الباحث القرآني
﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ قِيلَ: بِتَقْدِيرِ يَتَنَعَّمُونَ مُتَّكِئِينَ أوْ أعْنِي مُتَّكِئِينَ، والضَّمِيرُ لِأهْلِ الجَنَّتَيْنِ المَدْلُولُ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِهِما ﴿عَلى رَفْرَفٍ﴾ اسْمُ جِنْسٍ أوِ اسْمُ جَمْعٍ واحِدُهُ رَفْرَفَةٌ، وعَلى الوَجْهَيْنِ يَصِحُّ وصْفُهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿خُضْرٍ﴾ وجَعَلَهُ بَعْضُهم جَمْعًا لِهَذا الوَصْفِ ولا يَخْفى أنَّ أمْرَ الوَصْفِيَّةِ لا يُتَوَقَّفُ عَلى ذَلِكَ الجَعْلِ، وفَسَّرَهُ في الآيَةِ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وابْنُ عَبّاسٍ والضَّحّاكُ بِفُضُولِ المَحابِسِ وهي ما يُطْرَحُ عَلى ظَهْرِ الفِراشِ لِلنَّوْمِ عَلَيْهِ، وقالَ الجَوْهَرِيُّ: الرَّفْرَفُ ثِيابٌ خُضْرٌ تُتَّخَذُ مِنها المَحابِسُ واشْتِقاقُهُ مِن رَفٍّ إذا ارْتَفَعَ، وقالَ الحَسَنُ - فِيما أخْرَجَهُ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنْهُ - هي البُسُطُ.
وأخْرَجَ عَنْ عاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ أنَّها الوَسائِدُ، ورُوِيِّ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا وابْنِ كِيسانَ وقالَ الجِبائِيُّ: الفُرُشُ المُرْتَفِعَةُ، وقِيلَ: ما تَدَلّى مِنَ الأسِرَّةِ مِن غالِي الثِّيابِ، وقالَ الرّاغِبُ: ضَرْبٌ مِنَ الثِّيابِ مُشَبَّهَةٌ بِالرِّياضِ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وجَماعَةٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّهُ قالَ: الرَّفْرَفُ رِياضُ الجَنَّةِ، وأخْرَجَ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وهو عَلَيْهِ - كَما في البَحْرِ - مِن رَفِّ النَّبْتِ نَعِمَ وحَسُنَ، ويُقالُ الرَّفْرَفُ لِكُلِّ ثَوْبٍ عَرِيضٍ ولِلرَّقِيقِ مِن ثِيابِ الدِّيباجِ ولِأطْرافِ الفُسْطاطِ والخِباءِ الواقِعَةِ عَلى الأرْضِ دُونَ الأطْنابِ والأوْتادِ، وظاهِرُ كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّهُ قِيلَ بِهَذا المَعْنى هُنا وفِيهِ شَيْءٌ ﴿وعَبْقَرِيٍّ﴾ هو مَنسُوبٌ إلى عَبْقَرٍ تَزْعُمُ العَرَبُ أنَّهُ اسْمُ بَلَدِ الجِنِّ فَيَنْسِبُونَ إلَيْهِ كُلَّ عَجِيبٍ غَرِيبٍ مِنَ الفُرُشِ وغَيْرِها فَمَعْناهُ الشَّيْءُ العَجِيبُ النّادِرُ، ومِنهُ ما جاءَ في عُمَرَ الفارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ فَلَمْ أرى عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرْيَةً، ولِتَناسِي تِلْكَ النِّسْبَةِ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَنسُوبٍ بَلْ هو مِثْلُ كُرْسِيٍّ وبُخْتِيٍّ كَما نَقُلْ عَنْ قُطْرُبٍ، والمُرادُ الجِنْسُ ولِذَلِكَ وُصِفَ بِالجَمْعِ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ( حِسانٍ ) حَمَلا عَلى المَعْنى، وقِيلَ: هو اسْمُ جَمْعٍ أوْ جَمْعٌ واحِدُهُ عَبْقَرِيَّةٌ، وفَسَّرَهُ الأكْثَرُونَ بِعِتاقِ الزَّرابِيِّ وعَنْ أبِي عُبَيْدَةَ هو ما كُلُّهُ وشْيٌّ مِنَ البُسْطِ.
ورَوى غَيْرُ واحِدٍ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ الدِّيباجُ الغَلِيظُ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّها بُسُطٌ فِيها صُوَرٌ وقَدْ سَمِعْتَ ما نُقِلَ عَنْهُ في الرَّفْرَفِ فَلا تَغْفَلُ عَمّا يَقْتَضِيهِ العَطْفُ.
وقَرَأ عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ونَصْرُ بْنُ عاصِمٍ الجَحْدَرِيِّ ومالِكُ بْنُ دِينارٍ وابْنُ مُحَيْصَنِ (p-125)
وزُهَيْرٌ الفُرْقُبِيُّ وغَيْرُهم رَفارِفُ جَمْعٌ لا يَنْصَرِفُ «خُضْرٌ» بِسُكُونِ الضّادِ، «وعَباقِرِيًّ» بِكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الياءِ مُشَدَّدَةً، وعَنْهم أيْضًا ضَمُّ الضّادِ، وعَنْهم أيْضًا فَتْحُ القافِ قالَهُ صاحِبُ اللَّوامِحِ ثُمَّ قالَ أمّا مَنعُ الصَّرْفِ مِن عَباقِرِيٍّ فَلِمُجاوَرَتِهِ لِرَفارِفَ يَعْنِي لِلْمُشاكَلَةِ وإلّا فَلا وجْهَ لِمَنعِ الصَّرْفِ مَعَ ياءَيِ النَّسَبِ إلّا في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ انْتَهى.
وقالَ ابْنُ خالَوَيْهَ قَرَأ - عَلى رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقَرِيَّ - النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، والجَحْدَرِيُّ وابْنُ مُحَيْصَنٍ، وقَدْ رُوِيَ عَمَّنْ ذَكَرْنا - عَلى رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقَرِيٍّ - بِالصَّرْفِ، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ مالِكِ بْنِ دِينارِ، وقَرَأ أبُو مُحَمَّدٌ المَرْوَزِيُّ وكانَ نَحْوِيًّا - عَلى رَفارِفَ خِضارٍ - بِوَزْنِ فِعالٍ، وقالَ صاحِبُ الكامِلِ: قَرَأ رَفارِفَ بِالجَمْعِ ابْنُ مَصْرِفِ وابْنُ مُقْسِمٍ وابْنُ مُحَيْصَنٍ، واخْتارَهُ شِبْلٌ وأبُو حَيْوَةَ والجَحْدَرِيُّ والزَّعْفَرانِيُّ وهو الِاخْتِيارُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ( خُضْرٍ )، و«عَباقِرِيِّ» بِالجَمْعِ وبِكَسْرِ القافِ مِن غَيْرِ تَنْوِينٍ ابْنُ مُقْسِمٍ وابْنُ مُحَيْصَنٍ، ورُوِيَ عَنْهُما التَّنْوِينُ.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَرَأ زُهَيْرٌ القُرْقُبِيُّ رَفارِفُ بِالجَمْعِ وتَرْكُ الصَّرْفِ، وأبُو طُعْمَةَ المَدَنِيُّ وعاصِمٌ فِيما رُوِيَ عَنْهُ رَفارِفٌ بِالصَّرْفِ وعُثْمانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ كَذَلِكَ، وعَباقَرِيُّ بِالجُمَعِ والصَّرْفِ، وعَنْهُ وعَباقَرِيُّ بِفَتْحِ القافِ والياءِ عَلى أنَّ اسْمَ المَوْضِعِ عَباقَرُ بِفَتْحِ القافِ، والصَّحِيحُ فِيهِ عَبْقَرُ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قُرِئَ عَباقَرِيُّ كَمَدائِنِيِّ.
ورَوى أبُو حاتِمٍ عَباقَرِيُّ بِفَتْحِ القافِ ومَنعِ الصَّرْفِ وهَذا لا وجْهَ لِصِحَّتِهِ، وقالَ الزَّجّاجُ: هَذِهِ القِراءَةُ لا مُخْرِجَ لَها لِأنَّ ما جاوَزَ الثَّلاثَةَ لا يُجْمَعُ بِياءِ النَّسَبِ فَلَوْ جَمَعْتَ عَبْقَرِيَّ قُلْتَ: عَباقِرَةَ نَحْوَ مُهْلَبِيُّ ومَهالِبَةُ ولا تَقُولُ مَهالَبِيَّ.
وقالَ ابْنُ جِنِّيِّ: أمّا تَرْكُ صَرْفِ عَباقِرِيِّ فَشاذٌّ في القِياسِ ولا يُسْتَنْكَرُ شُذُوذَهُ مَعَ اسْتِعْمالِهِ، وقالَ ابْنُ هِشامٍ: كَوْنُهُ مِنَ النِّسْبَةِ إلى الجَمْعِ كَمَدائِنِيٍّ باطِلٌ فَإنَّ مَن قَرَأ بِذَلِكَ قَرَأ رَفارِفَ خُضْرٍ بِقَصْدِ المُجانَسَةِ ولَوْ كانَ كَما ذَكَرَ كانَ مُفْرَدًا ولا يَصِحُّ مَنعُ صَرْفِهِ كَمُدايِنِيِّ وقَدْ صَحَّتِ الرِّوايَةُ بِمَنعِهِ الصَّرْفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَهو مِن بابِ كُرْسِيٍّ وكَراسِيٍّ وهو مِن صِيغَةِ مُنْتَهى الجُمُوعِ لَكِنَّها خالَفَتِ القِياسَ في زِيادَةِ ما بَعْدَ الألْفِ عَلى المَعْرُوفِ كَما ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ، وقالَ صاحِبُ الكَشْفِ فَتْحُ القافِ لا وجْهَ لَهُ بِوَجْهٍ والمَذْكُورُ في المُنْتَقى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الكَسْرُ.
وأمّا مَنعُ الصَّرْفِ فَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِيُرَدَّ بَلْ وجْهُهُ أنَّهُ نُصِبَ عَلى مَحَلِّ رَفْرَفَ عَلى حَدِّ: يَذْهَبْنَ في نَجْدٍ وغَوْرًا.
وإضافَتُهُ إلى ( حِسانٍ ) مِثْلُ إضافَةِ حُورٍ إلى عِينٍ في قِراءَةِ عِكْرِمَةَ كَأنَّهُ قِيلَ: عَباقَرِيُّ مَفارِشُ، أوْ نَمارِقُ حِسانٌ فَهو مِن بابِ أخْلاقِ ثِيابِ لِأنَّ أحَدَ الوَصْفَيْنِ قائِمٌ مُقامَ المَوْصُوفِ، ولَعَلَّ عَبْقَرَ وعَباقِرَ مِثْلُ عَرَفَةَ وعَرَفاتِ انْتَهى، فَأحِطْ بِجَوانِبِ الكَلامِ ولا تَغْفُلْ، وقَرَأ ابْنُ هُرْمُزِ خُضُرَ بِضَمِّ الضّادِ وهي لُغَةٌ قَلِيلَةٌ ومِن ذَلِكَ قَوْلُ طُرْفَةَ:
؎أيُّها القَيْناتُ في مَجْلِسِنا جَرِّدُوا مِنها وِرادًا وشُقْرَ
وقَوْلُ الآخَرِ:
؎وما انْتَمَيْتُ إلى خَوْدٍ ولا كَشْفٍ ∗∗∗ ولا لِئامٍ غَداةَ الرَّوْعِ أوْزاعِ
فَشُقْرٌ جَمْعُ أشْقَرِ، وكَشْفٌ جَمَعُ أكْشْفِ وهو مَن يَنْهَزِمُ في الحَرْبِ، هَذا والوَصْفُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ﴾ إلَخْ دُونَ الوَصْفِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِن إسْتَبْرَقٍ﴾ [الرَّحْمَنِ: 54] عِنْدَ القائِلِ بِتَفْضِيلِ الجَنَّتَيْنِ السّابِقَتَيْنِ لِما في هَذا الوَصْفِ مِنَ الإشارَةِ إلى أنَّ الظَّهائِرِ مِمّا يَعْجُزُ عَنْها الوَصْفُ. ومَن ذَهَبَ إلى تَفْضِيلِ الأخِيرَتَيْنِ يَقُولُ: الرَّفْرَفُ ما يُطْرَحُ عَلى ظَهْرِ الفَرّاشِ ولَيْسَتِ الفُرُشالَّتِي يُطْرَحُ عَلَيْها الرَّفْرَفُ مَذْكُورَةٌ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَرْكُ ذِكْرِها لِلْإشارَةِ إلى عَدَمِ إحاطَةِ الوَصْفِ بِها ظِهارَةً وبِطانَةً وهو أبْلَغُ مِنَ الأوَّلِ، ولا يَسْلَمُ أنَّ تِلْكَ الفُرُشَ هي العَبْقَرِيُّ، أوْ يَقُولُ الرَّفْرَفَ الفُرُشَ المُرْتَفِعَةَ وتَرَكَ التَّعَرُّضِ لِسِوى لَوْنَها وهو الخُضْرَةُ الَّتِي مَيْلُ الطِّباعِ (p-126)
إلَيْها أشَدُّ وهي جامِعَةٌ لِأُصُولِ الألْوانِ الثَّلاثَةِ عَلى ما بَيَّنَهُ الإمامُ يُشِيرُ إلى أنَّها مِمّا لا تَكادُ تُحِيطُ بِحَقِيقَتِها العَباراتُ، وقَدْ يُقالُ غَيْرُذَلِكَ فَتَأمَّلْ، ويَنْبَغِي عَلى القَوْلِ بِتَفْضِيلِ الأخِيرَتَيْنِ وكَوْنِهِما لِطائِفَةٍ غَيْرِ الطّائِفَةِ المُشارِ إلَيْهِمْ بِمَن خافَ أنْ لا يُفَسِّرُ مِن
خافَ بِمَن لَهُ شِدَّةُ الخَوْفِ بِحَيْثُ يُخْتَصُّ بِأفْضَلِ المُؤْمِنِينَ وأجَلِّهِمْ. أوْ يُقالُ: إنَّهُما مَعَ الأُولَيَيْنِ لِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ويَكُونُ المَعْنى ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ أيْضًا ( جَنَّتانِ ) صِفَتُهُما كَيْتٌ وكَيْتٌ مِن دُونِ تِينِكَ الجَنَّتَيْنِ، وعَلَيْهِ قِيلَ: ( جَنَّتانِ ) عَطْفٌ عَلى ( جَنَّتانِ ) قَبْلَهُ ﴿ومِن دُونِهِما﴾ في مَوْضِعِ الحالِ، وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ هاتَيْنِ الجَنَّتَيْنِ سَواءٌ كانَتا أفَضَّلَ مِنَ الأُولَيَيْنِ أمْ لا لِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ فَلَهُ يَوْمُ القِيامَةِ أرْبَعُ جِنانَ.
قالَ الطَّبَرَسِيُّ: والأخِيرَتانِ دُونَ الأُولَيَيْنِ أيْ أقْرَبَ إلى قَصْرِهِ ومَجالِسِهِ لِيَتَضاعَفَ لَهُ السُّرُورُ بِالتَّنَقُّلِ مِن جَنَّةٍ إلى جَنَّةٍ عَلى ما هو مَعْرُوفٌ مِن طَبْعِ البَشَرِ مِن شَهْوَةِ مِثْلِذَلِكَ وهو أبْعَدُ عَنِ المَلَلِ الَّذِي طُبِعَ عَلَيْهِ البَشَرُ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الآيَةَ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ احْتِمالًا ظاهِرًا لَكِنْ ما تَقَدَّمَ مِن حَدِيثِ أبِي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ يَأْباهُ فَإذا صَحَّ ولَوْ مَوْقُوفًا - إذْ حُكْمُ مِثْلُهُ حَكَمُ المَرْفُوعِ - لَمْ يَكُنْ لَنا العُدُولُ عَمّا يَقْتَضِيهِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أيْضًا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ذَكَرَهُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ في الدُّرِّ المَنثُورِ يُشْعِرُ بِأنَّ الجِنانَ الأرْبَعَ هي جِنانُ الفِرْدَوْسِ.
وأخْرَجَ عَنْهُ أحْمَدٌ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وغَيْرُهم أنَّهُ قالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««جِنانُ الفِرْدَوْسِ أرْبَعُ جَنَّتانِ مِن ذَهَبٍ حِلْيَتُهُما وآنِيَتُهُما وما فِيهِما وجَنَّتانِ مِن فِضَّةٍ حِلْيَتُهُما وآنِيَتُهُما وما فِيهِما وما بَيْنَ القَوْمِ وبَيْنَ أنْ يَنْظُرُوا إلى رَبِّهِمْ إلّا رِداءَ الكِبْرِياءِ عَلى وجْهِهِ في جِنَّةِ عَدْنٍ»» والظّاهِرُ عَلى هَذا أنَّهُ يَشْتَرِكُ الأُلُوفُ في الجَنَّةِ الواحِدَةِ مِن هَذِهِ الجِنانِ، ومَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِمَن خافَ﴾ إلَخْ عَلَيْهِ مِمّا لا يَخْفى، ثُمَّ إنَّ قاصِراتِ الطَّرْفِ كُنَّ مِنَ الإنْسِ فَهُنَّ أجَلُّ قَدْرًا وأحْسَنُ مَنظَرًا مِنَ الحَوَرِ المَقْصُوراتِ في الخِيامِ بِناءً عَلى أنَّهُنَّ النِّساءُ المَخْلُوقاتُ في الجَنَّةِ.
فَقَدْ جاءَ مِن حَدِيثِ أمِّ سَلَمَةَ ««قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ: أنِساءُ الدُّنْيا أفْضَلُ أمِ الحُورُ العَيْنِ ؟ قالَ: نِساءُ الدُّنْيا أفْضَلُ مِنَ الحُورِ العِينِ كَفَضْلِ الظِّهارَةِ عَلى البِطانَةِ، قُلْتُ: يا رَسُولُ اللَّهِ وبِمَ ذاكَ ؟ قالَ: بِصَلاتِهِنَّ وصِيامِهِنَّ وعِبادَتِهِنَّ ألْبَسُ اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ وأجْسادَهُنَّ الحَرِيرَ بِيضُ الوُجُوهِ خُضْرُ الثِّيابِ صُفْرُ الحُلِيِّ مَجامِرَهُنَّ الدُّرُّ وأمْشاطَهِنَّ الذَّهَبُ يَقُلْنَ ألا نَحْنُ الخالِداتُ فَلا نَمُوتُ أبَدًا ألا ونَحْنُ النّاعِماتُ فَلا نَيْأسُ أبَدًا طُوبى لِمَن كُنّا لَهُ وكانَ لَنا»» إلى غَيْرِهِ مِنَ الأخْبارِ ويَكُونُ هَذا مُؤَيَّدًا لِلْقَوْلِ بِتَفْضِيلِ الجَنَّتَيْنِ الأُولَيَيْنِ عَلى الأخِيرَتَيْنِ ولَعَلَّهُ إنَّما قَدَّمَ سُبْحانَهُ ذِكْرَ الِاتِّكاءِ أوَّلًا عَلى ذِكْرِ النِّساءِ لِأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ ذَكَرَ في صَدْرِ الآيَةِ الخَوْفَ حَيْثُ قالَ سُبْحانَهُ: ﴿ولِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ فَناسَبَ التَّعْجِيلَ بِذِكْرِ ما يُشْعِرْ بِزَوالِهِ إشْعارًا ظاهِرًا وهو الِاتِّكاءُ فَإنَّهُ مِن شَأْنِ الآمِنِينَ، وأخَّرَ سُبْحانَهُ ذِكْرَهُ ثانِيًا عَنْ ذِكْرِهِنَّ لِعَدَمِ ما يَسْتَدْعِيِ التَّقْدِيمَ وكَوْنُهُ مِمّا يَكُونُ لِلرَّجُلِ عادَةً بَعْدَ فَراغِ ذِهْنِهِ عَمّا يَحْتاجُهُ المَنزِلُ مِن طَعامٍ وشَرابٍ وقَيْنَةٍ تَكُونُ فِيهِ، وإذا قُلْنا: إنَّ الحَوَرَ كالجَوارِي في المَنزِلِ كانَ أمْرُ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ أوْقَعَ، وقالَ الإمامُ في ذَلِكَ: إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ تَعَبٌ وحَرَكَةٌ فَهم مُتَنَعِّمُونَ دائِمًا لَكِنَّ النّاسَ في الدُّنْيا عَلى أقْسامٍ مِنهم مَن يَجْتَمِعُ مَعَ أهْلِهِ اجْتِماعَ مُسْتَوْفِزَ وعِنْدَ قَضاءِ وطَرِهِ يَغْتَسِلُ ويَنْتَشِرُ في الأرْضِ لِلْكَسْبِ، ومِنهم مَن يَكُونُ مُتَرَدِّدًا في طَلَبِ الكَسْبِ وعِنْدَ تَحْصِيلِهِ يَرْجِعُ إلى أهْلِهِ ويَسْتَرِيحُ عَمّا لَحِقَهُ مَن تَعِبٍ قَبْلَ قَضاءَ الوَطَرِ أوْ بَعْدَهُ فاللَّهُ عَزَّ وجَلَّ قالَ في أهْلِ الجَنَّةِ: ( مُتَّكِئُونَ ) قِيلَ اجْتِماعُهم بِأهالِيهِمْ مُتَّكِئُونَ بَعْدَ الِاجْتِماعِ لِيُعْلِمَ أنَّهم دائِمُونَ عَلى السُّكُونِ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا عَلى ما فِيهِ لا يَحْسِمُ السُّؤالَ إذْ لِقائِلٍ (p-127)
أنْ يَقُولَ لِمَ لَمْ يَعْكِسْ أمْرَ التَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ في المَوْضِعَيْنِ مَعَ أنَّهُ يَتَضَمَّنُ الإشارَةَ إلى ذَلِكَ أيْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ في ذَلِكَ وجْهًا ثانِيًا وهو عَلى ما فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلى ما لا مُسْتَنَدَ لَهُ فِيهِ مِنَ الآثارِ فَتَدَبَّرْ
{"ayahs_start":75,"ayahs":["فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ","مُتَّكِـِٔینَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرࣲ وَعَبۡقَرِیٍّ حِسَانࣲ"],"ayah":"فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق