الباحث القرآني
﴿ولَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ أيْ ولَوْ ثَبَتَ صَبْرُهم وانْتِظارُهم حَتّى تَخْرُجَ لَكانَ الصَّبْرُ خَيْرًا لَهم مِنَ الِاسْتِعْجالِ لِما فِيهِ مِن حِفْظِ الأدَبِ وتَعْظِيمِ النَّبِيِّ ﷺ المُوُجِبَيْنِ لِلثَّناءِ والثَّوابِ أوْ لِذَلِكَ والإسْعافُ بِالمَسْؤُولِ عَلى أوْفَقِ وجْهٍ وأوْقَعِهِ عِنْدَهم بِناءً عَلى حَدِيثِ الأسارى بِأنْ يُطْلِقَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الجَمِيعَ مِن غَيْرِ فِداءٍ، فَأنَّ المَفْتُوحَةَ المُؤَوَّلَةَ بِالمَصْدَرِ هُنا فاعِلُ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ وهو ثَبَتَ كَما اخْتارَهُ المُبَرِّدُ والقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَعْنى الكَلامِ، فَإنَّ أنْ تَدُلَّ عَلى الثُّبُوتِ وهو إنَّما يَكُونُ في الماضِي حَقِيقَةً ولِذا يُقَدَّرُ الفِعْلُ ماضِيًا. وضَمِيرُ كانَ لِلْمَصْدَرِ الدّالِّ عَلَيْهِ ( صَبَرُوا ) كَما في قَوْلِكَ: مَن كَذَبَ كانَ شَرًّا لَهُ أيِ الكَذِبُ. ومَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ المَصْدَرَ في مَوْضِعِ المُبْتَدَأِ فَقِيلَ:
خَبَرُهُ مُقَدَّرٌ أيْ لَوْ صَبْرُهم ثابِتٌ وقِيلَ: لا خَبَرَ لَهُ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ في تَقْدِيرِ الفِعْلِ إبْقاءَ ( لَوْ ) عَلى ظاهِرِها مِن دُخُولِها عَلى الفِعْلِ فَإنَّها في الأصْلِ شَرْطِيَّةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وجُوِّزَ كَوْنُ ضَمِيرِ كانَ لِمَصْدَرِ الفِعْلِ المُقَدَّرِ أيْ لَكانَ ثُبُوتُ صَبْرِهِمْ، وصَنِيعُ الزَّمَخْشَرِيِّ يَقْتَضِي أوْلَوِيَّتَهُ.
وأُوثِرَتْ ( حَتّى ) هُنا عَلى- إلى- لِأنَّها مَوْضُوعَةٌ لِما هو غايَةٌ في نَفْسِ الأمْرِ ويُقالُ لَهُ الغايَةُ المَضْرُوبَةُ أيِ المُعَيَّنَةُ وإلى لِما هو غايَةٌ في نَفْسِ الأمْرِ أوْ بِجَعْلِ الجاعِلِ، وإلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُ المَغارِبَةِ وغَيْرِهِمْ: إنَّ مَجْرُورَ حَتّى دُونَ مَجْرُورِ إلى لا بُدَّ مِن كَوْنِهِ آخِرَ جُزْءٍ نَحْوُ أكَلْتُ السَّمَكَةَ حَتّى رَأْسِها أوْ مُلاقِيًا لَهُ نَحْوَ ﴿سَلامٌ هي حَتّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ ولا يَجُوزُ سَهِرْتُ البارِحَةَ حَتّى ثُلُثَيْها أوْ نِصْفِها فَيُفِيدُ الكَلامُ مَعَها أنَّ انْتِظارَهم إلى أنْ يَخْرُجَ ﷺ أمْرٌ لازِمٌ لَيْسَ لَهم أنْ يَقْطَعُوا أمْرًا دُونَ الِانْتِهاءِ إلَيْهِ، فَإنَّ الخُرُوجَ لَمّا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعالى غايَةً كانَ كَذَلِكَ في الواقِعِ، وإلى هَذا ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وتَوَهَّمَ ابْنُ مالِكٍ أنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أحَدٌ غَيْرُهُ، واعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
؎عَيَّنْتُ لَيْلَةً فَما زِلْتُ حَتّى نِصْفِها راجِيًا فَعُدْتُ يَؤُوسا
وأُجِيبَ بِأنَّهُ عَلى تَسْلِيمِ أنَّهُ مِن كَلامِ مَن يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ أنَّهُ نادِرٌ شاذٌّ لا يَرِدُ مِثْلُهُ نَقْضًا مَدْفُوعٌ بِأنَّ مَعْنى عَيَّنْتُ لَيْلَةً عَيَّنْتُ وقْتًا لِلزِّيارَةِ وزِيارَةُ الأحْبابِ يُتَعارَفُ فِيها أنْ تَقَعَ في أوَّلِ اللَّيْلِ فَقَوْلُهُ: حَتّى نِصْفِها بَيانٌ لِغايَةِ الوَقْتِ المُتَعارَفِ لِلزِّيارَةِ الَّذِي هو أوَّلُ اللَّيْلِ والنِّصْفُ مُلاقٍ لَهُ، وهو أوْلى مِن قَوْلِ ابْنِ هِشامٍ في المُغْنِي: إنَّ هَذا لَيْسَ مَحَلَّ الِاشْتِراطِ إذْ لَمْ يَقُلْ: فَما زِلْتُ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ حَتّى نِصْفِها وإنْ كانَ المَعْنى عَلَيْهِ، وحاصِلُهُ أنَّ الِاشْتِراطَ مَخْصُوصٌ فِيما إذا صَرَّحَ بِذِي الغايَةِ إذْ لا دَلِيلَ عَلى هَذا التَّخْصِيصِ، وخَفاءُ عَدَمِ الِاكْتِفاءِ بِتَقْدِيمِ لَيْلَةٍ في صَدْرِ البَيْتِ. نَعَمْ ما ذُكِرَ مِن أصْلِهِ لا يَخْلُو عَنْ كَلامٍ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ كَلامُ صاحِبِ الكَشْفِ، ولِذا قالَ الأظْهَرُ: إنَّهُ أوْثَرُ حَتّى تَخْرُجَ اخْتِصارًا لِوُجُوبِ حَذْفِ أنْ ووُجُوبِ الإظْهارِ في إلى مَعَ أنَّ حَتّى أظْهَرُ دَلالَةً عَلى الغايَةِ المُناسِبَةِ لِلْحُكْمِ وتَخالُفِ ما بَعْدَها وما قَبْلَها ولِهَذا جاءَتْ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ إلى، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ( إلَيْهِمْ ) إشْعارٌ بِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَوْ خَرَجَ لا لِأجْلِهِمْ يَنْبَغِي أنْ يَصْبِرُوا حَتّى يُفاتِحَهم بِالكَلامِ أوْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِمْ فَلَيْسَ زائِدًا بَلْ قَيْدٌ لا بُدَّ مِنهُ ﴿واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ بَلِيغُ المَغْفِرَةِ والرَّحْمَةِ فَلِذا اقْتَصَرَ سُبْحانَهُ عَلى (p-144)النُّصْحِ والتَّقْرِيعِ لِهَؤُلاءِ المُسِيئِينَ الأدَبَ التّارِكِينَ تَعْظِيمَ رَسُولِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقَدْ كانَ مُقْتَضى ذَلِكَ أنْ يُعَذِّبَهم أوْ يُهْلِكَهم أوْ فَلَمْ تَضِقْ ساحَةُ مَغْفِرَتِهِ ورَحْمَتِهِ عَزَّ وجَلَّ عَنْ هَؤُلاءِ إنْ تابُوا وأصْلَحُوا، ويُشِيرُ إلى هَذا قَوْلُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْأقْرَعِ بَعْدَ أنْ دَنا مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ: ما يَضُرُّكَ ما كانَ قَبْلَ هَذا، وفي الآياتِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى قُبْحِ سُوءِ الأدَبِ مَعَ الرَّسُولِ ﷺ ما لا يَخْفى، ومِن هَذا وأمْثالِهِ تُقْتَطَفُ ثَمَرُ الألْبابِ وتُقْتَبَسُ مَحاسِنُ الآدابِ كَما يُحْكى عَنْ أبِي عُبَيْدٍ وهو في الفَضْلِ هو أنَّهُ قالَ: ما دَقَقْتُ بابًا عَلى عالِمٍ حَتّى يَخْرُجَ في وقْتِ خُرُوجِهِ، ونَقَلَهُ بَعْضُهم عَنِ القاسِمِ بْنِ سَلّامٍ الكُوفِيِّ، ورَأيْتُ في بَعْضِ الكُتُبِ أنَّ الحَبْرَ ابْنَ عَبّاسٍ كانَ يَذْهَبُ إلى أُبَيٍّ في بَيْتِهِ لِأخْذِ القُرْآنِ العَظِيمِ عَنْهُ فَيَقِفُ عِنْدَ البابِ ولا يَدُقُّ البابَ عَلَيْهِ حَتّى يَخْرُجَ فاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ أُبَيٌّ مِنهُ فَقالَ لَهُ يَوْمًا: هَلّا دَقَقْتَ البابَ يا ابْنَ عَبّاسٍ ؟ فَقالَ: العالِمُ في قَوْمِهِ كالنَّبِيِّ في أُمَّتِهِ وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى في حَقِّ نَبَيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ولَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ وقَدْ رَأيْتُ هَذِهِ القِصَّةَ صَغِيرًا فَعَمِلْتُ بِمُوجِبِها مَعَ مَشايِخِي والحَمْدُ لِلَّهِ تَعالى عَلى ذَلِكَ.
{"ayah":"وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُوا۟ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَیۡهِمۡ لَكَانَ خَیۡرࣰا لَّهُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











