الباحث القرآني
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ إنْكارٌ وتَعْجِيبٌ مِن حالِهِمْ، وتَوْبِيخٌ لَهُمْ، والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ، أيْ: أيَتَوَلَّوْنَ عَنْ قَبُولِ حُكْمِكَ بِما أنْزَلَ اللَّهُ تَعالى إلَيْكَ فَيَبْغُونَ حُكْمَ الجاهِلِيَّةِ؟! وقِيلَ: مَحَلُّ الهَمْزَةِ بَعْدَ الفاءِ وقُدِّمَتْ لِأنَّ لَها الصَّدارَةَ، وتَقْدِيمُ المَفْعُولِ لِلتَّخْصِيصِ المُفِيدِ لِتَأْكِيدِ الإنْكارِ والتَّعَجُّبِ؛ لِأنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وطَلَبَ حُكْمٍ آخَرَ مُنْكَرٌ عَجِيبٌ، وطَلَبَ حُكْمِ الجاهِلِيَّةِ أقْبَحُ وأعْجَبُ.
(p-156)والمُرادُ بِالجاهِلِيَّةِ المِلَّةُ الجاهِلِيَّةِ، الَّتِي هي مُتابَعَةُ الهَوى، المُوجِبَةُ لِلْمَيْلِ والمُداهَنَةِ في الأحْكامِ، أوِ الأُمَّةُ الجاهِلِيَّةُ، وحُكْمُهُمْ: ما كانُوا عَلَيْهِ مِنَ التَّفاضُلِ فِيما بَيْنَ القَتْلى، وقِيلَ: الكَلامُ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ، وحُكْمُهم ما ذُكِرَ.
فَقَدْ رُوِيَ «أنَّ بَنِي النَّضِيرِ لَمّا تَحاكَمُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - في خُصُومَةِ قَتِيلٍ وقَعَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ طَلَبَ بَعْضُهم مِن رَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أنْ يَحْكُمَ بَيْنَهم بِما كانَ عَلَيْهِ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ مِنَ التَّفاضُلِ، فَقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: «القَتْلى بِواءٌ» فَقالَ بَنُو النَّضِيرِ: نَحْنُ لا نَرْضى بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ».
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ ( تَبْغُونَ ) بِالتّاءِ، وهي إمّا عَلى الِالتِفاتِ لِتَشْدِيدِ التَّوْبِيخِ، وإمّا بِتَقْدِيرِ القَوْلِ، أيْ: ( قُلْ لَهم أفَحُكْمَ ) إلَخْ، وقَرَأ ابْنُ وثّابٍ والأعْرَجُ وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وغَيْرُهُمْ: ( أفَحُكْمُ ) بِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ مُبْتَدَأٌ، و( يَبْغُونَ ) خَبَرُهُ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ، وقِيلَ: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ، والمَذْكُورُ صِفَتُهُ، أيْ: حُكْمٌ يَبْغُونَ، واسْتُضْعِفَ حَذْفُ العائِدِ مِنَ الخَبَرِ، وذَكَرَ ابْنُ جِنِّيٍّ أنَّهُ جاءَ الحَذْفُ مِنهُ كَما جاءَ الحَذْفُ مِنَ الصِّلَةِ والصِّفَةِ، كَقَوْلِهِ:
؎قَدْ أصْبَحَتْ أُمُّ الخِيارِ تَدَّعِي عَلَيَّ ذَنْبًا كُلَّهُ لَمْ أصْنَعِ
وقالَ أبُو حَيّانَ: وحُسْنُ الحَذْفِ في الآيَةِ شِبْهُ ( يَبْغُونَ ) بِرَأْسِ الفاصِلَةِ فَصارَ كالمُشارَكَةِ، وزَعْمُ أنَّ القِراءَةَ المَذْكُورَةَ خَطَأٌ خَطَأٌ كَما لا يَخْفى.
وقَرَأ قَتادَةُ: ( أفَحَكَمَ ) بِفَتْحِ الفاءِ والحاءِ والكافِ، أيْ: أفَحاكِمًا كَحُكّامِ الجاهِلِيَّةِ ( يَبْغُونَ ) وكانَتِ الجاهِلِيَّةُ تُسَمّى مِن قَبْلُ - كَما أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ عُرْوَةَ – عالَمِيَّةً، حَتّى جاءَتِ امْرَأةٌ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كانَ في الجاهِلِيَّةِ كَذا وكَذا، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ذِكْرَ الجاهِلِيَّةِ، وحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِهَذا العُنْوانِ.
﴿ومَن أحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا﴾ إنْكارٌ لِأنْ يَكُونَ أحَدٌ حُكْمُهُ أحْسَنُ مِن حُكْمِ اللَّهِ تَعالى، أوْ مُساوٍ لَهُ، كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمالُ، وإنْ كانَ ظاهِرُ السَّبْكِ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِنَفْيِ المُساواةِ وإنْكارِها ﴿لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ أيْ عِنْدَ قَوْمٍ، فاللّامُ بِمَعْنى عِنْدَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الجُبّائِيُّ، وضَعَّفَهُ في الدُّرِّ المَصُونِ، وصَحَّحَ أنَّها لِلْبَيانِ، مُتَعَلِّقَهٌ بِمَحْذُوفٍ، كَما في ( هَيْتَ لَكَ ) و( سَقْيًا لَكَ ) أيْ تَبَيَّنَ وظَهَرَ مَضْمُونُ هَذا الِاسْتِفْهامِ الإنْكارِيِّ لِقَوْمٍ يَتَدَبَّرُونَ الأُمُورَ، ويَتَحَقَّقُونَ الأشْياءَ بِأنْظارِهِمْ، وأمّا غَيْرُهم فَلا يَعْلَمُونَ أنَّهُ لا أحْسَنَ حُكْمًا مِنَ اللَّهِ تَعالى، ولَعَلَّ مَن فَسَّرَ بِـ( عِنْدَ ) أرادَ بَيانَ مُحَصِّلِ المَعْنى، وقِيلَ: إنَّ اللّامَ عَلى أصْلِها، وأنَّها صِلَةٌ، أيْ حُكْمُ اللَّهِ تَعالى لِلْمُؤْمِنِينَ عَلى الكافِرِينَ أحْسَنُ الأحْكامِ وأعْدَلُها، وهَذِهِ الجُمْلَةُ حالِيَّةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنى الإنْكارِ السّابِقِ.
{"ayah":"أَفَحُكۡمَ ٱلۡجَـٰهِلِیَّةِ یَبۡغُونَۚ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمࣰا لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق