الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكم هُزُوًا ولَعِبًا﴾ أخْرَجَ ابْنُ إسْحاقَ، وجَماعَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - قالَ: كانَ رَفاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ، وسُوَيْدُ بْنُ الحارِثِ قَدْ أظْهَرُوا الإسْلامَ ونافَقا، وكانَ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يُوادُّونَهُما، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى هَذِهِ الآيَةَ، ورَتَّبَ سُبْحانَهُ النَّهْيَ عَلى وصْفٍ يَعُمُّهُما وغَيْرَهُما؛ تَعْمِيمًا لِلْحُكْمِ، وتَنْبِيهًا عَلى العِلَّةِ، وإيذانًا بِأنَّ مَن هَذا شَأْنُهُ جَدِيرٌ بِالمُعاداةِ، فَكَيْفَ بِالمُوالاةِ؟! والهُزُؤُ - كَما في الصِّحاحِ – السُّخْرِيَةُ، تَقُولُ: هَزِئْتُ مِنهُ وهَزِئْتُ بِهِ - عَنِ الأخْفَشِ - واسْتَهْزَأْتُ بِهِ، وتَهَزَّأْتُ وهَزَأْتُ بِهِ أيْضًا هُزُؤًا ومَهْزَأةً - عَنْ أبِي زَيْدٍ - ورَجُلٌ هُزْأةٌ - بِالتَّسْكِينِ - أيْ يُهْزَأُ بِهِ، وهُزَأةٌ بِالتَّحْرِيكِ يَهْزَأُ بِالنّاسِ. وذَكَرَ الزَّجّاجُ أنَّهُ يَجُوزُ في ( هُزُوًا ) أرْبَعَةُ أوْجُهٍ: الأوَّلُ: هُزُؤٌ بِضَمِّ الزّايِ مَعَ الهَمْزَةِ، وهو الأصْلُ والأجْوَدُ. والثّانِي: هُزُوٌ بِضَمٍّ الزّايِ مَعَ إبْدالِ الهَمْزَةِ واوًا لِانْضِمامِ ما قَبْلَها. والثّالِثُ: هُزْأٌ بِإسْكانِ الزّايِ مَعَ الهَمْزَةِ. والرّابِعُ: هَزْيٌ كَهَدْيٍ، ويَجُوزُ القِراءَةُ بِما عَدا الأخِيرِ. و( اللَّعِبُ ) بِفَتْحِ أوَّلِهِ وكَسْرِ ثانِيهِ ( كالضَّحِكِ ) واللَّعْبُ - بِفَتْحِ اللّامِ وكَسْرِها مَعَ سُكُونِ العَيْنِ - والتَّلْعابُ مَصْدَرُ لَعِبَ كَسَمِعَ وهو ضِدُّ الجِدِّ - كَما في القامُوسِ - وفي مَجْمَعِ البَيانِ: هو الأخْذُ عَلى غَيْرِ طَرِيقِ الجَدِّ، ومِثْلُهُ العَبَثُ، وأصْلُهُ مِن لُعابِ الصَّبِيِّ، يُقالُ: لَعِبَ كَسَمِعَ ومَنَعَ إذا سالَ لُعابُهُ وخَرَجَ إلى غَيْرِ جِهَةٍ، والمَصْدَرانِ: إمّا بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ، أوِ الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أوْ قَصْدِ المُبالَغَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنَ قَبْلِكُمْ﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ ( الَّذِينَ ) قَبْلَهُ، أوْ مِن فاعِلِ ( اتَّخَذُوا )، والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ إيتاءِ الكِتابِ لِبَيانِ كَمالِ شَناعَتِهِمْ، وغايَةِ ضَلالَتِهِمْ لِما أنَّ إيتاءَ الكِتابِ وازِعٌ لَهم عَنِ اتِّخاذِ دِينِ المُؤْمِنِينَ المُصَدِّقِينَ بِكِتابِهِمْ ( هُزُوًا ولَعِبًا ). ﴿والكُفّارَ﴾ (p-172)أيِ المُشْرِكِينَ، وقَدْ ورَدَ بِهَذا المَعْنى في مَواضِعَ مِنَ القُرْآنِ، وخُصُّوا بِهِ لِتَضاعُفِ كُفْرِهِمْ، وهو عَطْفٌ عَلى المَوْصُولِ الأوَّلِ، وعَلَيْهِ لا تَصْرِيحَ بِاسْتِهْزائِهِمْ هُنا، وإنْ أُثْبِتَ لَهم في آيَةِ ﴿إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ إذِ المُرادُ بِهِمْ مُشْرِكُو العَرَبِ، ولا يَكُونُ النُّهْيُ حِينَئِذٍ - بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ - مُعَلَّلًا بِالِاسْتِهْزاءِ، بَلْ نُهُوا عَنْ مُوالاتِهِمُ ابْتِداءً. وقَرَأ الكِسائِيُّ وأهْلُ البَصْرَةِ ( والكَفّارِ ) بِالجَرِّ، عَطْفًا عَلى المَوْصُولِ الأخِيرِ، ويُعَضِّدُ ذَلِكَ قِراءَةُ أُبَيٍّ ( ومِنَ الكُفّارِ ) وقِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ ( ومِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا ) فَهم أيْضًا مِن جُمْلَةِ المُسْتَهْزِئِينَ صَرِيحًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْلِياءَ﴾ مَفْعُولٌ ثانٍ لِـ( لا تَتَّخِذُوا ) والمُرادُ جانِبُوهم كُلَّ المُجانَبَةِ ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ في ذَلِكَ بِتَرْكِ مُوالاتِهِمْ، أوْ بِتَرْكِ المَناهِيِّ عَلى الإطْلاقِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ تَرْكُ مُوالاتِهِمْ دُخُولًا أوَّلِيًّا. ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ حَقًّا، فَإنَّ قَضِيَّةَ الإيمانِ تُوجِبُ الِاتِّقاءَ لا مَحالَةَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب