الباحث القرآني
﴿وإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ ما فَعَلَتْ بَنُو إسْرائِيلَ بَعْدَ أخْذِ المِيثاقِ مِنهُمْ، وتَفْصِيلِ كَيْفِيَّةِ نَقْضِهِمْ لَهُ، مَعَ الإشارَةِ إلى انْتِفاءِ فَتْرَةِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - فِيما بَيْنَهُمْ، و( إذْ ) نُصِبَ عَلى أنَّهُ (p-105)مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، خُوطِبَ بِهِ سَيِّدُ المُخاطَبِينَ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِطَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ، وصَرَفَهُ عَنْ أهْلِ الكِتابِ لِيُعَدِّدَ عَلَيْهِمْ ما سَلَفَ مِن بَعْضِهِمْ مِنَ الجِناياتِ، أيْ: واذْكُرْ لَهم يا مُحَمَّدُ وقْتَ قَوْلِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - ناصِحًا ومُسْتَمِيلًا لَهم بِإضافَتِهِمْ إلَيْهِ ﴿يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ وتَوْجِيهُ الأمْرِ بِالذِّكْرِ إلى الوَقْتِ أبْلَغُ مِن تَوْجِيهِهِ إلى ما وقَعَ فِيهِ، وإنْ كانَ هو المَقْصُودَ بِالذّاتِ كَما مَرَّتِ الإشارَةُ إلَيْهِ، و( عَلَيْكم ) مُتَعَلِّقٌ إمّا بِالنِّعْمَةِ إنْ جُعِلَتْ مَصْدَرًا، وإمّا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِنها إذا جُعِلَتِ اسْمًا، أيِ اذْكُرُوا إنْعامَهُ عَلَيْكم بِالشُّكْرِ، واذْكُرُوا نِعْمَتَهُ كائِنَةً عَلَيْكُمْ، وكَذا ( إذْ ) في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ جَعَلَ فِيكم أنْبِياءَ﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ الجارُّ والمَجْرُورُ، أيِ اذْكُرُوا إنْعامَهُ عَلَيْكم في وقْتِ جَعْلِهِ، أوِ اذْكُرُوا نِعْمَتَهُ تَعالى كائِنَةً عَلَيْكم في وقْتِ جَعْلِهِ فِيما بَيْنَكم مِن أقْرِبائِكم أنْبِياءَ، وصِيغَةُ الكَثْرَةِ عَلى حَقِيقَتِها كَما هو الظّاهِرُ، والمُرادُ بِهِمْ: مُوسى، وهارُونُ، ويُوسُفُ، وسائِرُ أوْلادِ يَعْقُوبَ، عَلى القَوْلِ بِأنَّهم كانُوا أنْبِياءَ، أوِ الأوَّلُونَ، والسَّبْعُونَ الَّذِينَ اخْتارَهم مُوسى لِمِيقاتِ رَبِّهِ، فَقَدْ قالَ ابْنُ السّائِبِ ومُقاتِلٌ: إنَّهم كانُوا أنْبِياءَ.
وقالَ الماوَرْدِيُّ وغَيْرُهُ: المُرادُ بِهِمُ الأنْبِياءُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا مِن بَعْدُ في بَنِي إسْرائِيلَ، والفِعْلُ الماضِي مَصْرُوفٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِمْ مَن تَقَدَّمَ ومَن تَأخَّرَ، ولَمْ يُبْعَثْ مِن أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ ما بُعِثَ مِن بَنِي إسْرائِيلَ مِنَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - ﴿وجَعَلَكم مُلُوكًا﴾ عَطْفٌ عَلى ( جَعَلَ فِيكم ) وغُيِّرَ الأُسْلُوبُ فِيهِ؛ لِأنَّهُ لِكَثْرَةِ المُلُوكِ فِيهِمْ أوْ مِنهم صارُوا كُلُّهم كَأنَّهم مُلُوكٌ لِسُلُوكِهِمْ مَسْلَكَهم في السَّعَةِ والتَّرَفُّهِ، فَلِذا تُجُوِّزَ في إسْنادِ المُلْكِ إلى الجَمِيعِ بِخِلافِ النُّبُوَّةِ، فَإنَّها وإنْ كَثُرَتْ لا يَسْلُكُ أحَدٌ مَسْلَكَ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لِأنَّها أمْرٌ إلَهِيٌّ، يَخُصُّ اللَّهُ تَعالى بِهِ مَن شاءَ، فَلِذا لَمْ يُتَجَوَّزْ في إسْنادِها.
وقِيلَ: لا مَجازَ في الإسْنادِ، وإنَّما هو في لَفْظِ المُلُوكِ، فَإنَّ القَوْمَ كانُوا مَمْلُوكِينَ في أيْدِي القِبْطِ، فَأنْقَذَهُمُ اللَّهُ تَعالى، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الإنْقاذُ مُلْكًا، وقِيلَ: لا مَجازَ أصْلًا، بَلْ جُعِلُوا كُلُّهم مُلُوكًا عَلى الحَقِيقَةِ، والمَلِكُ مَن كانَ لَهُ بَيْتٌ وخادِمٌ، كَما جاءَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ، مَرْفُوعًا.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: «كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ إذا كانَ لِأحَدِهِمْ خادِمٌ ودابَّةٌ وامْرَأةٌ كَتَبَ مَلِكًا».
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الحَسَنِ: هَلِ المُلْكُ إلّا مَرْكَبٌ وخادِمٌ ودارٌ؟
وأخْرَجَ البُخارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أنَّهُ سَألَهُ رَجُلٌ فَقالَ: «ألَسْنا مِن فُقَراءِ المُهاجِرِينَ؟ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: ألَكَ زَوْجَةٌ تَأْوِي إلَيْها؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: ألَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأنْتَ مِنَ الأغْنِياءِ، قالَ: فَإنَّ لِي خادِمًا، قالَ: فَأنْتَ مِنَ المُلُوكِ».
وقِيلَ: المَلِكُ مَن لَهُ مَسْكَنٌ واسِعٌ فِيهِ ماءٌ جارٍ.
وقِيلَ: مَن لَهُ مالٌ لا يَحْتاجُ مَعَهُ إلى تَكَلُّفِ الأعْمالِ، وتَحَمُّلِ المَشاقِّ، وإلَيْهِ ذَهَبَ أبُو عَلِيٍّ الجُبّائِيُّ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الظّاهِرَ هُنا القَوْلُ بِالمَجازِ، وما ذُكِرَ في مَعْرِضِ الِاسْتِدْلال مُحْتَمِلٌ لَهُ أيْضًا.
﴿وآتاكم ما لَمْ يُؤْتِ أحَدًا مِنَ العالَمِينَ﴾ مِن فَلْقِ البَحْرِ، وإغْراقِ العَدُوِّ، وتَظْلِيلِ الغَمامِ، وانْفِجارِ الحَجَرِ، وإنْزالِ المَنِّ والسَّلْوى، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا آتاهُمُ اللَّهُ تَعالى مِنَ الأُمُورِ المَخْصُوصَةِ، والخِطابُ لِقَوْمِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - كَما هو الظّاهِرُ، و( ألْ ) في العالَمِينَ لِلْعَهْدِ، والمُرادُ عالِمِي زَمانِهِمْ، أوْ لِلِاسْتِغْراقِ، والتَّفْضِيلُ مِن وجْهٍ لا يَسْتَلْزِمُ التَّفْضِيلَ مِن جَمِيعِ الوُجُوهِ؛ فَإنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَفْضُولِ ما لَيْسَ لِلْفاضِلِ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ لا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهم عَلى هَذِهِ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، عَلى نَبِيِّها أفْضَلُ الصَّلاةِ وأكْمَلُ التَّحِيَّةِ، وإيتاءُ ما لَمْ يُؤْتَ أحَدٌ وإنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنهُ التَّفْضِيلُ، لَكِنِ المُتَبادِرُ مِنِ اسْتِعْمالِهِ ذَلِكَ، ولِذا أُوِّلَ بِما أُوِّلَ.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وأبِي مالِكٍ أنَّ الخِطابَ (p-106)هُنا لِهَذِهِ الأُمَّةِ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ جَدًّا، ولا يَكادُ يَرْتَكِبُ مِثْلُهُ في الكِتابِ المَجِيدِ؛ لِأنَّ الخِطاباتِ السّابِقَةَ واللّاحِقَةَ لَبَنِي إسْرائِيلَ فَوُجُودُ خِطابٍ في الأثْناءِ لِغَيْرِهِمْ مِمّا يُخِلُّ بِالنَّظْمِ الكَرِيمِ، وكَأنَّ الدّاعِيَ لِلْقَوْلِ بِهِ ظَنُّ لُزُومِ التَّفْضِيلِ، مَعَ عَدَمِ دافِعٍ لَهُ سِوى ذَلِكَ، وقَدْ عَلِمْتَ أنَّهُ مِن بَعْضِ الظَّنِّ.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِیكُمۡ أَنۢبِیَاۤءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكࣰا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ یُؤۡتِ أَحَدࣰا مِّنَ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق