الباحث القرآني

﴿قَدْ سَألَها﴾ أيِ المَسْألَةُ فالضَّمِيرُ في مَوْقِعِ المَصْدَرِ لا المَفْعُولِ بِهِ، والمُرادُ سَألَ مِثْلَها في كَوْنِها مَحْظُورَةً ومُسْتَتْبِعَةً لِلْوَبالِ ﴿قَوْمٌ﴾ وعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِالمِثْلِ لِلْمُبالَغَةِ في التَّحْذِيرِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْأشْياءِ عَلى تَقْدِيرِ المُضافِ أيْضًا فالضَّمِيرُ في مَوْقِعِ المَفْعُولِ بِهِ وذَلِكَ مِن بابِ الحَذْفِ والإيصالِ والمُرادُ سَألَ عَنْها وقِيلَ: لا حاجَةَ إلى جَعْلِهِ مِن ذَلِكَ البابِ لِأنَّ السُّؤالَ هُنا اسْتِعْطاءٌ وهو يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ كَقَوْلِكَ: سَألْتُهُ دِرْهَمًا بِمَعْنى طَلَبْتُهُ مِنهُ لا اسْتِخْبارٌ كَما في صَدْرِ الآيَةِ. واخْتُلِفَ في تَعْيِينِ القَوْمِ فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ هم قَوْمُ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ و السَّلامُ سَألُوهُ إنْزالَ المائِدَةِ ثُمَّ كَفَرُوا بِها، وقِيلَ: هم قَوْمُ صالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ سَألُوهُ النّاقَةَ ثُمَّ عَقَرُوها وكَفَرُوا بِها، وقِيلَ: هم قَوْمُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ سالُّوهُ أنْ يُرِيَهُمُ اللَّهُ تَعالى جَهْرَةً أوْ سَألُوهُ بَيانَ البَقَرَةِ وعَنْ مُقاتِلٍ هم بَنُو إسْرائِيلَ مُطْلَقًا كانُوا يَسْألُونَ أنْبِياءَهم عَنْ أشْياءَ فَإذا أخْبَرُوهم كَذَّبُوهم. وعَنِ السُّدِّيِّ هم قُرَيْشٌ سَألُوا النَّبِيَّ ﷺ أنْ يُحَوِّلَ الصَّفا ذَهَبًا، وقالَ الجَبائِيُّ: كانُوا يَسْألُونَهُ ﷺ عَنْ أنْسابِهِمْ فَإذا أخْبَرَهم عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمْ يُصَدِّقُوا ويَقُولُوا: لَيْسَ الأمْرُ كَذَلِكَ، ولا يَخْفى عَلَيْكَ الغَثُّ والسَّمِينُ مِن هَذِهِ الأقْوالِ وأنَّ بَعْضَها يُؤَيِّدُ حَمْلَ السُّؤالِ عَلى الِاسْتِعْصاءِ وبَعْضَها يُؤَيِّدُ حَمْلَهُ عَلى الِاسْتِخْبارِ، والحَمْلُ عَلى الِاسْتِخْبارِ أوْلى وإلى تَعَيُّنِهِ ذَهَبَ بَعْضُ العُلَماءِ ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِسَألَها، وجُوِّزَ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِقَوْمٍ واعْتُرِضَ (p-42)بِأنَّ ظَرْفَ الزَّمانِ لا يَكُونُ صِفَةَ الجُثَّةِ ولا حالًا مِنها ولا خَبَرًا عَنْها، وأُجِيبَ بِأنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ هَذا مَشْرُوطٌ بِما إذا عُدِمَتِ الفائِدَةُ أمّا إذا حَصَلَتْ فَيَجُوزُ كَما أشْبَهَتِ الجُثَّةُ المَعْنى في تَجَدُّدِها ووُجُودِها وقْتًا دُونَ وقْتٍ نَحْوَ ”اللَّيْلَةَ الهِلالُ“ بِخِلافِ ”زَيْدٌ يَوْمَ السَّبْتِ“ وما نَحْنُ فِيهِ مِمّا فِيهِ فائِدَةٌ لِأنَّ القَوْمَ لا يُعْلَمُ هَلْ هم مِمَّنْ مَضى أمْ لا وقالَ أبُو حَيّانَ وهو تَحْقِيقٌ بَدِيعٌ غَفَلُوا عَنْهُ: هَذا المَنعُ إنَّما هو في الزَّمانِ المُجَرَّدِ عَنِ الوَصْفِ أمّا إذا تَضَمَّنَ وصْفًا فَيَجُوزُ كَقَبْلُ وبَعْدُ فَإنَّهُما وصْفانِ في الأصْلِ فَإذا قُلْتُ جاءَ زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فالمَعْنى جاءَ في زَمانٍ قَبْلَ زَمانِ مَجِيئِهِ أيْ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ ولِذا وقَعَ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ ولَوْ لَمْ يُلْحَظْ فِيهِ الوَصْفُ وكانَ ظَرْفَ زَمانٍ مُجَرَّدٍ لَمْ يَجُزْ أنْ يَقَعَ صِلَةً ولا صِفَةً قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ ولا يَجُوزُ والَّذِينَ اليَوْمَ وما نَحْنُ فِيهِ مِنَ المُتَضَمِّنِ لا المُجَرَّدِ وهو ظاهِرٌ، وما قِيلَ مِن أنَّهُ لَيْسَ مِنَ المُتَنازَعِ فِيهِ في شَيْءٍ لِأنَّ الواقِعَ صِفَةٌ هو الجارُّ والمَجْرُورُ لا الظَّرْفُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأنَّ دُخُولَ الجارِّ عَلَيْهِ إذا كانَ مِن أوْ في لا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ في الحَقِيقَةِ هو الصِّفَةُ أوْ نَحْوُها فَلْيُفْهَمْ ﴿ثُمَّ أصْبَحُوا بِها﴾ أيْ بِسَبَبِها وهو مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿كافِرِينَ﴾ 201 - قُدِّمَ عَلَيْهِ رِعايَةَ لِلْفَواصِلِ وقَرَأ أُبَيٌّ قَدْ سَألَها قَوْمٌ بُيِّنَتْ لَهم فَأصْبَحُوا بِها كافِرِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب