الباحث القرآني

﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ﴾ صِغارُ الدُّرِّ ﴿والمَرْجانُ﴾ كِبارُهُ كَما أخْرَجَ ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ ومُجاهِدٌ، وأخْرَجَهُ عَبْدُ عَنِ الرَّبِيعِ وجَماعَةٍ مِنهُمُ المَذْكُورانِ وابْنِ المُنْذِرِ وابْنِ أبِي حاتِمٍ مِن طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: ( اللُّؤْلُؤُ ) ما عَظُمَ مِنهُ ( والمَرْجانُ ) اللُّؤْلُؤُ الصِّغارُ. وأخْرَجَ هو وعَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ، وكَذا أخْرَجَ ابْنُ الأنْبارِيُّ في الوَقْفِ والِابْتِداءِ عَنْ مُجاهِدٍ، وأظُنُّ أنَّهُ إنِ اعْتُبِرَ في اللُّؤْلُؤِ مَعْنى التَّلَأْلُؤِ واللَّمَعانِ وفي المَرْجانِ مَعْنى المَرْجِ والِاخْتِلاطِ فالأوْفَقُ لِذَلِكَ ما قِيلَ ثانِيًا فِيهِما. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ الفِرْيابِيُّ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ والطَّبَرَيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قالَ: - المَرْجانُ - الخَرَزُ الأحْمَرُ أعْنِي البُسَّذَ وهو المَشْهُورُ المُتَعارَفُ، ( واللُّؤْلُؤُ ) عَلَيْهِ شامِلٌ لِلْكِبارِ والصِّغارِ. ثُمَّ إنَّ اللُّؤْلُؤَ بِناءٌ غَرِيبٌ قِيلَ: لا يُحْفَظُ مِنهُ في كَلامِ العَرَبِ أكْثَرُ مِن خَمْسَةٍ هو، والجُؤْجُؤُ الصَّدْرُ وقَرْيَةٌ بِالبَحْرَيْنِ، والدُّؤْدُؤُ آخِرُ الشَّهْرِ أوْ لَيْلَةُ خَمْسٍ وسِتٍّ وسَبْعِ وعِشْرِينَ أوْ ثَمانٍ وتِسْعٍ وعِشْرِينَ أوْ ثَلاثُ لَيالٍ مِن آخِرِهِ، والبُؤْبُؤُ بِالباءِ المُوَحَّدَةِ الأصْلُ والسَّيِّدُ الظَّرِيفُ ورَأْسُ المَكْحَلَةِ وإنْسانُ العَيْنِ ووَسَطُ الشَّيْءِ، واليُؤْيُؤُ بِالياءِ آخِرُ الحُرُوفِ طائِرٌ كالباشِقِ، ورَأيْتُ في كُتُبِ اللُّغَةِ عَلى هَذا البِناءِ غَيْرَها وهو الضُّؤْضُؤُ الأضَلُّ لِلطّائِرِ. والنُّؤْنُؤُ بِالنُّونِ المُكْثِرُ تَقْلِيبُ الحَدَقَةِ والعاجِزُ الجَبانُ، ومِن ذَلِكَ شُؤْشُؤُ دُعاءُ الحِمارِ إلى الماءِ وزَجْرُ الغَنَمِ والحِمارِ لِلْمُضِيِّ. أوْ هو دُعاءٌ لِلْغَنَمِ لِتَأْكُلَ، أوْ تَشْرَبَ وأمّا المَرْجانُ فَقَدْ ذَكَرَهُ صاحِبُ القامُوسِ في مادَّةِ - مَرَجَ - ولَمْ يَذْكُرْ ما يُفْهَمُ مِنهُ أنَّهُ مُعَرَّبٌ، وقالَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ: هو اسْمٌ أعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ. وقالَ ابْنُ دُرَيْدِ: لَمْ أسْمَعْ فِيهِ بِفِعْلٍ مُتَصَرِّفٍ. وقَرَأ طَلْحَةُ - اللُّؤْلِئُ - بِكَسْرِ اللّامِ الأخِيرَةِ. وقُرِئَ اللُّؤْلِي بِقَلْبِ الهَمْزَةِ المُتَطَرِّفَةِ ياءً ساكِنَةً بَعْدَ كَسْرِ ما قَبْلَها وكُلٌّ مِن ذَلِكَ لُغَةٌ. وقَرَأ نافِعٌ وأبُو عَمْرٍ و «يَخْرُجُ» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مِنَ الإخْراجِ، وقُرِئَ «يَخْرُجُ» مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ مِنهُ ونُصِبَ «اللُّؤْلُؤَ والمَرْجانَ» أيْ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعالى. واسْتُشْكِلَتِ الآيَةُ عَلى تَفْسِيرِ البَحْرِينِ بِالعَذْبِ والمِلْحِ دُونَ بَحْرَيْ فارِسَ والرُّومِ بِأنَّ المُشاهِدَ خُرُوجُ ﴿اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ مِن أحَدِهِما وهو المِلْحُ فَكَيْفَ قالَ سُبْحانَهُ: ( مِنهُما) ؟ وأُجِيبَ بِأنَّهُما لَمّا التَقَيا وصارا كالشَّيْءِ الواحِدِ جازَ أنْ يُقالَ: يَخْرُجانِ مِنهُما كَما يُقالُ يَخْرُجانِ مِنَ البَحْرِ ولا يَخْرُجانِ مِن جَمِيعِهِ ولَكِنَّ مِن بَعْضِهِ، وكَما تَقُولُ خَرَجَتْ مِنَ البَلَدِ وإنَّما خَرَجَتَ مِن مَحَلَّةٍ مِن مَحالِّهِ بَلْ مِن دارٍ واحِدَةٍ مِن دُورِهِ، وقَدْ يُنْسَبُ إلى الِاثْنَيْنِ ما هو لِأحَدِهِما كَما يُسْنَدُ إلى الجَماعَةِ ما صَدَرَ مِن واحِدٍ مِنهم. ومِثْلُهُ ما في الِانْتِصافِ ﴿عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزُّخْرُفَ: 31] وعَلى ما نُقِلَ عَنِ الزَّجّاجِ (p-107)﴿سَبْعَ سَماواتٍ طِباقًا﴾ ﴿وجَعَلَ القَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا﴾ [نُوحِ: 15، 16]، وقِيلَ: إنَّهُما لا يَخْرُجانِ إلّا مِن مُلْتَقى العَذْبِ والمِلْحِ ويَرُدُّهُ المُشاهَدَةَ وكَأنَّ مَن ذَكَرَهُ مَعَ ما تَقَدَّمَ لَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ قَوْلًا آخَرَ بَلْ ذَكَرَهُ لِتَقْوِيَةِ الِاتِّحادِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ عَلاقَةُ التَّجَوُّزِ أقْوى. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيِّ: هَذا مِن بابِ حَذْفِ المُضافِ والتَّقْدِيرُ يَخْرُجُ مِن أحَدِهِما وجُعِلَ ﴿مِنَ القَرْيَتَيْنِ﴾ مِن ذَلِكَ. وهو عِنْدِي تَقْدِيرُ مَعْنى لا تَقْدِيرَ إعْرابٍ. وقالَ الرُّمّانِيُّ: العَذْبُ مِنهُما كاللِّقاحِ لِلْمِلْحِ فَهو كَما يُقالُ الوَلَدُ يَخْرُجُ مِنَ الذَّكَرِ والأُنْثى أيْ بِواسِطَتِهِما، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وعِكْرِمَةُ: تَكُونُ هَذِهِ الأشْياءُ في البَحْرِ بِنُزُولِ المَطَرِ لِأنَّ الأصْدافَ في شَهْرِ نِيسانَ تَتَلَقّى ماءَ المَطَرِ بِأفْواهِها فَتَتَكَوَّنُ مِنهُ، ولِذا تَقِلُّ في الجَدْبِ، وجُعِلَ عَلَيْهِ ضَمِيرُ ( مِنهُما ) لِلْبَحْرَيْنِ بِاعْتِبارِ الجِنْسِ ولا يُحْتاجُ إلَيْهِ بِناءً عَلى ما أخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ أنَّ المُرادَ بِالبَحْرَيْنِ بَحْرُ السَّماءِ وبَحْرُ الأرْضِ. وأخْرَجَ هو وابْنُ المُنْذِرِ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ نَحْوَهُ إلّا أنَّ في تَكَوُّنِ المَرْجانِ بِناءً عَلى تَفْسِيرٍ بِالبَسَذِ مِن ماءِ المَطَرِ كاللُّؤْلُؤِ تَرَدُّدًا وإنْ قالُوا: إنَّهُ يَتَكَوَّنُ في نِيسانَ، وقالَ بَعْضُ الأئِمَّةِ: ظاهِرُ كَلامِ اللَّهِ تَعالى أوْلى بِالِاعْتِبارِ مِن كَلامِ النّاسِ، ومَن عَلِمَ أنَّ اللُّؤْلُؤَ لا يَخْرُجُ مِنَ الماءِ العَذْبِ وهَبْ أنَّ الغَوّاصِينَ ما أخْرَجُوهُ إلّا مِنَ المِلْحِ، ولَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الصَّدَفَ لا يَخْرُجُ بِأمْرِ اللَّهِ تَعالى مِنَ الماءِ العَذْبِ إلى الماءِ المِلْحِ فَإنَّ خُرُوجَهُ مُحْتَمَلٌ تَلَذُّذًا بِالمُلُوحَةِ كَما تَلْتَذُّ المُتَوَحِّمَةُ بِها في أوائِلَ حَمْلِها حَتّى إذا خَرَجَ لَمْ يُمْكِنْهُ العَوْدَ، وكَيْفَ يُمْكِنُ الجَزْمُ بِما قُلْتُمْ وكَثِيرٌ مِنَ الأُمُورِ الأرْضِيَّةِ الظّاهِرَةِ خَفِيَتْ عَنِ التُّجّارِ الَّذِينَ قَطَعُوا المَفاوِزَ ودارُوا البِلادَ فَكَيْفَ لا يَخْفى أمْرٌ ما في قَعْرِ البَحْرِ عَلَيْهِمْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ.( ومِن غَرِيبِ التَّفْسِيرِ )ما أخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: ﴿مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ عَلِيٌّ وفاطِمَةٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ الحَسَنُ والحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما. وأخْرَجَ عَنْ إياسِ بْنِ مالِكٍ نَحْوَهُ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ البَرْزَخَ، وذَكَرَ الطَّبَرَسِيُّ مِنَ الإمامِيَّةِ في تَفْسِيرِهِ مَجْمَعَ البَيانِ الأوَّلَ بِعَيْنِهِ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرِ وسُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، والَّذِي أراهُ أنَّ هَذا إنْ صَحَّ لَيْسَ مِنَ التَّفْسِيرِ في شَيْءٍ بَلْ هو تَأْوِيلٌ كَتَأْوِيلِ المُتَصَوِّفَةِ لِكَثِيرٍ مِنَ الآياتِ، وكُلٌّ مِن عَلَيَّ، وفاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما عِنْدِي أعْظَمُ مِنَ البَحْرِ المُحِيطِ عِلْمًا وفَضْلًا، وكَذا كُلٌّ مِنَ الحَسَنَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أبْهى وأبْهَجَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ والمَرْجانِ بِمَراتِبَ جاوَزَتْ حَدَّ الحُسْبانِ ﴿فَبِأيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ مِمّا في ذَلِكَ مِنَ الزِّينَةِ والمَنافِعِ الجَلِيلَةِ فَقَدْ ذَكَرَ الأطِبّاءُ أنَّ ( اللُّؤْلُؤُ ) يَمْنَعُ الخَفَقانَ والبَحْرَ وضَعْفَ الكَبِدِ والكُلى والحَصى وحُرْقَةَ البَوْلِ والسَّدَدَ واليَرَقانَ وأمْراضَ القَلْبِ والسُّمُومَ والوَسْواسَ والجُنُونَ والتَّوَحُّشَ والرَّبْوَ شُرْبًا والجُذامَ والبَرَصَ والبُهَقَ والآثارَ مُطْلَقًا بِالطَّلْيِ إلى غَيْرِ ذَلِكَ، وأنَّ المَرْجانَ أعْنِي بالبَسَذِ يُفْرِحُ ويُزِيلُ فَسادَ الشَّهْوَةِ ولَوْ تَعْلِيقًا ونَفَثَ الدَّمِ والطُّحالِ شُرْبًا والدَّمْعَةَ والبَياضَ والسُّلاقَ والجَرَبَ كُحْلًا إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا هو مَذْكُورٌ في كُتُبِهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب