الباحث القرآني

﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى﴾ أيْ مُلْتَبِسًا بِهِ عَلى أنَّ الباءَ لِلْمُلابَسَةِ، والجارُّ والمَجْرُورُ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ المَفْعُولِ، والتِباسُهُ بِالهُدى بِمَعْنى أنَّهُ هادٍ، وقِيلَ: أيْ مُصاحِبًا لِلْهُدى، والمُرادُ بِهِ الدَّلِيلُ الواضِحُ والحُجَّةُ السّاطِعَةُ أوِ القُرْآنُ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ الباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أوْ لِلتَّعْلِيلِ وهُما مُتَقارِبانِ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِأرْسَلَ أيْ أرْسَلَهُ بِسَبَبِ الهُدى أوْ لِأجْلِهِ ﴿ودِينِ الحَقِّ﴾ وبِدِينِ الإسْلامِ، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِهِ ما يَعُمُّ الأُصُولَ والفُرُوعَ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالهُدى الأُصُولُ وبِدِينِ الحَقِّ الفُرُوعُ فَإنَّ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَن لَمْ يُرْسَلْ بِالفُرُوعِ وإنَّما أُرْسِلَ بِالأُصُولِ وتِبْيانِها، والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالحَقِّ نَقِيضُ الباطِلِ، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِهِ ما هو مِن أسْمائِهِ تَعالى أيْ ودِينُ اللَّهِ الحَقُّ، وجَوَّزَ الإمامُ غَيْرَ ذَلِكَ أيْضًا ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ لِيُعْلِيَهُ عَلى جِنْسِ الدِّينِ بِجَمِيعِ أفْرادِهِ أيْ ما يُدانُ بِهِ مِنَ الشَّرائِعِ والمِلَلِ فَيَشْمَلُ الحَقَّ والباطِلَ، وأصْلُ الإظْهارِ جَعْلُ الشَّيْءِ عَلى الظَّهْرِ فَلِذا كُنِّيَ بِهِ عَنِ الإعْلاءِ وعَنْ جَعْلِهِ بادِيًا لِلرّائِي ثُمَّ شاعَ في ذَلِكَ حَتّى صارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وإظْهارُهُ عَلى الحَقِّ بِنَسْخِ بَعْضِ أحْكامِهِ المُتَبَدِّلَةِ بِتَبَدُّلِ الأعْصارِ، وعَلى الباطِلِ بِبَيانِ بُطْلانِهِ، وجَوَّزَ غَيْرُ واحِدٍ، ولَعَلَّهُ الأظْهَرُ بِحَسَبِ المَقامِ، أنْ يَكُونَ إظْهارُهُ عَلى الدِّينِ بِتَسْلِيطِ المُسْلِمِينَ عَلى جَمِيعِ أهْلِ الأدْيانِ (p-123)وقالُوا: ما مِن أهْلِ دِينٍ حارَبُوا المُسْلِمِينَ إلّا وقَدْ قَهَرَهُمُ المُسْلِمُونَ، ويَكْفِي في ذَلِكَ اسْتِمْرارُ ما ذُكِرَ زَمانًا مُعْتَدًّا بِهِ كَما لا يَخْفى عَلى الواقِفِينَ عَلى كُتُبِ التَّوارِيخِ والوَقائِعِ، وقِيلَ: إنَّ تَمامَ هَذا الإعْلاءِ عِنْدَ نُزُولِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ وخُرُوجِ المَهْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ حَيْثُ لا يَبْقى حِينَئِذٍ دِينٌ سِوى الإسْلامِ، ووُقُوعُ خِلافِ ذَلِكَ بَعْدُ لا يَضُرُّ إمّا لِنَحْوِ ما سَمِعْتَ وإمّا لِأنَّ الباقِيَ مِنَ الدُّنْيا إذْ ذاكَ كُلًّا شَيْءٌ، وفي الجُمْلَةِ فَضْلُ تَأْكِيدٍ لِما وعَدَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِنَ الفَتْحِ وتَوْطِينٌ لِنُفُوسِ المُؤْمِنِينَ عَلى أنَّهُ تَعالى سَيَفْتَحُ لَهم مِنَ البِلادِ ويُتِيحُ لَهم مِنَ الغَلَبَةِ عَلى الأقالِيمِ ما يَسْتَقِلُّونَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَتْحَ مَكَّةَ ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ عَلى أنَّ ما عَدَّهُ عَزَّ وجَلَّ مِن إظْهارِ دِينِهِ عَلى جَمِيعِ الأدْيانِ أوِ الفَتْحِ كائِنٌ لا مَحالَةَ أوْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا عَلى رِسالَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ادَّعاها وأظْهَرَ اللَّهُ تَعالى المُعْجِزَةَ عَلى يَدِهِ وذَلِكَ شَهادَةٌ مِنهُ تَعالى عَلَيْها، واقْتَصَرَ عَلى هَذا الوَجْهِ الرّازِّيُّ وجَعَلَ ذَلِكَ تَسْلِيَةً عَمّا وقَعَ مِن سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو إذْ لَمْ يَرْضَ بِكِتابَةِ ﴿”مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ“﴾ وقالَ ما قالَ. وجَعَلَ بَعْضُ الأفاضِلِ إظْهارَ المُعْجِزَةِ شَهادَةً مِنهُ تَعالى عَلى تَحَقُّقِ وعْدِهِ عَزَّ وجَلَّ أيْضًا ولا يَظْهَرُ إلّا بِضَمِّ إخْبارِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب