أسْوَدُ يَفْزَعُ أهْلُ النّارِ إلى ذُراهُ فَيَجِدُونَهُ أشَدَّ شَيْءٍ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ - لِظِلٍّ - وكَذا قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لا بارِدٍ ولا كَرِيمٍ﴾ صِفَتانِ لَهُ، وتَقْدِيمُ الصِّفَةِ الجارِّ والمَجْرُورِ عَلى الصِّفَةِ المُفْرَدَةِ جائِزٌ كَما صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ وغَيْرُهُ أيْ لا بارِدٌ كَسائِرِ الظِّلالِ، ولا نافِعٌ لِمَن يَأْوِي إلَيْهِ مِن أذى الحَرِّ - وذَلِكَ كَرَمُهُ - فَهُناكَ اسْتِعارَةٌ، ونَفى ذَلِكَ لِيَمْحَقَ تَوَهُّمَ ما في الظِّلِّ مِنَ الِاسْتِرْواحِ إلَيْهِ وإنْ وُصِفَ أوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن يَحْمُومٍ﴾ والمَعْنى أنَّهُ ظِلٌّ حارٌّ ضارٌّ إلّا أنَّ لِلنَّفْيِ شَأْنًا لَيْسَ لِلْإثْباتِ. ومِن ذَلِكَ جاءَ التَّهَكُّمُ والتَّعْرِيضُ بِأنَّ الَّذِي يَسْتَأْهِلُ الظِّلَّ الَّذِي فِيهِ بَرْدٌ وإكْرامٌ غَيْرُ هَؤُلاءِ فَيَكُونُ (p-144)أشْجى لِحُلُوقِهِمْ وأشَدَّ لِتَحَسُّرِهِمْ، وقِيلَ: الكَرَمُ بِاعْتِبارِ أنَّهُ مَرَضِيٌّ في بابِهِ، فالظِّلُّ الكَرِيمُ هو المَرْضِيُّ في بَرْدِهِ ورَوْحِهِ، وفِيهِ أنَّهُ لا يُلائِمُ ما هُنا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا بارِدٍ﴾ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَفْيًا لِكَرامَةِ مَن يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ ونُسِبَ إلى الظِّلِّ مَجازًا، والمُرادُ أنَّهم يَسْتَظِلُّونَ بِهِ وهم مُهانُونَ، وقَدْ يَحْتَمِلُ المَجْلِسَ الرَّدِيءَ لِنَيْلِ الكَرامَةِ، وفي البَحْرِ يَجُوزُ أنْ يَكُونا صِفَتَيْنِ - لِيَحْمُومٍ - ويَلْزَمُ مِنهُ وصْفُ الظِّلِّ بِهِما، وتُعُقِّبَ بِأنَّ وصْفَ اليَحْمُومِ وهو الدُّخانُ بِذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فائِدَةٍ ! وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ «لا بارِدٌ ولا كَرِيمٌ» بِرَفْعِهِما أيْ لا هو بارِدٌ ولا كَرِيمٌ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ: فَأبِيتُ لا حَرِجٌ ولا مَحْرُومٌ أيْ لا أنا حَرِجٌ ولا مَحْرُومٌ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب