الباحث القرآني

﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ﴾ إضْرابٌ أتْبَعَ الإضْرابَ الأوَّلَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم جاؤُوا بِما هو أفْظَعُ مِن تَعَجُّبِهِمْ وهو التَّكْذِيبُ بِالحَقِّ الَّذِي هو النُّبُوَّةُ الثّابِتَةُ بِالمُعْجِزاتِ في أوَّلِ وهْلَةٍ مِن غَيْرِ تَفَكُّرٍ ولا تَدَبُّرٍ فَكَأنَّهُ بَدَلُ بَداءٍ مِنَ الأوَّلِ فَلا حاجَةَ إلى تَقْدِيرِ ما أجادُوا النَّظَرَ بَلْ كَذَّبُوا أوْ لَمْ يَكْذِبِ المُنْذِرُ بَلْ كَذَّبُوا، وكَوْنُ التَّكْذِيبِ المَذْكُورِ أفْظَعَ قِيلَ: مِن حَيْثُ إنَّ تَكْذِيبَهم بِالنُّبُوَّةِ تَكْذِيبٌ بِالمُنَبَّأِ بِهِ أيْضًا وهو البَعْثُ وغَيْرُهُ، وقِيلَ: لِأنَّ إنْكارَ النُّبُوَّةِ في نَفْسِهِ أفْظَعُ مِن إنْكارِ البَعْثِ، ورُبَّما لا يَتِمُّ عِنْدَ القائِلِينَ بِأنَّ العَقْلَ مُسْتَقِلٌّ بِإثْباتِ أصْلِ الجَزاءِ، عَلى أنَّ مِنَ الجائِزِ أنْ يَكُونُوا قَدْ سَمِعُوا بِالبَعْثِ مِن أصْحابِ مِلَلٍ أُخْرى بِخِلافِ نَبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ خاصَّةً، وقِيلَ: المُرادُ بِالحَقِّ الإخْبارُ بِالبَعْثِ ولا شَكَّ أنَّ التَّكْذِيبَ أسْوَأُ مِنَ التَّعَجُّبِ وأفْظَعُ فَهو إضْرابٌ عَنْ تَعَجُّبِهِمْ بِالمُنْذِرِ والمُنْذَرِ بِهِ إلى تَكْذِيبِهِمْ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ القُرْآنُ والمَضْرُوبُ عَنْهُ عَلَيْهِ عَلى ما قالَ الطَّيِّبِيُّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ق والقُرْآنِ المَجِيدِ﴾ وجُعِلَ كَبَدَلِ البَداءِ مِنَ الإضْرابِ الأوَّلِ عَلى أنَّهُ إضْرابٌ عَنْ حَدِيثِ القُرْآنِ ومَجْدِهِ إلى التَّعَجُّبِ مِن مَجِيءِ مَن أنْذَرَهم بِالبَعْثِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ وإنَّ هَذا إضْرابٌ إلى التَّصْرِيحِ بِالتَّكْذِيبِ بِهِ ويَتَضَمَّنُ ذَلِكَ إنْكارَ جَمِيعِ ما تَضَمَّنَهُ كَذا قِيلَ فَتَأمَّلْ. وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ ( لِما ) بِكَسْرِ اللّامِ وتَخْفِيفِ المِيمِ فاللّامُ تَوْقِيتِيَّةٌ بِمَعْنى عِنْدَ نَحْوُها في قَوْلِكَ: كَتَبَهُ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مَثَلًا، و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ أيْ (p-175)بَلْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ عِنْدَ مَجِيئِهِ إيّاهم ﴿فَهم في أمْرٍ مَرِيجٍ﴾ مُضْطَرِبٌ مِن مَرَجَ الخاتَمَ في إصْبَعِهِ إذا قَلِقَ مِنَ الهُزالِ، والإسْنادُ مَجازِيٌّ كَما ﴿فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ مُبالَغَةً بِجَعْلِ المُضْطَرِبِ الأمْرَ نَفْسَهُ وهو في الحَقِيقَةِ صاحِبُهُ، وذَلِكَ نَفْيُهُمُ النُّبُوَّةَ عَنِ البَشَرِ بِالكُلِّيَّةِ تارَةً وزَعْمُهم أنَّ اللّائِقَ بِها أهْلُ الجاهِ والمالِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُمْ: ﴿لَوْلا نُزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ تارَةً أُخْرى وزَعْمُهم أنَّ النُّبُوَّةَ سِحْرٌ مَرَّةً وأنَّها كِهانَةٌ أُخْرى حَيْثُ قالُوا في النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَرَّةً ساحِرٌ ومَرَّةً كاهِنٌ أوْ هو اخْتِلافُ حالِهِمْ ما بَيْنَ تَعَجُّبٍ مِنَ البَعْثِ واسْتِبْعادٍ لَهُ وتَكْذِيبٍ وتَرَدُّدٍ فِيهِ أوْ قَوْلُهم في القُرْآنِ هو شِعْرٌ تارَةً وهو سِحْرٌ أُخْرى إلى غَيْرِ ذَلِكَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب