الباحث القرآني
﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ﴾ تَنْزِيهٌ وتَقْدِيسٌ لَهُ تَعالى فِيهِ تَقْرِيرٌ لِما ذُكِرَ في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ مِن آلائِهِ جَلَّ شَأْنُهُ الفائِضَةِ عَلى الأيّامِ، - فَتَبارَكَ - بِمَعْنى تَعالى لِأنَّهُ يَكُونُ بِمَعْناهُ وهو أنْسَبُ بِالوَصْفِ الآتِي، وقَدْ ورَدَ في الأحادِيثِ «تَعالى اسْمُهُ» أيْ تَعالى اسْمُهُ الجَلِيلُ الَّذِي مِن جُمْلَتِهِ ما صَدَرَتْ بِهِ السُّورَةُ مِنَ اسْمِ ( الرَّحْمَنُ ) المُنْبِئُ عَنْ إفاضَةِ الآلاءِ المُفَصَّلَةِ، وارْتَفَعَ مِمّا لا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها جُحُودُ نَعْمائِهِ وتَكْذِيبِها، وإذا كانَ حالُ اسْمِهِ تَعالى بِمُلابَسَةِ دَلالَتِهِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ كَذَلِكَ فَما ظَنُّكَ بِذاتِهِ الأقْدَسِ الأعْلى ؟ ؟ .
وقِيلَ: الِاسْمُ بِمَعْنى الصِّفَةِ لِأنَّها عَلامَةٌ عَلى مَوْصُوفِها، وقِيلَ: هو مُقْحَمٌ كَما في قَوْلِ مَن قالَ: ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما، وقِيلَ: هو بِمَعْنى المُسَمّى، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ الأنْسَبَ بِما قَصَدَ مِن هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ هو تَعَدُّدُ الآلاءِ والنِّعَمِ تَفْسِيرُ ( تَبارَكَ ) بِكَثُرَتْ خَيْراتُهُ ثُمَّ إنَّهُ لا بُعْدَ في إسْنادِهِ بِهَذا المَعْنى لِاسْمِهِ تَعالى إذْ بِهِ يُسْتَمْطَرُ فَيُغاثُ ويُسْتَنْصَرُ فَيُعانُ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ذِي الجَلالِ والإكْرامِ﴾ صِفَةٌ لِلرَّبِّ ووَصْفُ جَلَّ وعَلا بِذَلِكَ تَكْمِيلًا لِما ذُكِرَ مِنَ التَّنْزِيهِ والتَّقْرِيرِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأهْلُ الشّامِ - ذُو - بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ وصْفٌ لِلِاسْمِ ووَصْفُهُ بِالجَلالِ والإكْرامِ بِمَعْنى التَّكْرِيمِ واضِحٌ.
* * *
هَذا «ومِن بابِ الإشارَةِ» في بَعْضِ الآياتِ ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ إشارَةٌ إلى ما أوْدَعَهُ سُبْحانَهُ في الأرْواحِ الطَّيِّبَةِ القُدْسِيَّةِ مِنَ العُلُومِ الحَقّانِيَّةِ الإجْمالِيَّةِ عِنْدَ اسْتِوائِهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى عَرْشِ الرَّحْمانِيَّةِ ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ الكامِلَ الجامِعَ ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ وهو تَفْصِيلُ تِلْكَ العُلُومِ الإجْمالِيَّةِ ﴿فَإذا قَرَأْناهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ﴾ [القِيامَةِ: 18، 19] ﴿الشَّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ﴾ يُشِيرُ إلى شَمْسِ النُّبُوَّةِ وقَمَرِ الوِلايَةِ الدّائِرَتَيْنِ في فَلَكِ وُجُودِ الإنْسانِ بِحِسابِ التَّجَلِّياتِ ومَراتِبَ الِاسْتِعْداداتِ، ﴿والنَّجْمُ﴾ القُوى السُّفْلِيَّةُ ﴿والشَّجَرُ﴾ الِاسْتِعْداداتُ العُلْوِيَّةُ ﴿يَسْجُدانِ﴾ يَتَذَلَّلانِ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعالى عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ ﴿والسَّماءَ﴾ سَماءُ القُوى الإلَهِيَّةِ القُدْسِيَّةِ ﴿رَفَعَها﴾ فَوْقَ أرْضِ البَشَرِيَّةِ ﴿ووَضَعَ المِيزانَ﴾ القُوَّةَ المُمَيَّزَةَ ﴿ألا تَطْغَوْا في المِيزانِ﴾ لا تَتَجاوَزُوا عِنْدَ أخْذِ الحُظُوظِ السُّفْلِيَّةِ وإعْطاءَ الحُقُوقِ العُلْوِيَّةِ.
وجَوَّزَأنْ يَكُونَ ( المِيزانِ ) الشَّرِيعَةَ المُطَهَّرَةَ فَإنَّها مِيزانٌ يَعْرِفُ بِهِ الكامِلُ مِنَ النّاقِصِ ﴿والأرْضَ﴾ أرْضُ البَشَرِيَّةِ ﴿وضَعَها﴾ بَسَطَها وفَرَشَها ﴿لِلأنامِ﴾ لِلْقُوى الإنْسانِيَّةِ ﴿فِيها فاكِهَةٌ﴾ مِن فَواكِهَ مُعَرَّفَةِ الصِّفاتِ الفِعْلِيَّةِ ﴿والنَّخْلُ ذاتُ الأكْمامِ﴾ وهي الشَّجَرَةُ الإنْسانِيَّةُ الَّتِي هي المَظْهَرُ الأعْظَمُ وذاتُ أطْوارٍ كُلُّ طَوْرٍ مَسْتُورٍ بِطَوْرٍ آخَرَ ﴿والحَبُّ﴾ هو حُبُّ الحُبِّ المَبْذُورِ في مَزارِعَ القُلُوبِ السَّلِيمَةِ مِنَ الدَّغَلِ ﴿ذُو العَصْفِ﴾ أوْراقُ المُكاشَفاتِ ﴿والرَّيْحانُ﴾ رَيْحانُ المُشاهَدَةِ ﴿رَبُّ المَشْرِقَيْنِ ورَبُّ المَغْرِبَيْنِ﴾ رَبُّ مَشْرِقِ شَمْسِ النُّبُوَّةِ ومَشْرِقِ قَمَرِ الوِلايَةِ في العالَمِ الجُسْمانِيِّ ورَبُّ مَغْرِبِهِما في العالَمِ الرُّوحانِيِّ ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ﴾ بَحْرُ سَماءَ القُوى العُلْوِيَّةِ وبَحْرُ أرْضِ القُوى السُّفْلِيَّةِ ﴿يَلْتَقِيانِ﴾ ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ﴾ حاجِزُ القَلْبِ ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ أنْواعُ أنْوارِ الأسْرارِ ونِيرانِ الأشْواقِ ﴿ولَهُ الجَوارِ المُنْشَآتُ﴾ سُفُنُ الخَواطِرِ المُسَخَّرَةِ في بَحْرِ الإنْسانِ ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ ما شَمَّ رائِحَةَ الوُجُودِ ﴿ويَبْقى وجْهُ رَبِّكَ﴾ الجِهَةُ الَّتِي تَلِيهِ سُبْحانَهُ وهي شُؤُوناتُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿ذُو الجَلالِ﴾ أيِ الِاسْتِغْناءِ التّامِّ عَنْ جَمِيعِ المَظاهِرِ ﴿والإكْرامِ﴾ الفَيْضُ العامُ يَفِيضُ عَلى القَوابِلِ حَسْبَما اسْتَعَدَّتْ لَهُ وسَألَتْهُ بِلِسانِ حالِها، وإلَيْهِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ (p-128)والأرْضِ﴾ إلَخْ، واسْتَدَلَّ الشَّيْخُ الأكْبَرُ مُحْيِي الدِّينِ قَدَّسَ سِرَّهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ﴾ عَلى شَرَفِ التَّلَوُّنِ، وكَذا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلى عَدَمِ بَقاءِ الجَوْهَرِ آنِّينَ، وعَلى هَذا الطِّرازِ ما قِيلَ في الآياتِ بَعْدُ، وذَكَرَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ( فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) قَدْ ذُكِرَ إحْدى وثَلاثِينَ مَرَّةً، ثَمانِيَةٌ مِنها عَقِيبَ تَعْدادِ عَجائِبِ خَلْقِهِ تَعالى وذِكْرِ المَبْدَأِ والمِعادِ، وسَبْعَةٌ عَقِيبَ ذِكْرِ ما يُشْعِرُ بِالنّارِ وأهْوالِها عَلى عَدَدِ أبْوابِ جَهَنَّمَ، وثَمانِيَةٌ في وصْفِ الجَنَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ ومِثْلُها في وصْفِ الجَنَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ دُونَهُما عَلى عَدَدِ أبْوابِ الجَنَّةِ فَكَأنَّهُ أُشِيرَ بِذَلِكَ إلى أنَّ مَنِ اعْتَقَدَ الثَّمانِيَةَ الأوْلى وعَمِلَ بِمُوجِبِها اسْتَحَقَّ كِلْتا الجَنَّتَيْنِ مِنَ اللَّهِ تَعالى ووَقاهُ جَهَنَّمَ ذاتَ الأبْوابِ السَّبْعَةِ واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِإشاراتِ كِتابِهِ وحَقائِقَ خِطابِهِ ودَقائِقَ كَلامِهِ الَّتِي لا تُحِيطُ بِها الأفْهامُ وتَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ والإكْرامِ.
{"ayahs_start":77,"ayahs":["فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","تَبَـٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِی ٱلۡجَلَـٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق