الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُعَذِّبَ المُنافِقِينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ﴾ عُطِفَ عَلى يُدْخِلَ أيْ ولِيُعَذِّبَ المُنافِقِينَ إلَخْ لِيَغِيظَهم مِن ذَلِكَ، وهو ظاهِرٌ عَلى جَمِيعِ الأوْجُهِ السّابِقَةِ في ﴿لِيُدْخِلَ﴾ حَتّى وجْهِ البَدَلِيَّةِ فَإنَّ بَدَلَ الِاشْتِمالِ تُصَحِّحُهُ المُلابَسَةُ كَما مَرَّ، وازْدِيادُ الإيمانِ عَلى ما ذَكَرْنا في تَفْسِيرِهِ مِمّا يَغِيظُهم بِلا رَيْبٍ، وقِيلَ: إنَّهُ عَلى هَذا الوَجْهِ يَكُونُ عَطْفًا عَلى المُبْدَلِ مِنهُ، وتَقْدِيمُ المُنافِقِينَ عَلى المُشْرِكِينَ لِأنَّهم أكْثَرُ ضَرَرًا عَلى المُسْلِمِينَ فَكانَ في تَقْدِيمِ تَعْذِيبِهِمْ تَعْجِيلُ المَسَرَّةِ. ﴿الظّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ﴾ أيْ ظَنَّ الأمْرِ الفاسِدِ المَذْمُومِ وهو أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لا يَنْصُرُ رَسُولَهُ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ ما يَعُمُّ ذَلِكَ وسائِرَ ظُنُونِهِمُ الفاسِدَةِ مِنَ الشِّرْكِ أوْ غَيْرِهِ ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ﴾ أيْ ما يَظُنُّونَهُ ويَتَرَبَّصُونَهُ بِالمُؤْمِنِينَ فَهو حائِقٌ بِهِمْ ودائِرٌ عَلَيْهِمْ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ وأبُو عَمْرٍو (دائِرَةُ السُّوءِ) بِالضَّمِّ، والفَرْقُ بَيْنَهُ وبَيْنَ ( السَّوْءِ ) بِالفَتْحِ عَلى ما في الصِّحاحِ أنَّ المَفْتُوحَ مَصْدَرٌ والمَضْمُومَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى المَساءَةِ. وقالَ غَيْرُ واحِدٍ: هُما لُغَتانِ بِمَعْنًى كالكُرْهِ والكَرْهِ عِنْدَ الكِسائِيِّ وكِلاهُما في الأصْلِ مَصْدَرٌ غَيْرَ أنَّ المَفْتُوحَ غَلَبَ في أنْ يُضافَ إلَيْهِ ما يُرادُ ذَمُّهُ والمَضْمُومَ جَرى مَجْرى الشَّرِّ، ولَمّا كانَتِ الدّائِرَةُ هُنا مَحْمُودَةً وأُضِيفَتْ إلى المَفْتُوحِ في قِراءَةِ الأكْثَرِ تَعَيَّنَ عَلى هَذا أنْ يُقالَ: إنَّ ذاكَ عَلى تَأْوِيلِ أنَّها مَذْمُومَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلى مَن دارَتْ عَلَيْهِ مِنَ المُنافِقِينَ والمُشْرِكِينَ، واسْتِعْمالُها في المَكْرُوهِ أكْثَرُ وهي مَصْدَرٌ بِزِنَةِ اسْمِ الفاعِلِ أوِ اسْمِ فاعِلٍ، وإضافَتُها عَلى ما قالَ الطَّيِّبِيُّ مِن إضافَةِ المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ لِلْبَيانِ عَلى المُبالَغَةِ، وفي الكَشْفِ الإضافَةُ بِمَعْنى مِن عَلى نَحْوِ دائِرَةِ ذَهَبَ فَتَدَبَّرْ. والكَلامُ إمّا إخْبارٌ عَنْ وُقُوعِ السُّوءِ بِهِمْ أوْ دُعاءٌ عَلَيْهِمْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهم وأعَدَّ لَهم جَهَنَّمَ﴾ عَطْفٌ عَلى ذَلِكَ، وكانَ الظّاهِرُ فَلَعَنَهم فَأُعِدَّ بِالفاءِ في المَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ كُلًّا مِنَ الأمْرَيْنِ مُسْتَقِلٌّ في الوَعِيدِ بِهِ مِن غَيْرِ اعْتِبارٍ لِلسَّبَبِيَّةِ فِيهِ ﴿وساءَتْ مَصِيرًا﴾ جَهَنَّمُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب