الباحث القرآني

﴿بَلْ عَجِبُوا أنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنهُمْ﴾ وما ذُكِرَ أوَّلًا هو المُعَوَّلُ عَلَيْهِ، ( وبَلْ ) لِلْإضْرابِ عَمّا يُنْبِئُ عَنْهُ جَوابُ القَسَمِ المَحْذُوفِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنّا أنْزَلْناهُ لِتُنْذِرَ بِهِ النّاسَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ بَلْ جَعَلُوا كُلًّا مِنَ المُنْذِرِ والمُنْذَرِ بِهِ عُرْضَةً لِلتَّكَبُّرِ والتَّعَجُّبِ مَعَ كَوْنِهِما أوْفَقَ شَيْءٍ لِقَضِيَّةِ العُقُولِ وأقْرَبَهُ إلى التَّلَقِّي بِالقَبُولِ، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ إنَّكَ جِئْتَهم مُنْذِرًا بِالبَعْثِ فَلَمْ يَقْبَلُوا بَلْ عَجِبُوا أوْ فَشَكُّوا فِيهِ بَلْ عَجِبُوا عَلى مَعْنى لَمْ يَكْتَفُوا بِالشَّكِّ والرَّدِّ بَلْ جَزَمُوا بِالخِلافِ حَتّى جَعَلُوا ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ العَجِيبَةِ، وقِيلَ: هو إضْرابٌ عَمّا يُفْهَمُ مِن وصْفِ القُرْآنِ بِالمَجِيدِ كَأنَّهُ قِيلَ: لَيْسَ سَبَبُ امْتِناعِهِمْ مِنَ الإيمانِ بِالقُرْآنِ أنْ لا مَجْدَ لَهُ ولَكِنْ لِجَهْلِهِمْ، ونَبَّهَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ عَجِبُوا﴾ عَلَيْهِ لِأنَّ التَّعَجُّبَ مِنَ الشَّيْءِ يَقْتَضِي الجَهْلَ بِسَبَبِهِ. قالَ في الكَشْفِ: وهو وجْهٌ حَسَنٌ، ( وأنْ جاءَهم ) بِتَقْدِيرِ لِأنْ جاءَهُمْ، ومَعْنى ( مِنهم ) مِن جِنْسِهِمْ أيْ مِن جِنْسِ البَشَرِ أوْ مِنَ العَرَبِ، وضَمِيرُ الجَمْعِ في الآيَةِ عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، وقِيلَ: عائِدٌ عَلى النّاسِ ولَيْسَ بِذاكَ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَقالَ الكافِرُونَ هَذا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ تَفْسِيرٌ لِتَعَجُّبِهِمْ وبَيانٌ لِكَوْنِهِ مُقارِنًا لِغايَةِ الإنْكارِ مَعَ زِيادَةِ تَفْصِيلٍ لِمَحَلِّ التَّعَجُّبِ، وهَذا إشارَةٌ إلى كَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مُنْذِرًا بِالقُرْآنِ وإضْمارُهم أوَّلًا لِلْإشْعارِ بِتَعَيُّنِهِمْ بِما أُسْنِدَ إلَيْهِمْ، وإظْهارُهم ثانِيًا لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالكُفْرِ بِمُوجِبِهِ أوْ عَطْفٌ لِتَعَجُّبِهِمْ مِنَ البَعْثِ عَلى تَعَجُّبِهِمْ مِنَ البَعْثَةِ، وعَطْفُهُ بِالفاءِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَهُ وتَفَرُّعِهِ عَلَيْهِ لِأنَّهُ إذا أُنْكِرَ المَبْعُوثُ أُنْكِرَ ما بُعِثَ بِهِ أيْضًا، عَلى أنَّ هَذا إشارَةٌ إلى مُبْهَمٍ وهو البَعْثُ يُفَسِّرُهُ ما بَعْدَهُ مِنَ الجُمْلَةِ الإنْكارِيَّةِ، ودَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ أيْضًا لِأنَّهُ دَلَّ عَلى أنَّ ثَمَّ مُنْذِرًا بِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ إنْذارَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بِالبَعْثِ وما يَتْبَعُهُ. ووَضْعُ المُظْهَرِ مَوْضِعَ المُضْمَرِ إمّا لِسَبْقِ اتِّصافِهِمْ بِما يُوجِبُ كُفْرَهم وإمّا لِلْإيذانِ بِأنَّ تَعَجُّبَهم مِنَ البَعْثِ لِدَلالَتِهِ عَلى اسْتِقْصارِهِمْ لِقُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ عَنْهُ مَعَ مُعايَنَتِهِمْ لِقُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى ما هو أشَقُّ مِنهُ في قِياسِ العَقْلِ مِن مَصْنُوعاتِهِ البَدِيعَةِ أشْنَعُ مِنَ الأوَّلِ وأعْرَقُ في كَوْنِهِ كُفْرًا،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب