الباحث القرآني
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ﴾ لَمّا بَيَّنَ سُبْحانَهُ حُرْمَةَ إحْلالِ الحَرَمِ الَّذِي هو مِن شَعائِرِ الحَجِّ عَقَّبَ - جَلَّ شَأْنُهُ - بِبَيانِ إحْلالِ سائِرِ الشَّعائِرِ، وهو جَمْعُ شَعِيرَةٍ، وهي اسْمٌ لِما أُشْعِرَ أيْ: جُعِلَ شِعارًا وعَلامَةً لِلنُّسُكِ مِن مَواقِفِ الحَجِّ، ومَرامِي الجِمارِ، والطَّوافِ والمَسْعى، والأفْعالِ الَّتِي هي عَلاماتُ الحاجِّ يُعْرَفُ بِها مِنَ الإحْرامِ، والطَّوافِ، والَسَّعْيِ، والحَلْقِ، والنَّحْرِ، وإضافَتُها إلى اللَّهِ تَعالى لِتَشْرِيفِها، وتَهْوِيلِ الخَطْبِ في إحْلالِها، والمُرادُ مِنهُ التَّهاوُنُ بِحُرْمَتِها، وأنْ يُحالَ بَيْنَها وبَيْنَ المُتَنَكِّسِينَ بِها.
ورُوِيَ عَنْ عَطاءٍ أنَّهُ فَسَّرَ الشَّعائِرَ بِمَعالِمِ حُدُودِ اللَّهِ تَعالى وأمْرِهِ ونَهْيِهِ وفَرْضِهِ، وعَنْ أبِي عَلِيٍّ الجُبّائِيِّ أنَّ المُرادَ بِها العَلاماتُ المَنصُوبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الحِلِّ والحَرَمِ، ومَعْنى إحْلالُها عِنْدَهُ مُجاوَزَتُها إلى مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرامٍ، وقِيلَ: هي الصَّفا والمَرْوَةُ، والهَدْيُ مِنَ البُدْنِ وغَيْرِها، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ.
﴿ولا الشَّهْرَ الحَرامَ﴾ أيْ: لا تُحِلُّوهُ بِأنْ تُقاتِلُوا فِيهِ أعْداءَكم مِنَ المُشْرِكِينَ، كَما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ، أوْ بِالنَّسِيءِ كَما نُقِلَ عَنِ القُتَيْبِيِّ، والأوَّلُ هو الأوْلى بِحالِ المُؤْمِنِينَ.
واخْتُلِفَ في المُرادِ مِنهُ فَقِيلَ: ( رَجَبٌ ) وقِيلَ: ذُو القَعْدَةِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وقِيلَ: الأشْهُرُ الأرْبَعَةُ الحُرُمُ، واخْتارَهُ الجُبّائِيُّ والبَلْخِيُّ، وإفْرادُهُ لِإرادَةِ الجِنْسِ.
﴿ولا الهَدْيَ﴾ بِأنْ يُتَعَرَّضَ لَهُ بِالغَضْبِ أوْ بِالمَنعِ مِن أنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، والمُرادُ بِهِ ما يُهْدى إلى الكَعْبَةِ مِن إبِلٍ، أوْ بَقَرٍ، أوْ شاءٍ، وهو جَمْعُ هَدْيَةٍ كَجَدْيٍ وجَدْيَةٍ، وهي ما يُحْشى تَحْتَ السَّرْجِ والرَّحْلِ، وخُصَّ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ بِناءً عَلى دُخُولِهِ في الشَّعائِرِ؛ لِأنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلنّاسِ؛ ولِأنَّهُ مالِيٌّ قَدْ يُتَساهَلُ فِيهِ، وتَعْظِيمًا لَهُ؛ لِأنَّهُ مِن أعَظَمِها.
﴿ولا القَلائِدَ﴾ جَمْعُ قِلادَةٍ، وهي ما يُقَلَّدُ بِهِ الهَدْيُ مِن نَعْلٍ أوْ لِحاءِ شَجَرٍ أوْ غَيْرِهِما؛ لِيُعْلَمَ أنَّهُ هَدْيٌ فَلا يُتَعَرَّضُ لَهُ، والمُرادُ النَّهْيُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِذَواتِ القَلائِدِ مِنَ الهَدْيِ، وهي البُدْنُ، وخُصَّتْ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَها واعْتِناءً بِها، أوِ التَّعَرُّضُ لِنَفْسِ القَلائِدِ مُبالَغَةً في النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِذَواتِها، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ فَإنَّهُنَّ إذا نُهِينَ عَنْ إظْهارِ الزِّينَةِ كالخَلْخالِ والسُّوارِ عُلِمَ النَّهْيُ عَنْ إبْداءِ مَحَلِّها بِالطَّرِيقِ الأوْلى.
ونُقِلَ عَنْ أبِي عَلِيٍّ الجُبّائِيِّ أنَّ المُرادَ النَّهْيُ عَنْ إحْلالِ نَفْسِ القَلائِدِ، وإيجابُ التَّصَدُّقِ بِها إنْ كانَتْ لَها قِيمَةٌ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ، ورُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أنَّ المُرادَ مِنَ القَلائِدِ أصْحابُ الهَدْيِ، فَإنَّ العَرَبَ كانُوا يُقَلِّدُونَ مِن لِحاءِ شَجَرِ مَكَّةَ، يُقِيمُ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ حَتّى إذا انْقَضَتِ الأشْهُرُ الحُرُمُ وأرادَ أنْ يَرْجِعَ إلى أهْلِهِ قَلَّدَ نَفْسَهُ وناقَتَهُ مِن لِحاءِ الشَّجَرِ، فَيَأْمَنُ حَتّى يَأْتِيَ أهْلَهُ.
وقالَ الفَرّاءُ: أهْلُ الحَرَمِ كانُوا يَتَقَلَّدُونَ بِلِحاءِ الشَّجَرِ، وغَيْرُ أهْلِ الحَرَمِ كانُوا يَتَقَلَّدُونَ بِالصُّوفِ والشَّعَرِ وغَيْرِهِما، وعَنِ الرَّبِيعِ وعَطاءٍ أنَّ المُرادَ نَهْيُ المُؤْمِنِينَ أنْ يَنْزِعُوا شَيْئًا مِن شَجَرِ الحَرَمِ يُقَلِّدُونَ بِهِ، كَما كانَ المُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَهُ في جاهِلِيَّتِهِمْ.
﴿ولا آمِّينَ البَيْتَ الحَرامَ﴾ أيْ: ولا تُحِلُّوا أقْوامًا قاصِدِينَ البَيْتَ الحَرامَ، بِأنْ تَصُدُّوهم عَنْهُ بِأيِّ وجْهٍ كانَ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ عَلى حَذْفٍ مُضافٍ أيْ: قِتالَ قَوْمٍ أوْ أذى قَوْمٍ ( آمِّينَ ).
(p-54)وقُرِئَ: ( ولا آمِّي البَيْتِ الحَرامِ ) بِالإضافَةِ، و( البَيْتَ ) مَفْعُولٌ بِهِ لا ظَرْفٌ، ووَجْهُ عَمَلِ اسْمِ الفاعِلِ فِيهِ ظاهِرٌ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِن رَبِّهِمْ ورِضْوانًا﴾ حالٌ مِنَ المُسْتَكِنِّ في ( آمِّينَ )، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ صِفَةً، وضُعِّفَ بِأنَّ اسْمَ الفاعِلِ المَوْصُوفِ لا يَعْمَلُ لِضَعْفِ شَبَهِهِ بِالفِعْلِ الَّذِي عَمِلَ بِالحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ المَوْصُوفِيَّةَ تُبْعِدُ الشَّبَهَ بِأنَّها مِن خَواصِّ الأسْماءِ، وأُجِيبَ بِأنَّ الوَصْفَ إنَّما يُمْنَعُ مِنَ العَمَلِ إذا تَقَدَّمَ المَعْمُولُ، فَلَوْ تَأخَّرَ لَمْ يُمْنَعْ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الفَراغِ مِن مُقْتَضاهُ، كَما صَرَّحَ بِهِ صاحِبُ اللُّبِّ وغَيْرُهُ.
وتَنْكِيرُ ( فَضْلًا ) و( رِضْوانًا ) لِلتَّفْخِيمِ، و( مِن رَبِّهِمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ العَمَلِ، أوْ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِـ( فَضْلًا ) مُغْنِيَةً عَنْ وصْفِ ما عُطِفَ عَلَيْهِ بِها أيْ: فَضْلًا كائِنًا مِن رَبِّهِمْ ورِضْوانًا كَذَلِكَ، والتَّعَرُّضُ لِعُنْوانِ الرُّبُوبِيَّةِ مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِهِمْ لِتَشْرِيفِهِمْ، والإشْعارِ بِحُصُولِ مُبْتَغاهُمْ، والمُرادُ بِهِمُ المُسْلِمُونَ خاصَّةً، والآيَةُ مُحْكَمَةٌ.
وفِي الجُمْلَةِ إشارَةٌ إلى تَعْلِيلِ النَّهْيِ، واسْتِنْكارِ النَّهْيِ عَنْهُ، كَذا قِيلَ، واعْتُرِضَ بِأنَّ التَّعَرُّضَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرامٌ مُطْلَقًا سَواءٌ كانُوا ( آمِّينَ ) أمْ لا، فَلا وجْهَ لِتَخْصِيصِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الإحْلالِ، ولِذا قالَ الحَسَنُ وغَيْرُهُ: المُرادُ بِالآمِّينَ هُمُ المُشْرِكُونَ خاصَّةً، والمُرادُ مِنَ الفَضْلِ حِينَئِذٍ الرِّبْحُ في تِجارَتِهِمْ، ومِنَ الرِّضْوانِ ما في زَعْمِهِمْ، ويَجُوزُ إبْقاءُ الفَضْلِ عَلى ظاهِرِهِ إذا أُرِيدَ ما في الزَّعْمِ أيْضًا، لَكِنَّهُ لَمّا أمْكَنَ حَمْلُهُ عَلى ما هو في نَفْسِ الأمْرِ كانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أوْلى، ويُؤَيِّدُ هَذا القَوْلَ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ - كَما قالَ السُّدِّيُّ وغَيْرُهُ - «فِي رَجُلٍ مَن بَنِي رَبِيعَةَ، يُقالُ لَهُ: الحُطَيْمُ بْنُ هِنْدَ، وذَلِكَ أنَّهُ أتى إلى النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - وحْدَهُ وخَلَّفَ خَيْلَهُ خارِجَ المَدِينَةِ، فَقالَ: إلى مَهْ تَدْعُو النّاسَ؟ فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إلى شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ» فَقالَ: حَسَنٌ، إلّا أنَّ لِي أُمَراءَ لا أقْطَعُ أمْرًا دُونَهُمْ، ولَعَلِّي أُسْلِمُ وآتِي بِهِمْ، وقَدْ كانَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - قالَ لِأصْحابِهِ: «يَدْخُلُ عَلَيْكم رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِلِسانِ شَيْطانٍ» ثُمَّ خَرَجَ مِن عِنْدِهِ، فَلَمّا خَرَجَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ -: «لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كافِرٍ وخَرَجَ بِعُقْبى غادِرٍ، وما الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ» فَمَرَّ بِسَرْحِ المَدِينَةِ فاسْتاقَهُ، وانْطَلَقَ بِهِ وهو يَرْتَجِزُ ويَقُولُ:
؎قَدْ لَفَّها اللَّيْلُ بِسَوّاقٍ حُطَمْ لَيْسَ بِراعِي إبِلٍ ولا غَنَمْ
؎ولا بِخَوّارٍ عَلى ظَهْرِ قُطَمْ ∗∗∗ باتُوا نِيامًا وابْنُ هِنْدٍ لَمْ يَنَمْ
؎باتَ يُقاسِيها غُلامٌ كالزَّلَمِ ∗∗∗ مُدَمْلَجُ السّاقَيْنِ مَمْسُوحُ القَدَمْ
فَطَلَبَهُ المُسْلِمُونَ فَعَجَزُوا، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - عامَ قَضاءِ العُمْرَةِ الَّتِي أُحْصِرَ عَنْها سَمِعَ تَلْبِيَةَ حُجّاجِ اليَمامَةِ، فَقالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «هَذا الحُطَيْمُ وأصْحابُهُ فَدُونَكُمُوهُ» وكانَ قَدْ قَلَّدَ ما نَهَبَ مِنَ السَّرْحِ وجَعَلَهُ هَدْيًا، فَلَمّا تَوَجَّهُوا لِذَلِكَ نَزَلَتِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ، فَكَفُّوا».
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أنَّها نَزَلَتْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ في فَوارِسَ يَؤُمُّونَ البَيْتَ مِنَ المُشْرِكِينَ، يُهِلُّونَ بِعُمْرَةٍ، فَقالَ المُسْلِمُونَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلاءِ المُشْرِكُونَ مِثْلُ هَؤُلاءِ دَعْنا نُغِرْ عَلَيْهِمْ، فَأنْزَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ الآيَةَ.
واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِأنَّ المُرادَ مِنَ الآمِّينَ المُشْرِكُونَ في النَّسْخِ وعَدَمِهِ، فَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أنَّهُ لا نَسْخَ؛ لِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يُبْتَدَأ المُشْرِكُونَ في الأشْهُرِ الحُرُمِ بِالقِتالِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الآيَةَ لَيْسَتْ نَصًّا في القِتالِ عَلى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ما في حَيِّزِ التَّعْلِيمِ، وقالَ أبُو مُسْلِمٍ: إنَّ الآيَةَ مَنسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذا﴾ وقِيلَ: بِآيَةِ السَّيْفِ، وقِيلَ: بِهِما، وقِيلَ: لَمْ يُنْسَخْ مِن هَذِهِ الآيَةِ إلّا القَلائِدُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، وادَّعى بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِالآمِّينَ ما يَعُمُّ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، وخُصُوصُ السَّبَبِ لا يَمْنَعُ عُمُومَ اللَّفْظِ، والنَّسْخُ حِينَئِذٍ في حَقِّ المُشْرِكِينَ خاصَّةً.
(p-55)وبَعْضُ الأئِمَّةِ يُسَمِّي مِثْلَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا، كَما حُقِّقَ في الأُصُولِ، ولا بُدَّ عَلى هَذا مِن تَفْسِيرِ الفَضْلِ والرِّضْوانِ بِما يُناسِبُ الفَرِيقَيْنِ، وقَرَأ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الأعْرَجُ ( تَبْتَغُونَ ) بِالتّاءِ عَلى خِطابِ المُؤْمِنِينَ، والجُمْلَةُ عَلى ذَلِكَ حالٌ مِن ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ في ( تُحِلُّوا ) عَلى أنَّ المُرادَ بَيانُ مُنافاةِ حالِهِمْ هَذِهِ لِلْمَنهِيِّ عَنْهُ، لا تَقْيِيدُ النَّهْيِ بِها.
واعْتُرِضَ بِأنَّهُ لَوْ أُرِيدَ خِطابُ المُؤْمِنِينَ لَكانَ المُناسِبُ ( مِن رَبِّكم ورَبِّهِمْ ) وأُجِيبَ بِأنَّ تَرْكَ التَّعْبِيرِ بِما ذُكِرَ لِلتَّخْوِيفِ بِأنَّ رَبَّهم يَحْمِيهِمْ ولا يَرْضى بِما فَعَلُوهُ، وفِيهِ بَلاغَةٌ لا تَخْفى، وإشارَةٌ إلى ما مَرَّ مِن أنَّ اللَّهَ تَعالى رَبُّ العالَمِينَ لا المُسْلِمِينَ فَقَطْ.
وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: إنَّ إضافَةَ الرَّبِّ إلى ضَمِيرِ ( آمِّينَ ) عَلى قِراءَةِ الخِطابِ لِلْإيماءِ إلى اقْتِصارِ التَّشْرِيفِ عَلَيْهِمْ وحِرْمانِ المُخاطَبِينَ عَنْهُ، وعَنْ نَيْلِ المُبْتَغى، وفي ذَلِكَ مِن تَعْلِيلِ النَّهْيِ وتَأْكِيدِهِ، والمُبالَغَةِ في اسْتِنْكارِ المَنهِيِّ عَنْهُ ما لا يَخْفى.
﴿وإذا حَلَلْتُمْ﴾ مِنَ الإحْرامِ المُشارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ( وأنْتُمْ حُرُمٌ ﴿فاصْطادُوا﴾ أيْ: فَلا جُناحَ عَلَيْكم بِالِاصْطِيادِ لِزَوالِ المانِعِ، فالأمْرُ لِلْإباحَةِ بَعْدَ الحَظْرِ، ومِثْلُهُ: لا تَدْخُلَنَّ هَذِهِ الدّارَ حَتّى تُؤَدِّيَ ثَمَنَها، فَإذا أدَّيْتَ فادْخُلْها، أيْ: إذا أدَّيْتَ أُبِيحَ لَكَ دُخُولُها، وإلى كَوْنِ الأمْرِ لِلْإباحَةِ بَعْدَ الحَظْرِ ذَهَبَ كَثِيرٌ.
وقالَ صاحِبُ القَواطِعِ: إنَّهُ ظاهِرُ كَلامِ الشّافِعِيِّ في أحْكامِ القُرْآنِ، ونَقَلَهُ ابْنُ بُرْهانٍ عَنْ أكْثَرِ الفُقَهاءِ والمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأنَّ سَبْقَ الحَظْرِ قَرِينَةٌ صارِفَةٌ، وهو أحَدُ ثَلاثَةِ مَذاهِبَ في المَسْألَةِ.
ثانِيها أنَّهُ لِلْوُجُوبِ؛ لِأنَّ الصِّيغَةَ تَقْتَضِيهِ، ووُرُودُهُ بَعْدَ الحَظْرِ لا تَأْثِيرَ لَهُ، وهو اخْتِيارُ القاضِي أبِي الطَّيِّبِ، والشَّيْخِ أبِي إسْحاقَ، والسَّمْعانِيِّ، والإمامِ في المَحْصُولِ، ونَقَلَهُ الشَّيْخُ أبُو حامِدٍ الإسْفَرايِنِيُّ في كِتابِهِ عَنْ أكْثَرِ الشّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قالَ: وهو قَوْلُ كافَّةِ الفُقَهاءِ وأكْثَرِ المُتَكَلِّمِينَ.
وثالِثُها الوَقْفُ بَيْنَهُما، وهو قَوْلُ إمامِ الحَرَمَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ أبْطَلَ الوَقْفَ في لَفْظِهِ ابْتِداءً مِن غَيْرِ تَقَدُّمِ حَظْرٍ، ولا يَبْعُدُ - عَلى ما قالَهُ الزَّرْكَشِيُّ - أنْ يُقالَ هُنا بِرُجُوعِ الحالِ إلى ما كانَ قَبْلُ، كَما قِيلَ في مَسْألَةِ النَّهْيِ الوارِدِ بَعْدَ الوُجُوبِ.
ومَن قالَ: إنْ حَقِيقَةَ الأمْرِ المَذْكُورِ لِلْإيجابِ قالَ إنَّهُ مُبالَغَةٌ في صِحَّةِ المُباحِ، حَتّى كَأنَّهُ واجِبٌ، وقِيلَ: إنَّ الأمْرَ في مِثْلِهِ لِوُجُوبِ اعْتِقادِ الحِلِّ فَيَكُونُ التَّجَوُّزُ في المادَّةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: اعْتَقِدُوا حِلَّ الصَّيْدِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ.
وقُرِئَ ( أحْلَلْتُمْ ) وهو لُغَةٌ في حَلَّ، وعَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قُرِئَ ﴿فاصْطادُوا﴾ بِكَسْرِ الفاءِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ هَمْزَةِ الوَصْلِ عَلَيْها، وضُعِّفَتْ مِن جِهَةِ العَرَبِيَّةِ؛ بِأنَّ النَّقْلَ إلى المُتَحَرِّكِ مُخالِفٌ لِلْقِياسِ، وقِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِكَسْرَةٍ مَحْضَةٍ، بَلْ أمالَ لِإمالَةِ الطّاءِ، وإنْ كانَتْ مِنَ المُسْتَعْلِيَةِ.
﴿ولا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ أيْ: لا يَحْمِلَنَّكُمْ، كَما فَسَّرَهُ بِهِ قَتادَةُ، ونُقِلَ عَنْ ثَعْلَبٍ والكِسائِيِّ وغَيْرِهِما، وأنْشَدُوا لَهُ بِقَوْلِهِ:
؎ولَقَدْ طَعَنْتُ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ∗∗∗ جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أنْ تَغْضَبا
فَجَرَمَ عَلى هَذا يَتَعَدّى لِواحِدٍ بِنَفْسِهِ وإلى الآخَرِ بِـ( عَلى ) وقالَ الفَرّاءُ وأبُو عُبَيْدَةَ: المَعْنى لا يَكْسِبَنَّكُمْ، وجَرَمَ جارٍ مَجْرى كَسَبَ في المَعْنى والتَّعَدِّي إلى مَفْعُولٍ واحِدٍ وإلى اثْنَيْنِ، يُقالُ: جَرَمَ ذَنْبًا نَحْوُ كَسَبَهُ، وجَرَمْتُهُ ذَنْبًا نَحْوُ كَسَبْتُهُ إيّاهُ، خَلا أنَّ ( جَرَمَ ) يُسْتَعْمَلُ غالِبًا في كَسْبِ ما لا خَيْرَ فِيهِ، وهو السَّبَبُ في إيثارِهِ ها هُنا عَلى الثّانِي، ومِنهُ الجَرِيمَةُ، وأصْلُ مادَّتِهِ مَوْضُوعَةٌ لِمَعْنى القَطْعِ؛ لِأنَّ الكاسِبَ يَنْقَطِعُ لِكَسْبِهِ، وقَدْ يُقالُ: أجْرَمَتْهُ ذَنْبًا عَلى نَقْلِ المُتَعَدِّي إلى مَفْعُولٍ بِالهَمْزَةِ إلى مَفْعُولَيْنِ كَما يُقالُ: أكْسَبْتُهُ ذَنَبًا، وعَلَيْهِ قِراءَةُ عَبْدِ اللَّهِ ( لا يُجْرِمَنَّكم ) بِضَمِّ الياءِ ( شَنِئانِ قَوْم ) بِفَتْحِ النُّونِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وإسْماعِيلُ عَنْ نافِعٍ بِسُكُونِها.
(p-56)وفِيهِما احْتِمالانِ:
الأوَّلُ أنْ يَكُونا مَصْدَرَيْنِ بِمَعْنى البُغْضِ أوْ شِدَّتِهِ شُذُوذًا؛ لِأنَّ ( فَعَلانَ ) بِالفَتْحِ مَصْدَرُ ما يَدُلُّ عَلى الحَرَكَةِ كَجَوَلانٍ، ولا يَكُونُ لِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ كَما قالَ: سْ، وهَذا مُتَعَدٍّ إذْ يُقالُ: شَنِئْتُهُ، ولا دَلالَةَ عَلى الحَرَكَةِ إلّا عَلى بُعْدٍ، وفِعْلانُ بِالسُّكُونِ في المَصادِرِ قَلِيلٌ، نَحْوُ: لَوَيْتُهُ لِيانًا بِمَعْنى مَطَلْتُهُ.
والثّانِي أنْ يَكُونا صِفَتَيْنِ لِأنَّ ( فِعْلانِ ) في الصِّفاتِ كَثِيرٌ كَسَكْرانٍ، وبِالفَتْحِ ورَدَ فِيها قَلِيلًا كَحِمارٍ قَطَوانَ عَسِرِ السَّيْرِ، وتَيْسٍ عَدَوانَ كَثِيرِ العَدْوِ، فَإنْ كانَ مَصْدَرًا فالظّاهِرُ أنَّ إضافَتَهُ إلى المَفْعُولِ أيْ: تُبْغِضُوا قَوْمًا، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ إلى الفاعِلِ، أيْ: أنْ يُبْغِضَكم قَوْمٌ، والأوَّلُ أظْهَرُ كَما في البَحْرِ، وإنْ كانَ وصْفًا فَهو بِمَعْنى بَغِيضٍ، وإضافَتُهُ بَيانِيَّةٌ، ولَيْسَ مُضافًا إلى مَفْعُولِهِ أوْ فاعِلِهِ كالمَصْدَرِ، أيِ البَغِيضُ مِن بَيْنِهِمْ.
﴿أنْ صَدُّوكُمْ﴾ بِفَتْحِ الهَمْزَةِ بِتَقْدِيرِ اللّامِ عَلى أنَّهُ عِلَّةٌ لِلشَّنَآنِ أيْ: لِأنْ صَدُّوكم عامَ الحُدَيْبِيَةِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّ ( أنْ ) شَرْطِيَّةٌ، وما قَبْلَها دَلِيلُ الجَوابِ، أوِ الجَوابُ عَلى القَوْلِ المَرْجُوحِ بِجَوازِ تَقَدُّمِهِ، وأُورِدَ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ لا صَدَّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ.
وأُجِيبَ بِأنَّهُ لِلتَّوْبِيخِ عَلى أنَّ الصَّدَّ السّابِقَ عَلى فَتْحِ مَكَّةَ مِمّا لا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ وُقُوعُهُ إلّا عَلى سَبِيلِ الفَرْضِ، وذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ ( إنْ كانُوا قَدْ صَدُّوكم ) وأنْ يَكُونَ عَلى ظاهِرِهِ إشارَةً إلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ ( يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكم ) بَعْدَ ظُهُورِ الإسْلامِ وقُوَّتِهِ، ويُعْلَمُ مِنهُ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ بِاعْتِبارِ الصَّدِّ السّابِقِ بِالطَّرِيقِ الأوْلى ﴿عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ أيْ: عَنْ زِيارَتِهِ والطَّوافِ بِهِ لِلْعُمْرَةِ، وهَذِهِ كَما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ في عُمُومِ ( آمِّينَ ) لِلْمُشْرِكِينَ قَطْعًا، وجَعَلَها البَعْضُ دَلِيلًا عَلى تَخْصِيصِهِ بِهِمْ ( أنْ تَعْتَدُوا ) أيْ: عَلَيْهِمْ، وحُذِفَ تَعْوِيلًا عَلى الظُّهُورِ، وإيماءً إلى أنَّ المَقْصِدَ الأصْلِيَّ مَنعُ صُدُورِ الِاعْتِداءِ مِنَ المُخاطَبِينَ مُحافَظَةً عَلى تَعْظِيمِ الشَّعائِرِ لا مَنعَ وُقُوعِهِ عَلى القَوْمِ مُراعاةً لِجانِبِهِمْ، وأنَّ عَلى حَذْفِ الجارِّ أيْ: عَلى أنْ تَعْتَدُوا، والمَحَلُّ بَعْدَهُ إمّا جَرٌّ أوْ نَصْبٌ عَلى المَذْهَبَيْنِ، أيْ: لا يَحْمِلَنَّكم بُغْضُ قَوْمٍ لِصَدِّهِمْ إيّاكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ عَلى اعْتِدائِكم عَلَيْهِمْ وانْتِقامِكم مِنهم لِلتَّشَفِّي، أوْ لا حَذْفَ، والمُنْسَبِكُ ثانِي مَفْعُولَيْ ( يَجْرِمَنَّكم ) أيْ: لا يَكْسِبَنَّكم ذَلِكَ اعْتِداؤُكُمْ، وهَذا عَلى التَّقْدِيرَيْنِ - وإنْ كانَ بِحَسَبِ الظّاهِرِ - نَهْيًا لِلشَّنَآنِ عَمّا نُسِبَ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ في الحَقِيقَةِ نَهْيٌ لَهم عَنِ الِاعْتِداءِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ؛ فَإنَّ النَّهْيَ عَنِ أسْبابِ الشَّيْءِ ومَبادِيهِ المُؤَدِّيَةِ إلَيْهِ نَهْيٌ عَنْهُ بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ وإبْطالٌ لِلسَّبَبِيَّةِ، ويُقالُ: لا أرَيْنَكَ ها هُنا، والمَقْصُودُ نَهْيُ المُخاطَبِ عَلى الحُضُورِ.
ووَجَّهَ العَلّامَةُ الطِّيبِيُّ الِاعْتِراضَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا﴾ بَيْنَ ما تَقَدَّمَ وبَيْنَ هَذا النَّهْيِ المُتَعَلِّقِ بِهِ؛ لِيَكُونَ إشارَةً وإدْماجًا إلى أنَّ القاصِدِينَ ما دامُوا مُحْرِمِينَ لا مُبْتَغِينَ فَضْلًا مِن رَبِّهِمْ كانُوا كالصَّيْدِ عِنْدَ الحَرَمِ فَلا تَتَعَرَّضُوهُمْ، وإذا حَلَلْتُمْ أنْتُمْ وهم فَشَأْنُكم وإيّاهُمْ؛ لِأنَّهم صارُوا كالصَّيْدِ المُباحِ أُبِيحَ لَكم تَعَرُّضُهم حِينَئِذٍ.
وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: لَعَلَّ تَأْخِيرَ هَذا النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ مَعَ ظُهُورِ تَعَلُّقِهِ بِما قَبْلَهُ لِلْإيذانِ بِأنَّ حُرْمَةَ الِاعْتِداءِ لا تَنْتَهِي بِالخُرُوجِ عَنِ الإحْرامِ كانْتِهاءِ حُرْمَةِ الِاصْطِيادِ بِهِ، بَلْ هي باقِيَةٌ ما لَمْ تَنْقَطِعْ عَلاقَتُهم عَنِ الشَّعائِرِ بِالكُلِّيَّةِ، وبِذَلِكَ يُعْلَمُ بَقاءُ حُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لِسائِرِ الآمِّينِ بِالطَّرِيقِ الأوْلى، ولَعَلَّهُ الأوْلى.
﴿وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى﴾ عَطْفٌ عَلى ( ولا يَجْرِمَنَّكم ) مِن حَيْثُ المَعْنى، كَأنَّهُ قِيلَ: لا تَعْتَدُوا عَلى قاصِدِي المَسْجِدِ الحَرامِ لِأجْلِ أنْ صُدِدْتُمْ عَنْهُ، وتَعاوَنُوا عَلى العَفْوِ والإغْضاءِ.
وقالَ بَعْضُهُمْ: هو اسْتِئْنافُ، والوَقْفُ عَلى ( أنْ تَعْتَدُوا ) لازِمٌ، واخْتارَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ المُرادَ بِالبِرِّ مُتابَعَةُ الأمْرِ مُطْلَقًا، وبِالتَّقْوى اجْتِنابُ الهَوى، لِتَصِيرَ الآيَةُ مِن جَوامِعِ الكَلِمِ، وتَكُونَ (p-57)تَذْيِيلًا لِلْكَلامِ، فَيَدْخُلُ في البِرِّ والتَّقْوى جَمِيعُ مَناسِكِ الحَجِّ، فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ﴾ ويَدْخُلُ العَفْوُ والإغْضاءُ أيْضًا دُخُولًا أوَّلِيًّا، وعَلى العُمُومِ أيْضًا حُمِلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ﴾ فَيَعُمُّ النَّهْيُ كُلَّ ما هو مِن مَقُولَةِ الظُّلْمِ والمُعاصِي، ويَنْدَرِجُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ التَّعاوُنِ عَلى الِاعْتِداءِ والِانْتِقامِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - وأبِي العالِيَةِ أنَّهُما فَسَّرا الإثْمَ بِتَرْكِ ما أمَرَهم بِهِ وارْتِكابِ ما نَهاهم عَنْهُ، والعُدْوانَ بِمُجاوَزَةِ ما حَدَّهُ سُبْحانَهُ لِعِبادِهِ في دِينِهِمْ، وفَرَضَهُ عَلَيْهِمْ في أنْفُسِهِمْ، وقُدِّمَتِ التَّحْلِيَةُ عَلى التَّخْلِيَةِ مُسارَعَةً إلى إيجابِ ما هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أمْرٌ بِالِاتِّقاءِ في جَمِيعِ الأُمُورِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها مُخالَفَةُ ما ذُكِرَ مِنَ الأوامِرِ والنَّواهِي، ويَثْبُتُ وُجُوبُ الِاتِّقاءِ فِيها بِالطَّرِيقِ البُرْهانِيِّ.
﴿إنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ﴾ لِمَن لا يَتَّقِيهِ، وهَذا في مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِما قَبْلَهُ، وإظْهارُ الِاسْمِ الجَلِيلِ لِما مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تُحِلُّوا۟ شَعَـٰۤىِٕرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡیَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰۤىِٕدَ وَلَاۤ ءَاۤمِّینَ ٱلۡبَیۡتَ ٱلۡحَرَامَ یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّهِمۡ وَرِضۡوَ ٰنࣰاۚ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُوا۟ۚ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُوا۟ۘ وَتَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُوا۟ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَ ٰنِۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











