الباحث القرآني
سُورَةُ الواقِعَةِ
«مَكَّيَّةٌ» كَما أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ وغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ مَرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، واسْتَثْنى بَعْضُهم قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ﴾ ﴿وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقِعَةِ: 39، 40] كَما حَكاهُ في الإتْقانِ وكَذا اسْتُثْنِيَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ إلى ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقِعَةِ: 75، 82] لِما أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في سَبَبِ نُزُولِهِ وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وفي مَجْمَعِ البَيانِ حِكايَةُ اسْتِثْناءِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وتَجْعَلُونَ رِزْقَكم أنَّكم تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقِعَةِ: 82] عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ وعَدَدُ آياتِها تِسْعُ وتِسْعُونَ في الحِجازِيِّ والشّامِيِّ، وسَبْعٌ وتِسْعُونَ في البَصَرِيِّ، وسِتٌّ وتِسْعُونَ في الكُوفِيِّ، وتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيما أُعِدَّ لِمِثْلِهِ، وهي وسُورَةُ الرَّحْمَنِ مُتَواخِيَةٌ في أنَّ في كُلٍّ مِنهُما وصْفَ القِيامَةِ والجَنَّةِ والنّارِ، وقالَ في البَحْرِ: مُناسَبَتُها لِما قَبْلَها أنَّهُ تَضَمَّنَ العَذابَ لِلْمُجْرِمِينَ والنَّعِيمَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وفاضَلَ سُبْحانَهُ بَيْنَ جَنَّتَيْ بَعْضَ المُؤْمِنِينَ وجَنَّتَيْ بَعْضَ آخَرَ مِنهم فانْقَسَمَ المُكَلَّفُونَ بِذَلِكَ إلى كافِرٍ ومُؤْمِنٍ فاضِلٍ ومُؤْمِنٍ مَفْضُولٍ وعَلى هَذا جاءَ ابْتِداءُ هَذِهِ السُّورَةِ مِن كَوْنِهِمْ أصْحابَ مَيْمَنَةٍ وأصْحابَ مَشْأمَةٍ وسابِقِينَ، وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةُ انْظُرْ إلى اتِّصالِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الواقِعَةِ: 10] بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإذا انْشَقَّتِ السَّماءُ﴾ [الرَّحْمَنِ: 37] وأنَّهُ اقْتَصَرَ في الرَّحْمَنِ عَلى ذِكْرِ انْشِقاقِ السَّماءِ، وفي الواقِعَةِ عَلى ذِكْرِ رَجِّ الأرْضِ فَكَأنَّ السُّورَتَيْنِ لِتَلازُمِهِما واتِّحادِهِما سُورَةٌ واحِدَةٌ فَذَكْرَ في كُلِّ شَيْءٍ، وقَدْ عَكَسَ التَّرْتِيبَ فَذَكَرَ في أوَّلِ هَذِهِ ما في آخِرِ تِلْكَ وفي آخِرِ هَذِهِ ما في أوَّلِ تِلْكَ فافْتَتَحَ في سُورَةِ الرَّحْمَنِ بِذِكْرِ القُرْآنِ، ثُمَّ ذَكَرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّباتَ، ثُمَّ خَلْقَ الإنْسانِ والجانِّ، ثُمَّ صِفَةَ يَوْمِ القِيامَةِ، ثُمَّ صِفَةَ النّارِ، ثُمَّ صِفَةَ الجَنَّةِ، وهَذِهِ ابْتِداؤُها بِذِكْرِ القِيامَةِ، ثُمَّ صِفَةَ الجَنَّةِ، ثُمَّ صِفَةَ النّارِ ثُمَّ خَلْقَ الإنْسانِ، ثُمَّ النَّباتِ، ثُمَّ الماءِ، ثُمَّ النّارِ، ثُمَّ ذَكَرَتِ النُّجُومَ ولَمْ تَذْكُرْ في الرَّحْمَنِ كَما لَمْ يُذْكُرْ هُنا الشَّمْسُ والقَمَرُ، ثُمَّ ذَكَرَ المِيزانَ فَكانَتْ هَذِهِ كالمُقابِلَةِ لِتِلْكَ وكالمُتَضَمِّنَةِ لِرَدِّ العَجْزِ عَلى الصَّدْرِ، وجاءَ في فَضْلِها آثارٌ.
أخْرَجَ أبُو عُبَيْدٍ في فَضائِلِهِ وابْنُ الضَّرِيسِ والحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ وأبُو يُعْلى وابْنُ مَرْدُوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في الشُّعَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ««سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: مَن قَرَأ سُورَةَ الواقِعَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فاقَةٌ أبَدًا»».
وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا، وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ أنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««سُورَةُ الواقِعَةِ سُورَةُ الغِنى فاقْرَؤُوها وعَلِّمُوها أوْلادَكُمْ»».(p-129)
وأخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا ««عَلِّمُوا نِساءَكم سُورَةَ الواقِعَةِ فَإنَّها سُورَةُ الغِنى»» . بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿إذا وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ أيْ إذا حَدَثَتِ القِيامَةُ عَلى أنْ ( وقَعَتِ ) بِمَعْنى حَدَثَتْ ( والواقِعَةُ ) عَلَمٌ بِالغَلَبَةِ أوْ مَنقُولٌ لِلْقِيامَةِ، وصَرَّحَ ابْنُ عَبّاسٍ بِأنَّها مِن أسْمائِها وسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلْإيذانِ بِتَحْقِيقِ وُقُوعِها لا مَحالَةَ كَأنَّها واقِعَةٌ في نَفْسِها مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الوُقُوعِ الواقِعِ في حَيِّزِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ الإسْنادُ كَما في - جاءَنِي جاءَ - فَإنَّهُ لَغْوٌ لِدَلالَةِ كُلِّ فِعْلٍ عَلى فاعِلٍ لَهُ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وقالَ الضَّحّاكُ: ( الواقِعَةُ ) الصَّيْحَةُ وهي النَّفْخَةُ في الصُّوَرِ، وقِيلَ: ( الواقِعَةُ ) صَخْرَةُ بَيْتِ المَقْدِسِ تَقَعُ يَوْمَ القِيامَةِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، ( وإذا ) ظَرْفٌ مُتَضَمِّنٌ مَعْنى الشَّرْطِ عَلى ما هو الظّاهِرُ، والعامِلُ فِيها عِنْدَ أبِي حَيّانَ الفِعْلُ بَعْدَها فَهي عِنْدُهُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ - بِوَقَعَتْ - كَسائِرِ أسْماءِ الشَّرْطِ ولَيْسَتْ مُضافَةً إلى الجُمْلَةِ، والجُمْهُورُ عَلى إضافَتِها فَقِيلَ: هي هُنا قَدْ سُلِبَتِ الظَّرْفِيَّةَ ووَقَعَتْ مَفْعُولًا بِهِ لا ذِكْرَ مَحْذُوفًا، وقِيلَ: لَمْ تُسْلَبْ ذَلِكَ وهي مَنصُوبَةٌ بِلَيَسَ، وصَنِيعُ الزَّمَخْشَرِيِّ يُشْعِرُ بِاخْتِيارِهِ.
وقِيلَ: بِمَحْذُوفٍ وهو الجَوابُ أيْ ﴿إذا وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ كانَ كَيْتٌ وكَيْتٌ، قالَ في الكَشْفِ: هَذا الوَجْهُ العَرَبِيُّ الجَزْلُ فالنَّصْبُ بِإضْمارٍ اذْكُرْ إنَّما كَثُرَ في إذْ، وبِلَيَسَ إنَّما يَصِحُّ إذا جُعِلَتْ لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ وإلّا لَوَجَبَ الفاءُ في لَيْسَ، وأبُو حَيّانَ تَعَقَّبَ النَّصْبَ بِلَيَسَ بِأنَّهُ لا يَذْهَبُ إلَيْهِ نَحْوِيٌّ لِأنَّ لَيْسَ في النَّفْيِ كَـ(ما) وهي لا تَعْمَلُ. فَكَذا لَيْسَ فَإنَّها مَسْلُوبَةُ الدَّلالَةِ عَلى الحَدَثِ والزَّمانِ، والقَوْلُ: بِأنَّها فِعْلٌ عَلى سَبِيلِ المَجازِ، والعامِلُ في الظَّرْفِ إنَّما هو ما يَقَعُ فِيهِ مِنَ الحَدَثِ فَحَيْثُ لا حَدَثَ فِيها لا عَمَلَ لَها فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ ما ذَكَرَ صاحِبَ الكَشْفِ مِن وُجُوبِ الفاءِ في لَيْسَ إذا لَمْ تُجَرَّدْ عَنِ الشَّرْطِيَّةِ واعْتَرَضَ دَعْواهُ أنَّ (ما) لا تَعْمَلُ بِأنَّهم صَرَّحُوا بِجَوازِ تَعَلُّقِ الظَّرْفِ بِها لِتَأْوِيلِها بِانْتَفى وأنَّهُ يَكْفِي لَهُ رائِحَةُ الفِعْلِ، ويُقاسُ عَلَيْها في ذَلِكَ لَيْسَ، وكَذا دَعْوى وُجُوبِ الفاءِ في لَيْسَ إذا لَمْ تُجَرَّدْ (إذا) عَنِ الشُّرْطِيَّةِ بِأنَّ لُزُومَ الفاءِ مَعَ الأفْعالِ الجامِدَةِ إنَّما هو في جَوابِ إنَّ الشَّرْطِيَّةَ لِعَمَلِها كَما صَرَّحُوا بِهِ. وأمّا ( إذا ) فَدُخُولُ الفاءِ في جَوابِها عَلى خِلافِ الأصْلِ. وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى فِيها قَوْلانِ آخَرانِ، وبَعْدَ القِيلِ والقالِ الأُولى كَوْنُ العامِلُ مَحْذُوفًا وهو الجَوابُ كَما سَمِعْتَ وفي إبْهامِهِ تَهْوِيلٌ وتَفْخِيمٌ لِأمْرِ الواقِعَةِ.
{"ayah":"إِذَا وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق