الباحث القرآني

﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ﴾ اسْتِئْنافٌ مُقَرِّرٌ لِصِحَّةِ البَعْثِ الَّذِي حُكِيَتْ أحْوالُ المُنْكِرِينَ لَهُ مِنَ الأُمَمِ المُهْلَكَةِ، والعَيُّ بِالأمْرِ العَجْزُ عَنْهُ لا التَّعَبُ، قالَ الكِسائِيُّ: تَقُولُ: أعْيَيْتُ مِنَ التَّعَبِ وعَيِيتُ مِنِ انْقِطاعِ الحِيلَةِ والعَجْزِ عَنِ الأمْرِ، وهَذا هو المَعْرُوفُ والأفْصَحُ وإنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُما كَثِيرٌ، والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يُنْبِئُ عَنْهُ العَيُّ مِنَ القَصْدِ والمُباشَرَةِ كَأنَّهُ قِيلَ: أقَصَدْنا الخَلْقَ الأوَّلَ وهو الإبْداءُ فَعَجَزْنا عَنْهُ حَتّى يُتَوَهَّمَ عَجْزُنا مِنَ الإعادَةِ، وجَوَّزَ الإمامُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِالخَلْقِ الأوَّلِ خَلْقَ السَّماءِ والأرْضِ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ ولَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ﴾ ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعالى بَعْدُ: ﴿ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ﴾ إلَخْ وهو كَما تَرى، وعَنِ الحَسَنِ (الخَلْقُ (p-178)الأوَّلُ) آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ولَيْسَ بِالحَسَنِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ والوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ والقُورَصِيُّ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ والسِّمْسارُ عَنْ شَيْبَةَ وأبُو بَحْرٍ عَنْ نافِعٍ (أفَعَيَّنا) بِتَشْدِيدِ الياءِ وخَرَجَتْ عَلى لُغَةِ مَن أدْغَمَ الياءَ في الياءِ في الماضِي فَقالَ: عَيِّ في عَيَ وحَيِّ في حَيَ فَلَمّا أُدْغِمَ ألْحَقَهُ ضَمِيرَ المُتَكَلِّمِ المُعَظِّمِ نَفْسَهُ ولَمْ يَفُكَّ الإدْغامَ فَقالَ: عَيَّنا وهي لُغَةٌ لِبَعْضِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ في رَدَدْتُ ورَدَدْنا رَدَّتُ ورَدَّنا فَلا يَفُكُّونَ، وعَلى هَذِهِ اللُّغَةِ تَكُونُ الياءُ المُشَدَّدَةُ مَفْتُوحَةً ولَوْ كانَتْ (نا) ضَمِيرَ نَصْبٍ فالعَرَبُ جَمِيعُهم عَلى الإدْغامِ نَحْوَ رَدَّنا زِيدٌ ﴿بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِالأوَّلِ غَيْرُ مُنْكِرِينَ قُدْرَتَنا عَلَيْهِ فَلا وجْهَ لِإنْكارِهِمُ الثّانِي بَلْ هم في خَلْطٍ وشُبْهَةٍ في خَلْقٍ مُسْتَأْنِفٍ وإنَّما نَكَّرَ الخَلْقَ ووُصِفَ بِجَدِيدٍ ولَمْ يَقُلْ: مِنَ الخَلْقِ الثّانِي تَنْبِيهًا عَلى مَكانِ شُبْهَتِهِمْ واسْتِبْعادِهِمُ العادِيِّ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( جَدِيدٍ ) وأنَّهُ خَلْقٌ عَظِيمٌ يَجِبُ أنْ يَهْتَمَّ بِشَأْنِهِ فَلَهُ نَبَأٌ أيْ نَبَأٌ، والتَّعْظِيمُ لَيْسَ راجِعًا إلى الخَلْقِ مِن حَيْثُ هو -هُوَ- حَتّى يُقالَ: إنَّهُ أهْوَنُ مِنَ الخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِشَأْنِ المُكَلَّفِ وما يُلاقِيهِ بَعْدَهُ وهُوَ- هُوَ- وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: نُكِّرَ لِأنَّهُ لِاسْتِبْعادِهِ عِنْدَهم كانَ أمْرًا عَظِيمًا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ التَّنْكِيرُ لِلْإبْهامِ إشارَةً إلى أنَّهُ خُلِقَ عَلى وجْهٍ لا يَعْرِفُهُ النّاسُ، وأوْرَدَ الشَّيْخُ الأكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ هَذِهِ الآيَةَ في مَعْرِضِ الِاسْتِدْلالِ عَلى تَجَدُّدِ الجَواهِرِ كالتَّجَدُّدِ الَّذِي يَقُولُهُ الأشْعَرِيُّ في الإعْراضِ فَكُلٌّ مِنهُما عِنْدَ الشَّيْخِ لا يَبْقى زَمانَيْنِ، ويُفْهَمُ مِن كَلامِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ أنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلى القَوْلِ بِالوَحْدَةِ وأنَّهُ سُبْحانَهُ كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ، ولَعَمْرِي أنَّ الآيَةَ بِمَعْزِلٍ عَمّا يَقُولُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب