الباحث القرآني
﴿أُولَئِكَ﴾ إشارَةٌ إلى المُخاطَبِينَ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ إيذانٌ بِأنَّ ذِكْرَ هَناتِهِمْ أوْجَبَ إسْقاطَهم عَنْ دَرَجَةِ الخِطابِ ولَوْ عَلى جِهَةِ التَّوْبِيخِ وحِكايَةِ أقْوالِهِمُ الفَظِيعَةِ لِغَيْرِهِمْ، وهو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ أيْ أبْعَدَهم مِن رَحْمَتِهِ عَزَّ وجَلَّ فَأصَمَّهم عَنِ اسْتِماعِ الحَقِّ لِتَصامِّهِمْ عَنْهُ لِسُوءِ اخْتِيارِهِمْ ﴿وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾ لِتَعامِيهِمْ عَمّا يُشاهِدُونَهُ مِنَ الآياتِ المَنصُوبَةِ في الأنْفُسِ والآفاقِ وجاءَ التَّرْكِيبُ ﴿فَأصَمَّهُمْ﴾ ولَمْ يَأْتِ فَأصَمَّ آذانَهم كَما جاءَ ﴿وأعْمى أبْصارَهُمْ﴾ أوْ وأعْماهم كَما جاءَ فَأصَمَّهُمْ، قِيلَ: لِأنَّ الأُذُنَ لَوْ أُصِيبَتْ بِقَطْعٍ أوْ قَلْعٍ لَسُمِعَ الكَلامُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلى ذِكْرِ الأُذُنِ والبَصَرُ وهو العَيْنُ لَوْ أُصِيبَ لامْتَنَعَ الإبْصارُ فالعَيْنُ لَها مَدْخَلٌ في الرُّؤْيَةِ والأُذُنُ لا مَدْخَلَ لَها في السَّمْعِ انْتَهى وهو كَما تَرى.
وقالَ الخَفاجِيُّ: لِأنَّهُ إذا ذُكِرَ الصَّمَمُ لَمْ يَبْقَ حاجَةٌ إلى ذِكْرِ الآذانِ، وأمّا العَمى فَلِشُيُوعِهِ في البَصَرِ (p-70)والبَصِيرَةِ حَتّى قِيلَ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِما وهو ظاهِرٌ ما في القامُوسِ فَإذا كانَ المُرادُ أحَدَهُما حَسَنُ تَقْيِيدُهُ.
وقِيلَ في وجْهِ ذَلِكَ بِناءً عَلى كَوْنِ العَمى حَقِيقَةً فِيما كانَ في البَصَرِ إنَّ نَحْوَ أعْمى اللَّهُ أبْصارَهم بِحَسَبِ الظّاهِرِ مِن بابِ أبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي وهو يُقالُ في مَقامٍ يَحْتاجُ إلى التَّأْكِيدِ، ولَمّا كانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَكى حالَهم في أمْرِ الجِهادِ غَيْرَ ظاهِرٍ إعْماؤُهم ظُهُورَ إصْمامِهِمْ كَيْفَ وفي الآياتِ السّابِقَةِ ما يُؤْذِنُ بِعَدَمِ انْتِفاعِهِمْ بِالمَسْمُوعِ مِنَ القُرْآنِ وهو مِن آثارِ إصْمامِهِمْ ولَيْسَ فِيها ما يُؤْذِنُ بِعَدَمِ انْتِفاعِهِمْ بِالآياتِ المَرْئِيَّةِ المَنصُوبَةِ في الأنْفُسِ والآفاقِ الَّذِي هو مِن آثارِ إعْمائِهِمْ ناسَبَ أنْ يَسَلَكَ في كُلٍّ مِنَ الجُمْلَتَيْنِ ما سَلَكَ مَعَ ما في سُلُوكِهِ في الأخِيرِ مِن رِعايَةِ الفَواصِلِ وهو أدَقُّ مِمّا قَبْلُ، هَذا والأرْحامُ جَمْعُ رَحِمٍ بِفَتْحِ الرّاءِ وكَسْرِ الحاءِ وهي عَلى ما في القامُوسِ القَرابَةُ أوْ أصْلُها وأسْبابُها، وقالَ الرّاغِبُ: الرَّحِمُ رَحِمُ المَرْأةِ أيْ بَيْتُ مَنبَتِ ولَدِها ووِعاؤُهُ ومِنهُ اسْتُعِيرَ الرَّحِمُ لِلْقَرابَةِ لِكَوْنِهِمْ خارِجِينَ مِن رَحِمٍ واحِدَةٍ، ويُقالُ لِلْأقارِبِ ذَوُو رَحِمٍ كَما يُقالُ لَهم أرْحامٌ، وقَدْ صَرَّحَ ابْنُ الأثِيرِ بِأنَّ ذا الرَّحِمِ يَقَعُ عَلى كُلِّ مَن يَجْمَعُ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ نَسَبٌ ويُطْلَقُ في الفَرائِضِ عَلى الأقارِبِ مِن جِهَةِ النِّساءِ، والمَذْكُورُ في كُتُبِها تَفْسِيرُهُ بِكُلِّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي سَهْمٍ ولا عَصَبَةٍ وعَدُّوا مِن ذَلِكَ أوْلادَ الأخَواتِ لِأبَوَيْنِ أوْ لِأبٍ وعَمّاتِ الآباءِ، وظاهِرُ كَلامِ الأئِمَّةِ في قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَن مَلَكَ ذا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ فَهو حُرٌّ». دُخُولُ الأبَوَيْنِ والوَلَدِ في ذِي الرَّحِمِ لُغَةٌ حَيْثُ أجْمَعُوا عَلى أنَّهم يُعْتِقُونَ عَلى مَن مَلَكَهم لِهَذا الخَبَرِ وإنِ اخْتَلَفُوا في عِتْقِ غَيْرِهِمْ، وصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ الهَيْثَمِيُّ في الزَّواجِرِ بِأنَّ الأوْلادَ مِنَ الأرْحامِ. وظاهِرُ عَطْفِ الأقْرَبِينَ عَلى الوالِدَيْنِ في الآيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِهِما في الأقارِبِ فَلا يَدْخُلُونَ في الأرْحامِ لِأنَّهم كَما قالُوا الأقارِبُ، وكَلامُ فُقَهائِنا نَصٌّ في عَدَمِ دُخُولِ الوالِدَيْنِ والوَلَدِ في ذَلِكَ حَيْثُ قالُوا: إذا أوْصى لِأقارِبِهِ أوْ لِذَوِي قَرابَتِهِ أوْ لِأرْحامِهِ فَهي لِلْأقْرَبِ فالأقْرَبِ مِن كُلِّ ذِي رَحِمِ مُحَرَّمٍ ولا يُدْخَلُ الوالِدانِ والوَلَدُ، وأمّا الجَدُّ ووَلَدُ الوَلَدِ فَنَقَلَ أبُو السُّعُودِ عَنِ العَلّامَةِ قاسِمٍ عَنِ البَدائِعِ أنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ دُخُولِهِما، واخْتارَهُ في الِاخْتِيارِ وعَلَّلَهُ بِأنَّ القَرِيبَ مَن يَتَقَرَّبُ إلى غَيْرِهِ بِواسِطَةِ غَيْرِهِ وتَكُونُ الجُزْئِيَّةُ بَيْنَهُما مُنْعَدِمَةً، وفي شَرْحِ الحَمَوِيِّ أنَّ دُخُولَهُما هو الأصَحُّ. وفي مَتْنِ المَواهِبِ وأدْخَلَ أيْ مُحَمَّدٌ الجَدَّ والحَفَدَةَ وهو الظّاهِرُ عَنْهُما، وذَكَرَ أنَّ مِثْلَ الجَدِّ والجَدَّةِ وقَدْ يُقالُ: إنَّ عَدَمَ دُخُولِ الوالِدَيْنِ والوَلَدِ في ذَلِكَ وكَذا الجَدُّ والحَفَدَةُ عِنْدَ مَن يَقُولُ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ لَيْسَ لِأنَّ اللَّفْظَ لا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ لُغَةً بَلْ لِأنَّهُ لا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ عُرْفًا وهُمُ اعْتَبَرُوا العُرْفَ كَما قالَ الطَّحْطاوِيُّ في أكْثَرِ مَسائِلِ الوَصِيَّةِ. وفي جامِعِ الفُصُولِينَ أنَّ مُطْلَقَ الكَلامِ فِيما بَيْنَ النّاسِ يَنْصَرِفُ إلى المُتَعارَفِ، وما ذَكَرَهُ في المِعْراجِ مِن خَبَرِ مَن سَمّى والِدَهُ قَرِيبًا عَقَّهُ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ قَرِيبًا لُغَةً بَلْ هو بَيانُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مَبْناهُ أنَّ في ذَلِكَ إيذاءً لِلْوالِدِ وحَطًّا مِن قَدْرِهِ عُرْفًا، وهَذا كَما لَوْ ناداهُ بِاسْمِهِ وكانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وأمْرُ العَطْفِ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ سَهْلٌ لِجَوازِ عَطْفِ العامِّ عَلى الخاصِّ كَعَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ، فالَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي أنَّ الأرْحامَ كَما صَرَّحُوا بِهِ الأقارِبُ بِالقَرابَةِ الغَيْرِ السَّبَبِيَّةِ والمُرادُ ما يُقابِلُ الأجانِبَ ويَدْخُلُ فِيهِمُ الأُصُولُ والفُرُوعُ والحَواشِي مِن قِبَلِ الأبِ أوْ مِن قِبَلِ الأُمِّ، وحُرْمَةُ قَطْعِ كُلٍّ لا شَكَّ فِيها لِأنَّهُ عَلى ما قُلْنا رَحِمٌ، والآيَةُ ظاهِرَةٌ في حُرْمَةِ قَطْعِ الرَّحِمِ. وحَكى القُرْطُبِيُّ في تَفْسِيرِهِ اتِّفاقُ الأُمَّةِ عَلى حُرْمَةِ قَطْعِها ووُجُوبِ صِلَتِها، ولا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ في كَوْنِ القَطْعِ كَبِيرَةً، والعَجَبُ مِنَ الرّافِعِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ كَيْفَ تَوَقَّفَ في قَوْلِ صاحِبِ الشّامِلِ: إنَّهُ مِنَ الكَبائِرِ، وكَذا تَقْرِيرُ النَّوَوِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ لَهُ عَلى تَوَقُّفِهِ، واخْتُلِفَ في المُرادِ بِالقَطِيعَةِ فَقالَ أبُو زَرْعَةَ: يَنْبَغِي أنْ تَخْتَصَّ بِالإساءَةِ، وقالَ غَيْرُهُ: هي تَرْكُ (p-71)الإحْسانِ ولَوْ بِدُونِ إساءَةٍ لِأنَّ الأحادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ ناهِيَةٌ عَنِ القَطِيعَةِ ولا واسِطَةَ بَيْنَهُما، والصِّلَةُ إيصالُ نَوْعٍ مِن أنْواعِ الإحْسانِ كَما فَسَّرَها بِذَلِكَ غَيْرُ واحِدٍ فالقَطِيعَةُ ضِدُّها فَهي تَرْكُ الإحْسانِ. ونَظَرَ فِيهِ الهَيْثَمِيُّ بِناءً عَلى تَفْسِيرِ العُقُوقِ بِأنْ يَفْعَلَ مَعَ أحَدِ أبَوَيْهِ ما لَوْ فَعَلَهُ مَعَ أجْنَبِيٍّ كانَ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً فَيَنْتَقِلُ بِالنِّسْبَةِ إلى أحَدِهِما كَبِيرَةً وإنَّ الأبَوَيْنِ أعْظَمُ مِن بَقِيَّةِ الأقارِبِ ثُمَّ قالَ: فالَّذِي يَتَّجِهُ لِيُوافِقَ كَلامَهم وفَرَقَهم بَيْنَ العُقُوقِ وقَطْعِ الرَّحِمِ أنَّ المُرادَ بِالأوَّلِ أنْ يَفْعَلَ مَعَ أحَدِ الأبَوَيْنِ ما يَتَأذّى بِهِ فَإنْ كانَ التَّأذِّي لَيْسَ بِالهَيِّنِ عُرْفًا كانَ كَبِيرَةً وإنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فَعَلَهُ مَعَ الغَيْرِ وبِالثّانِي قَطْعُ ما ألِفَ القَرِيبُ مِنهُ مِن سابِقِ الوَصْلَةِ والإحْسانِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِأنَّ قَطْعَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلى إيحاشِ القُلُوبِ وتَأذِّيها، فَلَوْ فُرِضَ أنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إحْسانٌ ولا إساءَةٌ قَطُّ لَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ لِأنَّ الأبَوَيْنِ إذا فُرِضَ ذَلِكَ في حَقِّهِما مِن غَيْرِ أنْ يَفْعَلَ مَعَهُما ما يَقْتَضِي التَّأذِّي العَظِيمَ لِغِناهُما مَثَلًا لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً فَأوْلى بَقِيَّةُ الأقارِبِ ولَوْ فُرِضَ أنَّ الإنْسانَ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ قَرِيبِهِ ما ألِفَهُ مِنهُ مِنَ الإحْسانِ لَكِنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً أوْ قَطَّبَ في وجْهِهِ أوْ لَمْ يَقُمْ لَهُ في مَلَأٍ ولا عَبَأ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِسْقًا بِخِلافِهِ مَعَ أحَدِ الأبَوَيْنِ لِأنَّ تَأكُّدَ حَقِّهِما اقْتَضى أنْ يَتَمَيَّزا عَلى بَقِيَّةِ الأقارِبِ بِما لا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِيهِمْ وعَلى ضَبْطِ الثّانِي بِما ذَكَرْتُهُ فَلا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ الإحْسانُ الَّذِي ألِفَهُ مِنهُ قَرِيبُهُ مالًا أوْ مُكاتَبَةً أوْ مُراسَلَةً أوْ زِيارَةً أوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَطْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ فِعْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرِ كَبِيرَةٌ، ويَنْبَغِي أنْ يُرادَ بِالعُذْرِ في المالِ فَقْدُ ما كانَ يَصِلُهُ بِهِ أوْ تَجَدُّدُ احْتِياجِهِ إلَيْهِ أوْ أنْ يَنْدُبَهُ الشّارِعُ إلى تَقْدِيمِ غَيْرِ القَرِيبِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أحْوَجَ أوْ أصْلَحَ، فَعَدَمُ الإحْسانِ إلى القَرِيبِ أوْ تَقْدِيمُ الأجْنَبِيِّ عَلَيْهِ لِهَذا العُذْرِ يَرْفَعُ عَنْهُ وإنِ انْقَطَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ ما ألِفَهُ مِنهُ القَرِيبُ لِأنَّهُ إنَّما راعى أمْرَ الشّارِعِ بِتَقْدِيمِ الأجْنَبِيِّ عَلَيْهِ، وواضِحٌ أنَّ القَرِيبَ لَوْ ألِفَ مِنهُ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنَ المالِ يُعْطِيهِ إيّاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا فَنَقَصَهُ لا يَفْسُقُ بِذَلِكَ بِخِلافِ ما لَوْ قَطَعَهُ مِن أصْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وأمّا عُذْرُ الزِّيارَةِ فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِعُذْرِ الجُمُعَةِ لَجامِعِ أنَّ كُلًّا فَرْضُ عَيْنٍ وتَرْكَهُ كَبِيرَةً وأمّا عُذْرُ تَرْكِ المُكاتَبَةِ والمُراسَلَةِ فَهو أنْ لا يَجِدَ مَن يَثِقُ بِهِ في أداءِ ما يُرْسِلُهُ مَعَهُ، والظّاهِرُ أنَّهُ إذا تَرَكَ الزِّيارَةَ الَّتِي أُلِفَتْ مِنهُ في وقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ لا يَلْزَمُهُ قَضاؤُها في غَيْرِ ذَلِكَ الوَقْتِ، والأوْلادُ والأعْمامُ مِنَ الأرْحامِ وكَذا الخالَةُ فَيَأْتِي فِيهِمْ وفِيها ما تَقَرَّرَ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَ قَطْعِهِمْ وعُقُوقِ الوالِدَيْنِ، وأمّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيِّ: صَحَّ في الحَدِيثِ أنَّ الخالَةَ بِمَنزِلَةِ الأُمِّ وأنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ، وقَضِيَّتَهُما أنَّهُما مِثْلُ الأبِ والأُمِّ حَتّى في العُقُوقِ فَبَعِيدٌ جِدًّا ويَكْفِي مُشابَهَتُهُما في أمْرٍ ما كالحَضانَةِ تَثْبُتُ لِلْخالَةِ كَما تَثْبُتُ لِلْأُمِّ وكَذا المَحْرَمِيَّةُ وكالإكْرامِ في العَمِّ والمَحْرَمِيَّةِ وغَيْرِهِما مِمّا ذُكِرَ انْتَهى المُرادُ مِنهُ، ولَوْ قِيلَ: إنَّ الصَّغِيرَةَ تَعُدُّ كَبِيرَةً لَوْ فُعِلَتْ مَعَ القَرِيبِ لَكِنَّها دُونَ ما لَوْ فُعِلَتْ مَعَ أحَدِ الأبَوَيْنِ لَمْ يَبْعُدْ عِنْدِي لِتَفاوُتِ قُبْحِ السَّيِّئاتِ بِحَسَبِ الإضافاتِ بَلْ لا يَبْعُدُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ قُبْحُ قَطْعِ الرَّحِمِ مُتَفاوِتًا بِاعْتِبارِ الشَّخْصِ القاطِعِ وبِاعْتِبارِ الشَّخْصِ المَقْطُوعِ ومَتى سُلِّمَ التَّفاوُتُ فَلْيَقُلْ بِهِ في العُقُوقِ ويَكُونُ عُقُوقُ الأُمِّ أقْبَحَ مِن عُقُوقِ الأبِ وكَذا عُقُوقُ الوَلَدِ الَّذِي يَعْبَأُ بِهِ أقْبَحُ مِن عُقُوقِ الوَلَدِ الَّذِي لا يَعْبَأُ بِهِ ويَتَفَرَّعُ مِن ذَلِكَ ما يَتَفَرَّعُ مِمّا لا يَخْفى عَلى فَقِيهٍ. واسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَلى مَنعِ بَيْعِ أُمِّ الوَلَدِ. رَوى الحاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ وصَحَّحَهُ. وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ بُرَيْدَةَ قالَ: كُنْتُ جالِسًا عِنْدَ عُمَرَ إذْ سَمِعَ صائِحًا فَسَألَ فَقِيلَ: جارِيَةٌ مِن قُرَيْشٍ تُباعُ أُمُّها فَأرْسَلَ يَدْعُو المُهاجِرِينَ والأنْصارَ فَلَمْ تَمْضِ ساعَةٌ حَتّى امْتَلَأتِ الدّارُ والحُجْرَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى وأثْنى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ فَهَلْ تَعْلَمُونَهُ كانَ مِمّا جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ القَطِيعَةُ قالُوا: لا قالَ: فَإنَّها قَدْ أصْبَحَتْ فِيكم فاشِيَّةً ثُمَّ قَرَأ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ﴾ (p-72)ثُمَّ قالَ: وأيُّ قَطِيعَةٍ أقْطَعُ مِن أنْ تُباعَ أُمُّ امْرِئٍ فِيكم قالُوا: فاصْنَعْ ما بَدا لَكَ فَكَتَبَ في الآفاقِ أنْ لا تُباعَ أُمُّ حُرٍّ فَإنَّها قَطِيعَةُ رَحِمٍ وأنَّهُ لا يَحِلُّ، واسْتُدِلَّ بِها أيْضًا عَلى جَوازِ لَعْنِ يَزِيدَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى ما يَسْتَحِقُّ، نَقَلَ البَرْزَنْجِيُّ في الإشاعَةِ والهَيْثَمِيُّ في الصَّواعِقِ أنَّ الإمامَ أحْمَدَ لَمّا سَألَهُ ولَدُهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ لَعْنِ يَزِيدَ قالَ: كَيْفَ لا يُلْعَنُ مَن لَعَنَهُ اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ؟ ! فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ قَرَأْتُ كِتابَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَلَمْ أجِدْ فِيهِ لَعْنَ يَزِيدَ فَقالَ الإمامُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أنْ تُفْسِدُوا في الأرْضِ وتُقَطِّعُوا أرْحامَكُمْ﴾ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ الآيَةَ وأيُّ فَسادٍ وقَطِيعَةٍ أشَدُّ مِمّا فَعَلَهُ يَزِيدُ انْتَهى.
وهُوَ مَبْنِيٌّ عَلى جَوازِ لَعْنِ العاصِي المُعَيَّنِ مِن جَماعَةٍ لُعِنُوا بِالوَصْفِ، وفي ذَلِكَ خِلافٌ فالجُمْهُورُ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لَعْنُ المُعَيَّنِ فاسِقًا كانَ أوْ ذِمِّيًّا حَيًّا كانَ أوْ مَيِّتًا ولَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ عَلى الكُفْرِ لِاحْتِمالِ أنْ يُخْتَمَ لَهُ أوْ خُتِمَ لَهُ بِالإسْلامِ بِخِلافِ مَن عُلِمَ مَوْتُهُ عَلى الكُفْرِ كَأبِي جَهْلٍ.
وذَهَبَ شَيْخُ الإسْلامِ السَّرّاجُ البُلْقِينِيُّ إلى جَوازِ لَعْنِ العاصِي المُعَيَّنِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «(إذا دَعا الرَّجُلُ امْرَأتَهُ إلى فِراشِهِ فَأبَتْ أنْ تَجِيءَ فَباتَ غَضْبانَ لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ) وفي رِوايَةٍ (إذا باتَتِ المَرْأةُ مُهاجِرَةً فِراشَ زَوْجِها لَعَنَتْها المَلائِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ)» واحْتِمالُ أنْ يَكُونَ لَعْنُ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إيّاها لَيْسَ بِالخُصُوصِ بَلْ بِالعُمُومِ بِأنْ يَقُولُوا: لَعْنُ اللَّهِ مَن باتَتْ مُهاجِرَةً فِراشَ زَوْجِها بِعِيدٌ وإنْ بَحَثَ بِهِ مَعَهُ ولَدُهُ الجَلالُ البُلْقِينِيُّ.
وفِي الزَّواجِرِ لَوِ اسْتُدِلَّ لِذَلِكَ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «(أنَّهُ ﷺ مَرَّ بِحِمارٍ وُسِمَ في وجْهِهِ فَقالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَن فَعَلَ هَذا)» لَكانَ أظْهَرَ إذِ الإشارَةُ بِهَذا صَرِيحَةٌ في لَعْنِ مُعَيَّنٍ إلّا أنْ يُؤَوَّلَ بِأنَّ المُرادَ الجِنْسُ وفِيهِ ما فِيهِ انْتَهى.
وعَلى هَذا القَوْلِ لا تَوَقُّفَ في لَعْنِ يَزِيدَ لِكَثْرَةِ أوْصافِهِ الخَبِيثَةِ وارْتِكابِهِ الكَبائِرَ في جَمِيعِ أيّامِ تَكْلِيفِهِ ويَكْفِي ما فَعَلَهُ أيّامَ اسْتِيلائِهِ بِأهْلِ المَدِينَةِ ومَكَّةَ فَقَدْ رَوى الطَّبَرانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «(اللَّهُمَّ مَن ظَلَمَ أهْلَ المَدِينَةِ وأخافَهم فَأخِفْهُ وعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ والمَلائِكَةِ والنّاسِ أجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنهُ صَرْفٌ ولا عَدْلٌ)».
والطّامَّةُ الكُبْرى ما فَعَلَهُ بِأهْلِ البَيْتِ ورِضاهُ بِقَتْلِ الحُسَيْنِ عَلى جَدِّهِ وعَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ واسْتِبْشارُهُ بِذَلِكَ وإهانَتُهُ لِأهْلِ بَيْتِهِ مِمّا تَواتَرَ مَعْناهُ وإنْ كانَتْ تَفاصِيلُهُ آحادًا.
وفِي الحَدِيثِ «(سِتَّةٌ لَعَنْتُهم وفي رِوايَةٍ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ وكُلُّ نَبِيٍّ مُجابِ الدَّعْوَةِ: المُحَرِّفُ لِكِتابِ اللَّهِ- وفي رِوايَةٍ-: الزّائِدُ في كِتابِ اللَّهِ والمُكَذِّبُ بِقَدَرِ اللَّهِ والمُتَسَلِّطُ بِالجَبَرُوتِ لِيُعِزَّ مَن أذَلَّ اللَّهُ ويُذِلَّ مَن أعَزَّ اللَّهُ والمُسْتَحِلُّ مِن عِتْرَتِي والتّارِكُ لِسُنَّتِي)».
وقَدْ جَزَمَ بِكَفْرِهِ وصَرَّحَ بِلَعْنِهِ جَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ مِنهُمُ الحافِظُ ناصِرُ السُّنَّةِ ابْنُ الجَوْزِيِّ وسَبَقَهُ القاضِي أبُو يَعْلى، وقالَ العَلّامَةُ التَّفْتازانِيُّ: لا نَتَوَقَّفُ في شَأْنِهِ بَلْ في إيمانِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ وعَلى أنْصارِهِ وأعْوانِهِ، ومِمَّنْ صَرَّحَ بِلَعْنِهِ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ، وفي تارِيخِ ابْنِ الوَرْدِيِّ وكِتابِ الوافِي بِالوَفِيّاتِ أنَّ السَّبْيَ لَمّا ورَدَ مِنَ العِراقِ عَلى يَزِيدَ خَرَجَ فَلَقِيَ الأطْفالَ والنِّساءَ مِن ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ والحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما والرُّؤُوسُ عَلى أطْرافِ الرِّماحِ وقَدْ أشْرَفُوا عَلى ثَنِيَّةِ جِيرُونَ فَلَمّا رَآهم نَعَبَ غُرابٌ فَأنْشَأ يَقُولُ:
؎لَمّا بَدَتْ تِلْكَ الحَمُولُ وأشْرَفَتْ تِلْكَ الرُّؤُوسُ عَلى شَفا جِيرُونَ
؎نَعَبَ الغُرابُ فَقُلْتُ قُلْ أوْ لا تَقُلْ ∗∗∗ فَقَدِ اقْتَضَيْتُ مِنَ الرَّسُولِ دُيُونِي
(p-73)يَعْنِي أنَّهُ قَتَلَ بِمَن قَتَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ كَجَدِّهِ عُتْبَةَ وخالِهِ ولَدِ عُتْبَةَ وغَيْرِهِما وهَذا كُفْرٌ صَرِيحٌ فَإذا صَحَّ عَنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ ومِثْلُهُ تَمَثُّلُهُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرى قَبْلَ إسْلامِهِ:
لَيْتَ أشْياخِي. الأبْياتِ، وأفْتى الغَزالِيُّ عَفا اللَّهُ عَنْهُ بِحُرْمَةِ لَعْنِهِ. وتَعَقَّبَ السَّفارِينِيُّ مِنَ الحَنابِلَةِ نَقْلَ البَرْزَنْجِيِّ والهَيْثَمِيِّ السّابِقَ عَنْ أحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى فَقالَ: المَحْفُوظُ عَنِ الإمامِ أحْمَدَ خِلافُ ما نَقَلا، فَفي الفُرُوعِ ما نَصَّهُ ومِن أصْحابِنا مَن أخْرَجَ الحَجّاجَ عَنِ الإسْلامِ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَزِيدُ ونَحْوُهُ، ونَصُّ أحْمَدَ خِلافُ ذَلِكَ وعَلَيْهِ الأصْحابُ، ولا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِاللَّعْنَةِ خِلافًا لِأبِي الحُسَيْنِ وابْنِ الجَوْزِيِّ وغَيْرِهِما، وقالَ شَيْخُ الإسْلامِ: يَعْنِي واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ظاهِرُ كَلامِ أحْمَدَ الكَراهَةُ، قُلْتُ: والمُخْتارُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الجَوْزِيِّ وأبُو حُسَيْنٍ القاضِي. ومَن وافَقَهُما انْتَهى كَلامُ السَّفارِينِيِّ.
وأبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ المالِكِيُّ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى ما يَسْتَحِقُّ أعْظَمَ الفِرْيَةَ فَزَعَمَ أنَّ الحُسَيْنَ قُتِلَ بِسَيْفِ جَدِّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولَهُ مِنَ الجَهَلَةِ مُوافِقُونَ عَلى ذَلِكَ ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِن أفْواهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا﴾ .
قالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ في كِتابِهِ السِّرِّ المَصُونِ: مِنَ الِاعْتِقاداتِ العامَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلى جَماعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلى السُّنَّةِ أنْ يَقُولُوا: إنَّ يَزِيدَ كانَ عَلى الصَّوابِ وإنَّ الحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أخْطَأ في الخُرُوجِ عَلَيْهِ ولَوْ نَظَرُوا في السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ البَيْعَةُ وألْزَمَ النّاسَ بِها ولَقَدْ فَعَلَ في ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنا صِحَّةَ عَقْدِ البَيْعَةِ فَقَدْ بَدَتْ مِنهُ بِوادٍ كُلُّها تُوجِبُ فَسْخَ العَقْدِ ولا يَمِيلُ إلى ذَلِكَ إلّا كُلُّ جاهِلٍ عامِّيِّ المَذْهَبِ يَظُنُّ أنَّهُ يَغِيظُ بِذَلِكَ الرّافِضَةَ. هَذا ويُعْلَمُ مِن جَمِيعِ ما ذَكَرَهُ اخْتِلافُ النّاسِ في أمْرِهِ، فَمِنهم مَن يَقُولُ: هو مُسْلِمٌ عاصٍ بِما صَدَرَ مِنهُ مَعَ العِتْرَةِ الطّاهِرَةِ لَكِنْ لا يَجُوزُ لَعْنُهُ، ومِنهم مَن يَقُولُ: هو كَذَلِكَ ويَجُوزُ لَعْنُهُ مَعَ الكَراهَةِ أوْ بِدُونِها ومِنهم مَن يَقُولُ: هو كافِرٌ مَلْعُونٌ، ومِنهم مَن يَقُولُ: إنَّهُ لَمْ يَعْصِ بِذَلِكَ ولا يَجُوزُ لَعْنُهُ وقائِلُ هَذا يَنْبَغِي أنْ يُنَظَّمَ في سِلْسِلَةِ أنْصارِ يَزِيدَ وأنا أقُولُ: الَّذِي يَغْلِبُ عَلى ظَنِّي أنَّ الخَبِيثَ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقًا بِرِسالَةِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وأنَّ مَجْمُوعَ ما فَعَلَ مَعَ أهْلِ حَرَمِ اللَّهِ تَعالى وأهْلِ حَرَمِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وعِتْرَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرِينِ في الحَياةِ وبَعْدَ المَماتِ وما صَدَرَ مِنهُ مِنَ المَخازِي لَيْسَ بِأضْعَفِ دَلالَةٍ عَلى عَدَمِ تَصْدِيقِهِ مِن إلْقاءِ ورَقَةٍ مِنَ المُصْحَفِ الشَّرِيفِ في قَذِرٍ، ولا أظُنُّ أنَّ أمْرَهُ كانَ خافِيًا عَلى أجِلَّةِ المُسْلِمِينَ إذْ ذاكَ ولَكِنْ كانُوا مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ لَمْ يَسَعْهم إلّا الصَّبْرُ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أمْرًا كانَ مَفْعُولًا، ولَوْ سُلِّمَ أنَّ الخَبِيثَ كانَ مُسْلِمًا فَهو مُسْلِمٌ جَمَعَ مِنَ الكَبائِرِ ما لا يُحِيطُ بِهِ نِطاقُ البَيانِ، وأنا أذْهَبُ إلى جَوازِ لَعْنِ مِثْلِهِ عَلى التَّعْيِينِ ولَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ أنْ يَكُونَ لَهُ مَثَلٌ مِنَ الفاسِقِينَ، والظّاهِرُ أنَّهُ لَمْ يَتُبْ، واحْتِمالُ تَوْبَتِهِ أضْعَفُ مِن إيمانِهِ، ويَلْحَقُ بِهِ ابْنُ زِيادٍ وابْنُ سَعْدٍ وجَماعَةٌ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ، وعَلى أنْصارِهِمْ وأعْوانِهِمْ وشِيعَتِهِمْ ومَن مالَ إلَيْهِمْ إلى يَوْمِ الدِّينِ ما دَمَعَتْ عَيْنٌ عَلى أبِي عَبْدِ اللَّهِ الحُسَيْنِ، ويُعْجِبُنِي قَوْلُ شاعِرِ العَصْرِ ذُو الفَضْلِ الجَلِيِّ عَبْدِ الباقِي أفَنْدِي العُمَرِيِّ المُوصِلِ وقَدْ سُئِلَ عَنْ لَعْنِ يَزِيدَ اللَّعِينِ:
؎يَزِيدُ عَلى لَعْنِي عَرِيضٌ جَنابُهُ ∗∗∗ فَأغْدُو بِهِ طُولَ المَدى ألْعَنُ اللَّعْنا
ومَن كانَ يَخْشى القالَ والقِيلَ مِنَ التَّصْرِيحِ بِلَعْنِ ذَلِكَ الضِّلِّيلِ فَلْيَقُلْ: لَعَنَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ مَن رَضِيَ بِقَتْلِ (p-74)الحُسَيْنِ ومَن آذى عِتْرَةَ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِغَيْرِ حَقٍّ ومَن غَصَبَهم حَقَّهم فَإنَّهُ يَكُونُ لاعِنًا لَهُ لِدُخُولِهِ تَحْتَ العُمُومِ دُخُولًا أوَّلِيًّا في نَفْسِ الأمْرِ، ولا يُخالِفُ أحَدٌ في جَوازِ اللَّعْنِ بِهَذِهِ الألْفاظِ ونَحْوِها سِوى ابْنِ العَرَبِيِّ المارِّ ذِكْرُهُ ومُوافَقِيهِ فَإنَّهم عَلى ظاهِرِ ما نُقِلَ عَنْهم لا يُجَوِّزُونَ لَعْنَ مَن رَضِيَ بِقَتْلِ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وذَلِكَ لَعَمْرِي هو الضَّلالُ البَعِيدُ الَّذِي يَكادُ يَزِيدُ عَلى ضَلالِ يَزِيدَ
{"ayah":"أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰۤ أَبۡصَـٰرَهُمۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











