الباحث القرآني
﴿قُلْ يا أهْلَ الكِتابِ﴾ تَلْوِينٌ لِلْخِطابِ، وتَوْجِيهٌ لَهُ لِفَرِيقَيْ أهْلِ الكِتابِ بِإرادَةِ الجِنْسِ مِنَ المُحَلّى بِألْ عَلى لِسانِ النَّبِيِّ، صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
واخْتارَ الطَّبَرْسِيُّ كَوْنَهُ خِطابًا لِلنَّصارى خاصَّةً؛ لِأنَّ الكَلامَ مَعَهم ﴿لا تَغْلُوا في دِينِكُمْ﴾ أيْ لا تُجاوِزُوا الحَدَّ، وهو نَهْيٌ لِلنَّصارى عَنْ رَفْعِ عِيسى - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - عَنْ رُتْبَةِ الرِّسالَةِ إلى ما تَقَوَّلُوا في حَقِّهِ مِنَ العَظِيمَةِ، وكَذا عَنْ رَفْعِ أُمِّهِ عَنْ رُتْبَةِ الصِّدِّيقِيَّةِ إلى ما انْتَحَلُوهُ لَها - عَلَيْها السَّلامُ - ونَهْيٌ لِلْيَهُودِ - عَلى تَقْدِيرِ دُخُولِهِمْ في الخِطابِ - عَنْ وضْعِهِمْ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وكَذا لِأُمِّهِ عَنِ الرُّتْبَةِ العَلِيَّةِ إلى ما افْتَرَوْهُ مِنَ الباطِلِ والكَلامِ الشَّنِيعِ، وذِكْرُهم بِعُنْوانِ أهْلِ الكِتابِ لِلْإيماءِ إلى أنَّ في كِتابِهِمْ ما يَنْهاهم عَنِ الغُلُوِّ في دِينِهِمْ ﴿غَيْرَ الحَقِّ﴾ نُصِبَ عَلى أنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: غُلُوَّ غَيْرِ الحَقِّ، أيْ باطِلًا، وتَوْصِيفُهُ بِهِ لِلتَّوْكِيدِ؛ فَإنَّ الغُلُوَّ لا يَكُونُ إلّا غَيْرَ الحَقِّ، عَلى ما قالَهُ الرّاغِبُ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّهُ لِلتَّقْيِيدِ، وما ذَكَرَهُ الرّاغِبُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ فَإنَّ الغُلُوَّ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ حَقٍّ، وقَدْ يَكُونُ حَقًّا كالتَّعَمُّقِ في المَباحِثِ الكَلامِيَّةِ.
وفِي الكَشّافِ: الغُلُوُّ في الدِّينِ غُلُوّانِ: حَقٌّ، وهو أنْ يَفْحَصَ عَنْ حَقائِقِهِ ويُفَتِّشَ عَنْ أباعِدِ مَعانِيهِ، ويَجْتَهِدَ في تَحْصِيلِ حُجَجِهِ، كَما يَفْعَلُهُ المُتَكَلِّمُونَ مِن أهْلِ العَدْلِ والتَّوْحِيدِ، وغُلُوٌّ باطِلٌ، وهو أنْ يُجاوِزَ الحَقَّ ويَتَخَطّاهُ بِالإعْراضِ عَنِ الأدِلَّةِ واتِّباعِ الشُّبَهِ كَما يَفْعَلُهُ أهْلُ الأهْواءِ والبِدَعِ، انْتَهى.
وقَدْ يُناقَشُ فِيهِ - عَلى ما فِيهِ مِنَ الغُلُوِّ في التَّمْثِيلِ - بِأنَّ الغُلُوَّ المُجاوَزَةُ عَنِ الحَدِّ ولا مُجاوَزَةَ عَنْهُ ما لَمْ يُخْرِجْ عَنِ الدِّينِ، وما ذُكِرَ لَيْسَ خُرُوجًا عَنْهُ حَتّى يَكُونَ غُلُوًّا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ( غَيْرَ ) حالًا مِن ضَمِيرِ الفاعِلِ، أيْ: ( لا تَغْلُوا ) مُجاوَزِينَ الحَقَّ، أوْ ( مِن دِينِكم ) أيْ ( لا تَغْلُوا في دِينِكم ) حالَ كَوْنِهِ باطِلًا مَنسُوخًا بِبِعْثَةِ مُحَمَّدٍ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وقِيلَ: هو عَلى الِاسْتِثْناءِ المُتَّصِلِ أوِ المُنْقَطِعِ.
﴿ولا تَتَّبِعُوا أهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ﴾ وهم أسْلافُهم وأئِمَّتُهُمُ الَّذِينَ قَدْ ضَلُّوا مِنَ الفَرِيقَيْنِ، أوْ مِنَ النَّصارى قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في شَرِيعَتِهِمْ، (p-211)والأهْواءُ: جَمْعُ هَوًى، وهو الباطِلُ المُوافِقُ لِلنَّفْسِ، والمُرادُ: لا تُوافِقُوهم في مَذاهِبِهِمُ الباطِلَةِ الَّتِي لَمْ يَدْعُ إلَيْها سِوى الشَّهْوَةِ، ولَمْ تَقُمْ عَلَيْها حُجَّةٌ ﴿وأضَلُّوا كَثِيرًا﴾ أيْ أُناسًا كَثِيرًا مِمَّنْ تابَعَهم ووافَقَهم فِيما دَعَوْا إلَيْهِ مِنَ البِدْعَةِ والضَّلالَةِ، أوِ إضْلالًا كَثِيرًا، والمَفْعُولُ بِهِ حِينَئِذٍ مَحْذُوفٌ ﴿وضَلُّوا﴾ عِنْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - ووُضُوحِ مَحَجَّةِ الحَقِّ، وتَبَيُّنِ مَناهِجِ الإسْلامِ ﴿عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ﴾ أيْ قَصْدِ السَّبِيلِ، الَّذِي هو الإسْلامُ، وذَلِكَ حِينَ حَسَدُوا النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ – وكَذَّبُوهُ، وبَغَوْا عَلَيْهِ، فَلا تَكْرارَ بَيْنَ ( ضَلُّوا ) هُنا و( ضَلُّوا مِن قَبْلُ ) والظّاهِرُ أنَّ ( عَنْ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالأخِيرِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مُتَعَلِّقَةً بِالأفْعالِ الثَّلاثَةِ، ويُرادُ بِسَواءِ السَّبِيلِ الطَّرِيقُ الحَقُّ، وهو - بِالنَّظَرِ إلى الأخِيرِ - دِينُ الإسْلامِ، وقِيلَ في الإخْراجِ عَنِ التَّكْرارِ: إنَّ الأوَّلَ إشارَةٌ إلى ضَلالِهِمْ عَنْ مُقْتَضى العَقْلِ، والثّانِيَ إلى ضَلالِهِمْ عَمّا جاءَ بِهِ الشَّرْعُ، وقِيلَ: إنَّ ضَمِيرَ ( ضَلُّوا ) الأخِيرِ عائِدٌ عَلى الكَثِيرِ لا عَلى ( قَوْمٍ )، والفِعْلُ مُطاوِعٌ لِلْإضْلالِ، أيْ: إنَّ أُولَئِكَ القَوْمَ أضَلُّوا كَثِيرًا مِنَ النّاسِ، وإنَّ أُولَئِكَ الكَثِيرَ قَدْ ضَلُّوا بِإضْلالِ أُولَئِكَ لَهُمْ، فَلا تَكْرارَ.
وقِيلَ أيْضًا: قَدْ يُرادُ بِالضَّلالِ الأوَّلِ الضَّلالُ بِالغُلُوِّ في الرَّفْعِ والوَضْعِ مَثَلًا وكَذا بِالإضْلالِ، ويُرادُ بِالضَّلالِ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ الضَّلالُ عَنْ واضِحاتِ دِينِهِمْ، وخُرُوجُهم عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ، وقالَ الزَّجّاجُ: المُرادُ بِالضَّلالِ الأخِيرِ ضَلالُهم في الإضْلالِ؟، أيْ: إنَّ هَؤُلاءِ ضَلُّوا في أنْفُسِهِمْ وضَلُّوا بِإضْلالِهِمْ لِغَيْرِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أوْزارَهم كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ونُقِلَ هَذا - كالقِيلِ الأوَّلِ - عَنِ الرّاغِبِ.
وجُوِّزَ أيْضًا أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿عَنْ سَواءِ﴾ مُتَعَلِّقًا بِـ( قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ ) إلّا أنَّهُ لَمّا فُصِلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ ما يَتَعَلَّقُ بِهِ أُعِيدَ ذِكْرُهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أتَوْا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهم بِمَفازَةٍ مِنَ العَذابِ﴾ ولَعَلَّ ذَمَّ القَوْمِ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ أشْنَعُ مِن ذَمِّهِمْ عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ غَيْرُهُمْ، واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِمُرادِهِ.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا تَغۡلُوا۟ فِی دِینِكُمۡ غَیۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوۤا۟ أَهۡوَاۤءَ قَوۡمࣲ قَدۡ ضَلُّوا۟ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰا وَضَلُّوا۟ عَن سَوَاۤءِ ٱلسَّبِیلِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق