الباحث القرآني
﴿إنّا كُلَّ شَيْءٍ﴾ مِنَ الأشْياءِ ﴿خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ أيْ مُقَدَّرًا مَكْتُوبًا في اللَّوْحِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فالقَدَرُ بِالمَعْنى المَشْهُورِ الَّذِي يُقابِلُ القَضاءَ، وحَمْلُ الآيَةِ عَلى ذَلِكَ هو المَأْثُورُ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ، ورَوى الإمامُ أحْمَدُ ومُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ ماجَهْ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: ««جاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يُخاصِمُونَ (p-94)رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ في القَدَرِ فَنَزَلَتْ ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ ﴿إنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾»» وأخْرَجَ البُخارِيُّ في تارِيخِهِ والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ عَدِيٍّ وابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ««صِنْفانِ مِن أُمَّتِي لَيْسَ لَهُما في الإسْلامِ نَصِيبٌ المُرْجِئَةُ والقَدَرِيَّةُ»» أُنْزِلَتْ فِيهِمْ آيَةٌ في كِتابِ اللَّهِ ﴿إنَّ المُجْرِمِينَ في ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ إلى آخِرِ الآياتِ، وكانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَكْرَهُ القَدَرِيَّةَ جِدًّا، أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي يَحْيى الأعْرَجِ قالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ - وقَدْ ذَكَرَ القَدَرِيَّةَ - يَقُولُ: لَوْ أدْرَكْتُ بَعْضَهم لَفَعَلْتُ بِهِ كَذا وكَذا ثُمَّ قالَ: الزِّنا بِقَدَرٍ والسَّرِقَةُ بِقَدَرٍ وشُرْبُ الخَمْرِ بِقَدَرٍ.
وأخْرَجَ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: ما تَقُولُ فِيمَن يُكَذِّبُ بِالقَدَرِ ؟ قالَ: اجْمَعْ بَيْنِي وبَيْنَهُ قالَ: ما تَصْنَعُ بِهِ ؟ قالَ: أخْنُقُهُ حَتّى أقْتُلَهُ، وقَدْ جاءَ ذَمُّهم في أحادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنها ما أخْرَجَهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ والطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ قالَ: ««لِكُلِّ أُمَّةٍ مَجُوسٌ ومَجُوسُ أُمَّتِي الَّذِينَ يَقُولُونَ لا قَدَرَ إنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهم وإنْ ماتُوا فَلا تَشْهَدُوهم»» .
وجُوِّزَ كَوْنُ المَعْنى إنّا كُلُّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ مُقَدَّرًا مُحْكَمًا مُسْتَوْفًى فِيهِ مُقْتَضى الحِكْمَةِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْها أمْرُ التَّكْوِينِ، فالآيَةُ مِن بابِ ﴿وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الفُرْقانَ: 2] ونُصِبَ ( كُلَّ ) بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ أيْ إنّا خَلَقْنا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ، وقَرَأ أبُو السَّمّالِ قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ وقَوْمٌ مِن أهْلِ السُّنَّةِ بِرَفْعِ كُلَّ وهو عَلى الِابْتِداءِ، وجُمْلَةُ ( خَلَقْناهُ ) هو الخَبَرُ، و(بِقَدَرٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَما في القِراءَةِ المُتَواتِرَةِ، فَتَدُلُّ الآيَةُ أيْضًا عَلى أنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَخْلُوقٌ بِقَدَرٍ ولا يَنْبَغِي أنْ تُجْعَلَ جُمْلَةُ خَلَقْناهُ صِفَةً، ويُجْعَلَ الخَبَرُ ( بِقَدَرٍ ) لِاخْتِلافِ القِراءَتَيْنِ مَعْنًى حِينَئِذٍ، والأصْلُ تَوافُقُ القِراءاتِ، وقالَ الرَّضِيُّ: لا يَتَفاوَتُ المَعْنى لِأنَّ مُرادَهُ تَعالى بِكُلِّ شَيْءٍ كَلُّ مَخْلُوقٍ سَواءٌ نَصَبْتَ ( كُلَّ ) أوْ رَفَعْتَهُ وسَواءٌ جَعَلْتَ ( خَلَقْناهُ ) صِفَةً مَعَ الرَّفْعِ، أوْ خَبَرًا عَنْهُ، وذَلِكَ أنَّ خَلَقْنا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ لا يُرِيدُ سُبْحانَهُ بِهِ خَلَقْنا كُلَّ ما يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ لِأنَّهُ تَعالى لَمْ يَخْلُقْ جَمِيعَ المُمْكِناتِ غَيْرِ المُتَناهِيَةِ واسْمُ الشَّيْءِ يَقَعُ عَلى كُلٍّ مِنها، وحِينَئِذٍ نَقُولُ: إنَّ مَعْنى ﴿كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ﴾ عَلى أنَّ خَلَقْناهُ هو الخَبَرُ ( كُلَّ ) مَخْلُوقُ مَخْلُوقٍ ( بِقَدَرٍ ) وعَلى أنَّ ( خَلَقْناهُ ) صِفَةُ ( كُلَ شَيْءٍ ) مَخْلُوقٌ كائِنٌ ( بِقَدَرٍ ) والمَعْنَيانِ واحِدٌ إذْ لَفْظُ ( كُلَّ ) في الآيَةِ مُخْتَصٌّ بِالمَخْلُوقاتِ سَواءٌ كانَ ( خَلَقْناهُ ) صِفَةً لَهُ أوْ خَبَرًا، وتَعَقَّبَهُ السَّيِّدُ السَّنَدُ قُدِّسَ سِرُّهُ بِأنَّهُ لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إذْ جَعَلْنا ( خَلَقْناهُ ) صِفَةً كانَ المَعْنى ( كُلَّ ) مَخْلُوقٌ مُتَّصِفٌ بِأنَّهُ مَخْلُوقُنا كائِنٌ بِقَدَرٍ، وعَلى هَذا لا يَمْتَنِعُ نَظَرًا إلى هَذا المَعْنى أنْ يَكُونَ هُناكَ مَخْلُوقاتٌ غَيْرُ مُتَّصِفَةٍ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَلا تَنْدَرِجُ تَحْتَ الحُكْمِ، وأمّا إذا جَعَلْناهُ خَبَرًا أوْ نَصَبْنا ( كُلَ شَيْءٍ ) فَلا مَجالَ لِهَذا الِاحْتِمالِ نَظَرًا إلى نَفْسِ المَعْنى المَفْهُومِ مِنَ الكَلامِ فَقَدِ اخْتَلَفَ المَعْنَيانِ قَطْعًا ولا يُجْدِيهِ نَفْعًا أنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ مُتَّصِفٌ بِتِلْكَ الصِّفَةِ في الواقِعِ لِأنَّهُ إنَّما يُفْهَمُ مِن خارِجِ الكَلامِ ولا شَكَّ أنَّ المَقْصُودَ ذَلِكَ المَعْنى الَّذِي لا احْتِمالَ فِيهِ، وذَكَرَ نَحْوَهُ الشِّهابُ الخَفاجِيُّ ولِكَوْنِ النَّصْبِ نَصًّا في المَقْصُودِ اتَّفَقَتِ القِراءاتُ المُتَواتِرَةُ عَلَيْهِ مَعَ احْتِياجِهِ إلى التَّقْدِيرِ وبِذَلِكَ يَتَرَجَّحُ عَلى الرَّفْعِ المُوهِمِ لِخِلافِهِ وإنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ.
{"ayah":"إِنَّا كُلَّ شَیۡءٍ خَلَقۡنَـٰهُ بِقَدَرࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق