الباحث القرآني

(p-110)﴿وأُخْرى﴾ عَطْفٌ عَلى ( هَذِهِ ) في ﴿فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ المَغانِمَ وعَجَّلَ لَكم مَغانِمَ أُخْرى وهي مَغانِمُ هَوازِنَ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، والتَّعْجِيلُ بِالنِّسْبَةِ إلى ما بَعْدُ فَيَجُوزُ تَعَدُّدُ المُعَجَّلِ كالِابْتِداءِ بِشَيْئَيْنِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ في مَوْضِعِ الصِّفَةِ ووَصَفَها بِعَدَمِ القُدْرَةِ عَلَيْها لِما كانَ فِيها مِنَ الجَوْلَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِزِيادَةِ تَرْغِيبِهِمْ فِيها، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ في مَوْضِعِ صِفَةٍ أُخْرى - لِأُخْرى - مُفِيدَةٌ لِسُهُولَةِ تَأتِّيها بِالنِّسْبَةِ إلى قُدْرَتِهِ عَزَّ وجَلَّ بَعْدَ بَيانِ صُعُوبَةِ مَنالِها بِالنَّظَرِ إلى قُدْرَتِهِمْ، والإحاطَةُ مَجازٌ عَنِ الِاسْتِيلاءِ التّامِّ أيْ قَدْ قَدَرَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْها واسْتَوْلى فَهي في قَبْضِ قُدْرَتِهِ تَعالى يُظْهِرُ عَلَيْها مَن أرادَ، وقَدْ أظْهَرَكم جَلَّ شَأْنُهُ عَلَيْها وأظْفَرَكم بِها، وقِيلَ: مَجازٌ عَنِ الحِفْظِ أيْ قَدْ حَفِظَها لَكم ومَنَعَها مِن غَيْرِكم، والتَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ أوْفَقُ بِالأوَّلِ، وعُمُومُ قُدْرَتِهِ تَعالى لِكَوْنِها مُقْتَضى الذّاتِ فَلا يُمْكِنُ أنْ تَتَغَيَّرَ ولا أنْ تَتَخَلَّفَ وتَزُولَ عَنِ الذّاتِ بِسَبَبٍ ما كَما تَقَرَّرَ في مَوْضِعِهِ، فَتَكُونُ نِسْبَتُها إلى جَمِيعِ المَقْدُوراتِ عَلى سَواءٍ مِن غَيْرِ اخْتِصاصٍ بِبَعْضٍ مِنها دُونَ بَعْضٍ وإلّا كانَتْ مُتَغايِرَةً بَلْ مُخْتَلِفَةً، وجُوِّزَ كَوْنُ ( أُخْرى ) مَنصُوبَةً بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها مِثْلَ قَضى. وتُعُقِّبَ بِأنَّ الإخْبارَ بِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى بَعْدَ انْدِراجِها في جُمْلَةِ الغَنائِمِ المَوْعُودِ بِها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾ لَيْسَ فِيهِ مَزِيدُ فائِدَةٍ وإنَّما الفائِدَةُ في بَيانِ تَعْجِيلِها، وأوْرَدَ عَلَيْهِ أنَّ المَغانِمَ الكَثِيرَةَ المَوْعُودَةَ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً لِيَدْخُلَ فِيها الأُخْرى، ولَوْ سَلِمَ فَلَيْسَ المَقْصُودُ بِالإفادَةِ كَوْنَها مَقْضِيَّةً بَلْ ما بَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ، وجُوِّزَ كَوْنُها مَرْفُوعَةً بِالِابْتِداءِ والجُمْلَةُ بَعْدَها صِفَةٌ وجُمْلَةُ قَدْ أحاطَ إلَخْ خَبَرُها، واسْتَظْهَرَ هَذا الوَجْهَ أبُو حَيّانَ، وقالَ بَعْضٌ: الخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ثَمَّتْ أوْ نَحْوُهُ، وجَوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنَها مَجْرُورَةً بِإضْمارِ رُبَّ كَما في قَوْلِهِ: ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أرْخى سُدُولَهُ. وتَعَقَّبَهُ أبُو حَيّانَ بِأنَّ فِيهِ غَرابَةً لِأنَّ رُبَّ لَمْ تَأْتِ في القُرْآنِ العَظِيمِ جارَّةً مَعَ كَثْرَةِ وُرُودِ ذَلِكَ في كَلامِ العَرَبِ فَكَيْفَ تُضْمَرُ هُنا، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ مِثْلَ هَذِهِ الغَرابَةِ لا تَضُرُّ، هَذا وتَفْسِيرُ الأُخْرى بِمَغانِمِ هَوازِنَ قَدْ أخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ واخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ، وقالَ قَتادَةُ والحَسَنُ: هي مَكَّةُ وقَدْ حاوَلُوها عامَ الحُدَيْبِيَةَ ولَمْ يُدْرِكُوها فَأُخْبِرُوا بِأنَّ اللَّهَ تَعالى سَيُظْفِرُهم بِها ويُظْهِرُهم عَلَيْها، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ، ورُوِيَتْ عَنْ مُقاتِلٍ أنَّها بِلادُ فارِسَ والرُّومِ وما فَتَحَهُ المُسْلِمُونَ، وهو غَيْرُ ظاهِرٍ عَلى تَفْسِيرِ المَغانِمِ الكَثِيرَةِ المَوْعُودَةِ فِيما سَبَقَ بِما وعَدَ اللَّهُ تَعالى بِهِ المُسْلِمِينَ مِنَ المَغانِمِ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وأيْضًا تَعَقَّبَهُ بَعْضُهم بِأنْ ﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ يُشْعِرُ بِتَقَدُّمِ مُحاوَلَةٍ لِتِلْكَ البِلادِ وفَواتِ دَرْكِها المَطْلُوبِ مَعَ أنَّهُ لَمْ تَتَقَدَّمْ مُحاوَلَةٌ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: هي خَيْبَرُ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الضَّحّاكِ وإسْحَقَ وابْنِ زَيْدٍ أيْضًا، وفِيهِ خَفاءٌ فَلا تَغْفُلْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب