الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خِطابٌ يَعُمُّ حُكْمُهُ كافَّةَ المُؤْمِنِينَ مِنَ المُخْلِصِينَ وغَيْرِهِمْ، وإنْ كانَ سَبَبُ وُرُودِهِ بَعْضًا كَما سَتَعْرِفُهُ - إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى - ووَصْفُهم بِعُنْوانِ الإيمانِ لِحَمْلِهِمْ مِن أوَّلِ الأمْرِ عَلى الِانْزِجارِ عَمّا نُهُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى أوْلِياءَ﴾ فَإنَّ تَذْكِيرَ اتِّصافِهِمْ بِضِدِّ صِفاتِ الفَرِيقَيْنِ مِن أقْوى الزَّواجِرِ عَنْ مُوالاتِهِما، أيْ: لا يَتَّخِذْ أحَدٌ مِنكم ولِيًّا، بِمَعْنى: لا تُصافُوهم مُصافاةَ الأحْبابِ ولا تَسْتَنْصِرُوهم.
أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: لَمّا كانَتْ وقْعَةُ أُحُدٍ اشْتَدَّ عَلى طائِفَةٍ مِنَ النّاسِ، وتَخَوَّفُوا أنْ تُدالَ عَلَيْهِمُ الكُفّارُ، فَقالَ رَجُلٌ لِصاحِبِهِ: أمّا أنا فَألْحَقُ بِذَلِكَ اليَهُودِيِّ فَآخُذُ مِنهُ أمانًا وأتَهَوَّدُ مَعَهُ؛ فَإنِّي أخافُ أنْ تُدالَ عَلَيْنا اليَهُودُ، وقالَ الآخَرُ: أمّا أنا فَألْحَقُ بِفُلانٍ النَّصْرانِيِّ بِبَعْضِ أرْضِ الشّامِ، فَآخُذُ مِنهُ أمانًا وأتَنَصَّرُ مَعَهُ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى فِيهِما يَنْهاهُما: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلَخْ.
(p-157)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قالَ: «جاءَ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِن بَنِي الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي مَوالِيَ مَن يَهُودَ، كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، وإنِّي أبْرَأُ إلى اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - مِن وِلايَةِ يَهُودَ، وأتَوَلّى اللَّهَ تَعالى ورَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إنِّي رَجُلٌ أخافُ الدَّوائِرَ، لا أبْرَأُ مِن وِلايَةِ مَوالِيَّ، فَنَزَلَتْ» ﴿بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ أيْ بَعْضُ اليَهُودِ أوْلِياءُ لِبَعْضٍ مِنهُمْ، وبَعْضُ النَّصارى أوْلِياءُ لِبَعْضٍ مِنهُمْ، وأُوثِرَ الإجْمالُ لِوُضُوحِ المُرادِ بِظُهُورِ أنَّ اليَهُودَ لا يُوالُونَ النَّصارى كالعَكْسِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ تَعْلِيلًا لِلنَّهْيِ قَبْلَها، وتَأْكِيدًا لِإيجابِ اجْتِنابِ المَنهِيِّ عَنْهُ، أيْ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ، مُتَّفِقُونَ عَلى كَلِمَةٍ واحِدَةٍ في كُلِّ ما يَأْتُونَ وما يَذَرُونَ، ومِن ضَرُورَةِ ذَلِكَ إجْماعُ الكُلِّ عَلى مُضادَّتِكم ومَضارَّتِكم بِحَيْثُ يَسُومُونَكُمُ السُّوءَ، ويَبْغُونَكُمُ الغَوائِلَ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بَيْنَكم وبَيْنَهم مُوالاةٌ، وزَعَمَ الحَوْفِيُّ أنَّ الجُمْلَةَ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ( أوْلِياءُ ) والظّاهِرُ هو الأوَّلُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ أيْ مِن جُمْلَتِهِمْ، وحُكْمُهُ حُكْمُهُمْ، كالمُسْتَنْتَجِ مِمّا قَبْلَهُ، وهو مُخَرَّجٌ مَخْرَجَ التَّشْدِيدِ والمُبالَغَةِ في الزَّجْرِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ المُتَوَلِّي مِنهم حَقِيقَةً لَكانَ كافِرًا، ولَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وقِيلَ: المُرادُ ومَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ كافِرٌ مِثْلُهم حَقِيقَةً، وحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - ولَعَلَّ ذَلِكَ إذا كانَ تَوَلِّيهِمْ مِن حَيْثُ كَوْنُهم يَهُودًا أوْ نَصارى، وقِيلَ: بَلْ لِأنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ، والمُرادُ أنَّهم بِالمُوالاةِ يَكُونُونَ كُفّارًا مُجاهِرِينَ.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ أنْفُسَهم بِمُوالاةِ الكُفّارِ، أوِ المُؤْمِنِينَ بِمُوالاةِ أعْدائِهِمْ، تَعْلِيلٌ آخَرُ - عَلى ما قِيلَ -: يَتَضَمَّنُ عَدَمَ نَفْعِ مُوالاةِ الكَفَرَةِ، بَلْ تَرَتُّبَ الضَّرَرِ عَلَيْها، وقِيلَ: هو تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ مَن يَتَوَلّاهم مِنهم أيْ لا يَهْدِيهِمْ إلى الإيمانِ، بَلْ يُخَلِّيهِمْ وشَأْنَهم فَيَقَعُونَ في الكُفْرِ والضَّلالَةِ، وإنَّما وُضِعَ المُظْهَرُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ تَوَلِّيَهم ظُلْمٌ؛ لِما أنَّهُ تَعْرِيضٌ لِلنَّفْسِ لِلْعَذابِ الخالِدِ، ووَضْعٌ للِشَيْءٍ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
{"ayah":"۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق