الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ مُؤْذِنٌ بِاسْتِمْرارِ الِاعْتِداءِ، فَإنَّهُ اسْتِئْنافٌ مُفِيدٌ لِاسْتِمْرارِ عَدَمِ التَّناهِي عَنِ المُنْكَرِ، ولا يُمْكِنُ اسْتِمْرارُهُ إلّا بِاسْتِمْرارِ تَعاطِي المُنْكَراتِ، ولَيْسَ المُرادُ بِالتَّناهِي أنْ يَنْهى كُلٌّ مِنهُمُ الآخَرَ عَمّا يَفْعَلُهُ مِنَ المُنْكَرِ - كَما هو المَعْنى المَشْهُورُ لِصِيغَةِ التَّفاعُلِ - بَلْ مُجَرَّدُ صُدُورِ النَّهْيِ عَنْ أشْخاصٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ كُلُّ واحِدٍ مِنهم ناهِيًا ومَنهِيًّا مَعًا، كَما في ( تَراءَوُا الهِلالَ ) وقِيلَ: التَّناهِي بِمَعْنى الِانْتِهاءِ مِن قَوْلِهِمْ: تَناهى عَنِ الأمْرِ وانْتَهى عَنْهُ إذا امْتَنَعَ، فالجُمْلَةُ حِينَئِذٍ مُفَسِّرَةٌ لِما قَبْلَها مِنَ المَعْصِيَةِ والِاعْتِداءِ، ومُفِيدَةٌ لِاسْتِمْرارِهِما صَرِيحًا، وعَلى الأوَّلِ إنَّما تُفِيدُ اسْتِمْرارَ انْتِفاءِ النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، ومِن ضَرُورَتِهِ اسْتِمْرارُ فِعْلِهِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لا تُقَوِّي هَذِهِ الجُمْلَةُ احْتِمالَ الِاسْتِئْنافِ فِيما سَبَقَ خِلافًا لَأبِي حَيّانَ.
والمُرادُ بِالمُنْكَرِ قِيلَ: صَيْدُ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، وقِيلَ: أخْذُ الرِّشْوَةِ في الحُكْمِ، وقِيلَ: أكْلُ الرِّبا وأثْمانِ الشُّحُومِ، والأوْلى أنْ يُرادَ بِهِ نَوْعُ المُنْكَرِ مُطْلَقًا، وما يُفِيدُهُ التَّنْوِينُ وحْدَةٌ نَوْعِيَّةٌ لا شَخْصِيَّةٌ، وحِينَئِذٍ لا يَقْدَحُ وصْفُهُ بِالفِعْلِ الماضِي في تَعَلُّقِ النَّهْيِ بِهِ لِما أنَّ مُتَعَلِّقَ الفِعْلِ إنَّما هو فَرْدٌ مِن أفْرادِ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّهْيُ، أوِ الِانْتِهاءُ عَنْ مُطْلَقِ المُنْكَرِ بِاعْتِبارِ تَحَقُّقِهِ في ضِمْنِ أيِّ فَرْدٍ كانَ مِن أفْرادِهِ، عَلى أنَّهُ لَوْ جُعِلَ المُضِيُّ في ( فَعَلُوهُ ) بِالنِّسْبَةِ إلى زَمَنِ الخِطابِ لا زَمانِ النَّهْيِ لَمْ يَبْقَ في الآيَةِ إشْكالٌ، ولَمّا غَفَلَ بَعْضُهم عَنْ ذَلِكَ قالَ: إنَّ الآيَةَ مُشْكِلَةٌ لِما فِيها مِن ذَمِّ القَوْمِ بِعَدَمِ النَّهْيِ عَمّا وقَعَ مَعَ أنَّ النَّهْيَ لا يُتَصَوَّرُ فِيهِ أصْلًا، وإنَّما يَكُونُ عَنِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ، فَلا بُدَّ مِن تَأْوِيلِها بِأنَّ المُرادَ النَّهْيُ عَنِ العَوْدِ إلَيْهِ، وهَذا إمّا بِتَقْدِيرِ مُضافٍ قَبْلَ ( مُنْكَرٍ ) أيْ ( مُعاوَدَةِ مُنْكَرٍ ) أوْ يُفْهَمُ مِنَ السِّياقِ، أوْ بِأنَّ المُرادَ ( فَعَلُوا ) مِثْلَهُ، أوْ بِحَمْلِ ( فَعَلُوهُ ) عَلى أرادُوا فِعْلَهُ كَما في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ﴾ .
واعْتُرِضَ الأوَّلُ بِأنَّ المُعاوَدَةَ كالنَّهْيِ لا تَتَعَلَّقُ بِالمُنْكَرِ المَفْعُولِ، فَلا بُدَّ مِنَ المَصِيرِ إلى أحَدِ الأمْرَيْنِ الأخِيرَيْنِ، وفِيهِما مِنَ التَّعَسُّفِ ما لا يَخْفى، وقِيلَ: إنَّ الإشْكالَ إنَّما يَتَوَجَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الكَلامُ عَلى حَدِّ قَوْلِنا: كانُوا لا يَنْهَوْنَ يَوْمَ الخَمِيسِ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ يَوْمَ الجُمُعَةِ مَثَلًا، فَإنَّهُ لا خَفاءَ في صِحَّتِهِ، ولَيْسَ في الكَلامِ ما يَأْباهُ، (p-213)فَلْيُحْمَلْ عَلى نَحْوِ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ تَقْبِيحٌ لِسُوءِ فِعْلِهِمْ، وتَعْجِيبٌ مِنهُ، والقَسَمُ لِتَأْكِيدِ التَّعْجِيبِ، أوْ لِلْفِعْلِ المُتَعَجَّبِ مِنهُ، وفي هَذِهِ الآيَةِ زَجْرٌ شَدِيدٌ لِمَن يَتْرُكُ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ.
وقَدْ أخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَعالى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكم عِقابًا مِن عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدَعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِبُ لَكم»».
وأخْرَجَ أحْمَدُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ قالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُعَذِّبُ العامَّةَ بِعَمَلِ الخاصَّةِ حَتّى يَرَوُا المُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ وهم قادِرُونَ عَلى أنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُونَهُ، فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ تَعالى الخاصَّةَ والعامَّةَ»».
وأخْرَجَ الخَطِيبُ مِن طَرِيقِ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنَّهُ قالَ: ««والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِيَدِهِ لَيَخْرُجَنَّ مِن أُمَّتِي أُناسٌ مِن قُبُورِهِمْ في صُورَةِ القِرَدَةِ والخَنازِيرِ بِما داهَنُوا أهْلَ المَعاصِي، وكَفُّوا عَنْ نَهْيِهِمْ وهم يَسْتَطِيعُونَ»».
والأحادِيثُ في هَذا البابِ كَثِيرَةٌ، وفِيها تَرْهِيبٌ عَظِيمٌ فَيا حَسْرَةً عَلى المُسْلِمِينَ في إعْراضِهِمْ عَنْ بابِ التَّناهِي عَنِ المَناكِيرِ، وقِلَّةِ عَبْئِهِمْ بِهِ.
{"ayah":"كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق