الباحث القرآني

﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا﴾ لَمْ يَشُكُّوا مِنِ ارْتابَ مُطاوِعِ رابَهُ إذا أوْقَعَهُ في الشَّكِّ مَعَ التُّهْمَةِ، وجَعْلُ عَدَمِ الِارْتِيابِ مُتَراخِيًا عَنِ الإيمانِ مَعَ أنَّهُ لا يَنْفَكُّ عَنْهُ لِإفادَةِ نَفْيِ الشَّكِّ فِيما بَعْدُ عِنْدَ اعْتِراءِ شُبْهَةٍ كَأنَّهُ قِيلَ: آمَنُوا ثُمَّ لَمْ يَعْتَرِهِمْ ما يَعْتَرِي الضُّعَفاءَ بَعْدَ حِينٍ، وهَذا لا يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا مُرْتابِينَ أوَّلًا بَلْ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كَما لَمْ يَرْتابُوا أوَّلًا لَمْ يَحْدُثْ لَهُمُ ارْتِيابٌ ثانِيًا، والحاصِلُ آمَنُوا ثُمَّ لَمْ يَحْدُثْ لَهم رِيبَةٌ فالتَّراخِي زَمانِيٌّ، وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: عَطْفُ عَدَمِ الِارْتِيابِ عَلى الإيمانِ مِن بابِ ( مَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ) تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ الأصْلُ في الإيمانِ فَكَأنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ أعْلى مِنهُ كائِنٌ فِيهِ، وأُوثِرَ ثُمَّ عَلى الواوِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ هَذا الأصْلَ حَدِيثَهُ وقَدِيمَهُ سَواءٌ في القُوَّةِ والثَّباتِ فَهو أبَدًا عَلى طَراوَتِهِ لا أنَّهُ شَيْءٌ واحِدٌ مُسْتَمِرٌّ فَيَكُونُ كالشَّيْءِ الخَلِقِ بَلْ هو مُتَجَدِّدٌ طَرِيٌّ حِينًا بَعْدَ حِينٍ، ولا بَأْسَ بِأنْ يُجْعَلَ تَرْشِيحًا لِما دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنى العَطْفِ لَمّا جُعِلَ مُغايِرًا نُبِّهَ عَلى أنَّهُ لَيْسَ تَغايُرُ ما بَيْنَ الِاسْتِمْرارِ والحُدُوثِ بَلْ تَغايُرُ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِيَدُلَّ عَلى المَعْنى المَذْكُورِ وأنَّهم في زِيادَةِ اليَقِينِ آنًا فَآنًا، أمّا عِنْدَ مَن يَقُولُ فِيهِ بِالقُوَّةِ والضَّعْفِ فَظاهِرٌ، وأمّا مَن لَمْ يَقُلْ بِهِ فَلِانْضِمامِ العِيانِ إلى البَيانِ، والفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِمْرارَيْنِ أنَّ الِاسْتِمْرارَ عَلى الأوَّلِ اسْتِمْرارُ المَجْمُوعِ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ أيِ اسْتَمَرَّ بِذَلِكَ إيمانُهم مَعَ عَدَمِ الِارْتِيابِ، وعَلى الثّانِي الِاسْتِمْرارُ مُعْتَبَرٌ في الجُزْءِ الأخِيرِ، وهَذا الوَجْهُ أوْجَهُ، وأيًّا ما كانَ فَفي الكَلامِ تَعْرِيضٌ بِأُولَئِكَ الأعْرابِ (p-169)﴿وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في طاعَتِهِ عَزَّ وجَلَّ عَلى تَكْثِيرِ فُنُونِها مِنَ العِباداتِ البَدَنِيَّةِ المَحْضَةِ والمالِيَّةِ الصِّرْفَةِ والمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِما مَعًا كالحَجِّ والجِهادِ، وتَقْدِيمُ الأمْوالِ عَلى الأنْفُسِ مِن بابِ التَّرَقِّي مِنَ الأدْنى إلى الأعْلى، ويَجُوزُ بِأنْ يُقالَ: قَدَّمَ الأمْوالَ لِحِرْصِ الكَثِيرِ عَلَيْها حَتّى أنَّهم يُهْلِكُونَ أنْفُسَهم بِسَبَبِها مَعَ أنَّهُ أوْفَقُ نَظَرًا إلى التَّعْرِيضِ بِأُولَئِكَ حَيْثُ إنَّهم لَمْ يَكْفِهِمْ أنَّهم لَمْ يُجاهِدُوا بِأمْوالِهِمْ حَتّى جاؤُوا أوْ أظْهَرُوا الإسْلامَ حُبًّا لِلْمَغانِمِ وعَرَضَ الدُّنْيا ومَعْنى ( جاهَدُوا ) بَذَلُوا الجُهْدَ أوْ مَفْعُولُهُ مُقَدَّرٌ أيِ العَدُوَّ أوِ النَّفْسَ والهَوى ﴿أُولَئِكَ﴾ المَوْصُوفُونَ بِما ذُكِرَ مِنَ الأوْصافِ الجَمِيلَةِ ﴿هُمُ الصّادِقُونَ﴾ أيِ الَّذِينَ صَدَقُوا في دَعْوى الإيمانِ لا أُولَئِكَ الأعْرابُ. رُوِيَ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتِ الآيَةُ جاؤُوا وحَلَفُوا أنَّهم مُؤْمِنُونَ صادِقُونَ فَنَزَلَ لِتَكْذِيبِهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب