الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ﴾ إمّا اعْتِراضٌ يُؤَكَّدُ تَحْقِيقَ الوُقُوعِ أوْ حالٌ مِنَ الواقِعَةِ كَما قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، ( وكاذِبَةٌ ) اسْمُ فاعِلٍ وقَعَ صِفَةً لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أيْ نَفْسٍ، وقِيلَ: مُقالَةٌ والأوَّلُ أوْلى لِأنَّ وصْفَ الشَّخْصِ بِالكَذِبِ أكْثَرُ مِن وصْفِ الخَبَرِ بِهِ. ( والواقِعَةُ ) السَّقْطَةُ القَوِيَّةُ وشاعَتْ في وُقُوعِ الأمْرِ العَظِيمِ وقَدْ تُخَصُّ بِالحَرْبِ ولِذا عَبَّرَ بِها هُنا واللّامُ لِلتَّوْقِيتِ مِثْلُها في قَوْلِكَ: كَتَبْتُهُ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ أيْ لا يَكُونُ حِينَ وُقُوعِها نَفْسٌ كاذِبَةٌ عَلى مَعْنى تَكْذِبُ عَلى اللَّهِ تَعالى وتَكْذِبُ في تَكْذِيبِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى في خَبَرِهِ بِها، وإيضاحِهِ أنَّ مُنْكِرَ السّاعَةِ الآنَ مُكَذِّبٌ لَهُ تَعالى في أنَّها تَقَعُ وهو كاذِبٌ في تَكْذِيبِهِ سُبْحانَهُ لِأنَّهُ خَبَرٌ عَلى خِلافِ الواقِعِ وحِينَ تَقَعُ لا يَبْقى كاذِبًا مُكَذِّبًا، بَلْ صادِقًا مُصَدِّقًا، وقِيلَ: عَلى مَعْنى لَيْسَ في وقْتِ وُقُوعِها نَفْسٌ كاذِبَةٌ في شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ، ولا يَخْفى أنَّ صِحَّتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ لا يَصْدُرُ مِن أحَدٍ كَذِبٌ يَوْمَ القِيامَةِ وأنَّ قَوْلَهم: ﴿واللَّهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنْعامَ: 23] مُجابٌ عَنْهُ بِما هو مَذْكُورٌ في مَحَلِّهِ أوِ اللّامِ عَلى حَقِيقَتِها، و(كاذِبَةٌ ) صِفَةٌ لِذَلِكَ المَحْذُوفِ أيْضًا أيْ ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِها﴾ نَفْسٌ كاذِبَةٌ بِمَعْنى لا يُنْكِرُ وُقُوعَها أحَدٌ ولا يَقُولُ لِلسّاعَةِ لَمْ تَكُونِي لِأنَّ الكَوْنَ قَدْ تَحَقَّقَ كَما يَقُولُ لَها في الدُّنْيا بِلِسانِ القَوْلِ أوِ الفِعْلِ لِأنَّ مَنِ اغْتَرَّ بِزَخارِفِ الدُّنْيا فَقَدْ كَذَّبَ السّاعَةَ في وقْعَتِها (p-130) بِلِسانِ الحالِ لَنْ تَكُونِي، وهَذا كَما تَقُولُ لِمُخاطِبِكَ لَيْسَ لَنا مَلِكٌ ولِمَعْرُوفِكَ كاذِبٌ أيْ لا يُكَذِّبُكَ أحَدٌ فَيَقُولُ: إنَّهُ غَيْرُ واقِعٍ، وفِيهِ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِأنَّ السّاعَةَ لا تَصْلُحُ مُخاطَبًا إلّا عَلى ذَلِكَ إمّا عَلى سَبِيلِ التَّخْيْيُلِ مِن بابِ لَوْ قِيلَ لِلشَّحْمِ أيْنَ تَذْهَبُ، وهو الأظْهَرُ وإمّا عَلى التَّحْقِيقِ، وجَوَّزَ كَوَّنَ ( كاذِبَةٌ ) مِن قَوْلِهِمْ كَذَبَتْ نَفْسِي وكَذَّبَتْهُ إذا مَنَّتْهُ الأمانِي وقَرَّبَتْ لَهُ الأُمُورَ البَعِيدَةَ وشَجَّعَتْهُ عَلى مُباشَرَةِ الخَطْبِ العَظِيمِ، واللّامُ قِيلَ: عَلى حَقِيقَتِها أيْضًا أيْ لَيْسَ لَها إذا وقَعَتْ نَفْسٌ تَحَدُّثُ صاحِبَها بِإطاقَةِ شِدَّتِها واحْتِمالِها وتُغْرِيِهِ عَلَيْها. وفِي الكَشْفِ أنَّ اللّامَ عَلى هَذا الوَجْهِ لِلتَّوْقِيتِ كَما عَلى الوَجْهِ الأوَّلِ، وجَوَّزَ أيْضًا كَوْنَ ( كاذِبَةٌ ) مَصْدَرًا بِمَعْنى التَّكْذِيبِ وهو التَّثْبِيطُ وأمْرُ اللّامِ ظاهِرٌ أيْ لَيْسَ لِوَقْعَتِها ارْتِدادٌ ورَجْعَةٌ كالحَمْلَةِ الصّادِقَةِ مِن ذِي سَطْوَةٍ قاهِرَةٍ ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ الحَسَنِ وقَتادَةِ، وذُكِرَ أنَّ حَقِيقَةَ التَّكْذِيبِ بِهَذا المَعْنى راجِعَةٌ إلى تَكْذِيبِ النَّفْسِ في كَذِبِها وإغْرائِها وتَشْجِيعِها وأنْشَدَ عَلى ذَلِكَ لِزُهَيْرٍ: ؎لَيْثٌ بَعَثَّرَ يَصْطادُ الرِّجالَ إذا ما اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرانِهِ صَدَقا ويَجُوزُ جَعْلُ الكاذِبَةِ بِمَعْنى الكَذِبِ عَلى مَعْنى لَيْسَ لِلْوَقْعَةِ كَذِبٌ بَلْ هي وقْعَةٌ صادِقَةٌ لا تُطاقُ عَلى نَحْوِ - حَمْلَةٌ صادِقَةٌ، وحَمَلَةٌ لَها صادِقٌ - أوْ عَلى مَعْنى لَيْسَ هي في وقْتِ وُقُوعِها كَذِبٌ لِأنَّهُ حَقٌّ لا شُبْهَةَ فِيهِ، ولَعَلَّ ما ذُكِرَ أظْهَرٌ مِمّا تَقَدَّمَ، وإنْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَمَّنْ سَمِعْتَ، نَعَمْ قِيلَ: عَلَيْهِما إنَّ مَجِيءَ المَصْدَرِ عَلى زِنَةِ الفاعِلِ نادِرٌ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب