الباحث القرآني

ثُمَّ أتْبَعَ سُبْحانَهُ نِعْمَةَ تَعْلِيمِ القُرْآنِ بِخَلْقِ الإنْسانِ فَقالَ تَعالى: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ لِأنَّ أصْلَ النِّعَمِ عَلَيْهِ، وإنَّما قُدِّمَ ما قُدِّمَ مِنها لِأنَّهُ أعْظَمُها، وقِيلَ: لِأنَّهُ مُشِيرٌ إلى الغايَةِ مِن خَلْقِ الإنْسانِ وهو كَمالُهُ في قُوَّةِ العِلْمِ والغايَةِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلى ذِي الغايَةِ ذِهْنًا وإنْ كانَ الأمْرُ بِالعَكْسِ خارِجًا، والمُرادُ بِالإنْسانِ الجِنْسُ وبِخَلْقِهِ إنْشاؤُهُ عَلى ما هو عَلَيْهِ مِنَ القُوى الظّاهِرَةِ والباطِنَةِ، ثُمَّ أتْبَعَ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ بِنِعْمَةِ تَعْلِيمِالبَيانَ فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ لِأنَّ البَيانَ هو الَّذِي بِهِ يُتَمَكَّنُ عادَةً مِن تَعَلُّمِ القُرْآنِ وتَعْلِيمِهِ، والمُرادُ بِهِ المَنطِقُ الفَصِيحُ المُعْرِبُ عَمّا في الضَّمِيرِ. والمُرادُ بِتَعْلِيمِهِ نَحْوَ ما مَرَّ، وفي الإرْشادِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ تَعْيِينٌ لِلْمُتَعَلِّمِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ تَبْيِينٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّعْلِيمِ، والمُرادُ بِتَعْلِيمِ البَيانِ تَمْكِينُ الإنْسانِ مِن بَيانِ نَفْسِهِ، ومِن فَهْمِ بَيانِ غَيْرِهِ إذْ هو الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ تَعْلِيمُ القُرْآنِ. وقِيلَ: بِناءً عَلى تَقْدِيرِ المَفْعُولِ المَحْذُوفِ المَلائِكَةَ المُقَرَّبِينَ إنَّ تَقْدِيمَ تَعْلِيمِ القُرْآنِ لِتَقَدُّمِهِ وُقُوعًا فَهم قَدْ عَلِمُوهُ قَبْلَ خَلْقِ الإنْسانِ ورُبَّما يَرْمُزُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ ﴿لا يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ﴾ [الواقِعَةِ: 77 - 79] وفي النَّظْمِ الجَلِيلِ عَلَيْهِ حَسَنٌ زائِدٌ حَيْثُ إنَّهُ تَعالى ذَكَرَ أُمُورًا عُلْوِيَّةً وأُمُورًا سُفْلِيَّةً وكُلُّ عُلْوِيٍّ قابَلَهُ بِسُفْلِيٍّ ويَأْتِي هَذا عَلى تَقْدِيرِ المَفْعُولِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أيْضًا؛ وقالَ الضَّحّاكُ: ﴿البَيانَ﴾ الخَيْرُ والشَّرُّ، وقالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَبِيلُ الهُدى وسَبِيلُ الضَّلالَةِ، وقالَ يَمانُ: الكِتابَةُ والكُلُّ كَما تَرى، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِهِ القُرْآنُ وقَدْ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى بَيانًا في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿هَذا بَيانٌ﴾ [آلَ عِمْرانَ: 138] وأُعِيدَ لِيُكُونَ الكَلامُ تَفْصِيلًا لِإجْمالِ عِلْمِ القُرْآنِ وهَذا في غايَةِ البُعْدِ وقالَ قَتادَةُ: ( الإنْسانَ ) آدَمُ، ( والبَيانَ ) عِلْمُ الدُّنْيا والآخِرَةِ، وقِيلَ: ﴿البَيانَ﴾ أسْماءُ الأشْياءِ كُلِّها. وقِيلَ: التَّكَلُّمُ بِلُغاتٍ كَثِيرَةٍ، وقِيلَ: الِاسْمُ الأعْظَمُ الَّذِي عُلِمَ بِهِ كُلُّ شَيْءٍ، ونُسِبَ هَذا إلى جَعْفَرِ الصّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ. وقالَ ابْنُ كَيْسانَ: ( الإنْسانَ ) مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وعَلَيْهِ قِيلَ: المُرادُ بِالبَيانِ بَيانَ المَنزِلِ والكَشْفَ عَنِ المُرادِ بِهِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ﴾ [النَّحْلِ: 44] أوِ الكَلامُالَّذِي يُشْرَحُ بِهِ المُجْمَلُ والمُبْهَمُ في القُرْآنِ أوِ القُرْآنُ نَفْسُهُ عَلى ما سَمِعْتَ آنِفًا، أوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمّا يُناسِبُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ويَلِيقُ بِهِ مِنَ المَعانِي السّابِقَةِ، ولَعَلَّ ابْنَ كَيْسانَ يُقَدِّرُ مَفْعُولَ عَلَّمَ الإنْسانَ مُرادًا بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أيْضًا، وهَذِهِ أقْوالٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، والمُتَبادَرُ مِنَ الآياتِ الكَرِيمَةِ لا يَخْفى عَلَيْكَ ولا أظُنُّكَ في مِرْيَةٍ مِن تَبادُرِ ما ذَكَرْناهُ فِيها أوَّلًا. ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنَ الجُمْلَتَيْنِ الأخِيرَتَيْنِ خَبَرٌ عَنِ المُبْتَدَأِ كَجُمْلَةِ ﴿عَلَّمَ القُرْآنَ﴾ وكَذا قَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب