الباحث القرآني
﴿قُلْ﴾ تَوْبِيخًا لَهم وتَبْكِيتًا ﴿أرَأيْتُمْ﴾ أخْبِرُونِي وقُرِئَ (أرَأيْتَكُمْ) ﴿ما تَدْعُونَ﴾ ما تَعْبُدُونَ ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مِنَ الأصْنامِ أوْ جَمِيعِ المَعْبُوداتِ الباطِلَةِ ولَعَلَّهُ الأظْهَرُ، والمَوْصُولُ مَفْعُولٌ أوَّلُ- لِأرَأيْتُمْ- وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرُونِي﴾ تَأْكِيدٌ لَهُ فَإنَّهُ بِمَعْنى أخْبِرُونِي أيْضًا، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ماذا خَلَقُوا﴾ جُوِّزَ فِيهِ أنْ تَكُونَ (ما) اسْمُ اسْتِفْهامٍ مَفْعُولًا مُقَدَّمًا- لِخَلَقُوا- وذا زائِدَةً وأنْ تَكُونَ ماذا اسْمًا واحِدًا مَفْعُولًا مُقَدَّمًا أيْ أيَّ شَيْءٍ خَلَقُوا وأنْ تَكُونَ اسْمَ اسْتِفْهامٍ مُبْتَدَأً أوْ خَبَرًا مُقَدَّمًا وذا اسْمَ مَوْصُولٍ خَبَرًا أوْ مُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا وجُمْلَةُ ( خَلَقُوا ) صِلَةُ المَوْصُولِ أيْ ما الَّذِي خَلَقُوهُ، وعَلى الأوَّلَيْنِ جُمْلَةُ ( خَلَقُوا ) مَفْعُولٌ ثانٍ- لِأرَأيْتُمْ- وعَلى ما بَعْدَهُما جُمْلَةُ (ماذا خَلَقُوا) وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الكَلامُ مِن بابِ الإعْمالِ وقَدْ أُعْمِلَ الثّانِي وحُذِفَ مَفْعُولُ الأوَّلِ واخْتارَهُ أبُو حَيّانَ، وقِيلَ: يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ( أرُونِي ) بَدَلَ اشْتِمالٍ مِن ( أرَأيْتُمْ ) وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: يَحْتَمِلُ ( أرَأيْتُمْ ) وجْهَيْنِ: كَوْنُها مُتَعَدِّيَةً وما مَفْعُولًا لَها. وكَوْنُها مُنَبِّهَةً لا تَتَعَدّى وما اسْتِفْهامِيَّةٌ عَلى مَعْنى التَّوْبِيخِ، وهَذا الثّانِي قالَهُ الأخْفَشُ في ﴿أرَأيْتَ إذْ أوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ﴾ .
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِنَ الأرْضِ﴾ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ في ﴿ماذا خَلَقُوا﴾ قِيلَ: والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ مِن أجْزاءِ الأرْضِ وبُقَعِها، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المُرادُ ما عَلى وجْهِها مِن حَيَوانٍ وغَيْرِهِ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ يُؤَدِّي ذَلِكَ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالأرْضِ السُّفْلِيّاتِ مُطْلَقًا ولَعَلَّهُ أوْلى ﴿أمْ لَهم شِرْكٌ﴾ أيْ شِرْكَةٌ مَعَ اللَّهِ سُبْحانَهُ ﴿فِي السَّماواتِ﴾ أيْ في خَلْقِها، ولَعَلَّ الأوْلى فِيها أيْضًا أنْ تُفَسَّرَ بِالعُلْوِيّاتِ. ( وأمْ ) جُوِّزَ أنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً وأنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً، والمُرادُ نَفْيُ اسْتِحْقاقِ آلِهَتِهِمْ لِلْمَعْبُودِيَّةِ عَلى أتَمِّ وجْهٍ، فَقَدْ نَفى أوَّلًا مَدْخَلِيَّتَها في خَلْقِ شَيْءٍ مِن أجْزاءِ العالَمِ السُّفْلِيِّ حَقِيقَةً واسْتِقْلالًا، وثانِيًا مَدْخَلِيَّتَها عَلى سَبِيلِ الشِّرْكَةِ في خَلْقِ شَيْءٍ مِن أجْزاءِ العالَمِ العُلْوِيِّ، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّ نَفْيَ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ اسْتِحْقاقِ المَعْبُودِيَّةِ، وتَخْصِيصُ الشِّرْكَةِ في النَّظْمِ الجَلِيلِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فِي السَّماواتِ﴾ مَعَ أنَّهُ لا شِرْكَةَ فِيها وفي الأرْضِ أيْضًا لِأنَّ القَصْدَ إلْزامُهم بِما هو مُسَلَّمٌ لَهم ظاهِرٌ لِكُلِّ أحَدٍ والشَّرِكَةُ في الحَوادِثِ السُّفْلِيَّةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِتَمَلُّكِهِمْ وإيجادِهِمْ لِبَعْضِها بِحَسَبِ الصُّورَةِ الظّاهِرَةِ. وقِيلَ: الأظْهَرُ أنْ تُجْعَلَ الآيَةُ مِن حَذْفِ مُعادِلِ ( أمِ ) المُتَّصِلَةِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ والتَّقْدِيرُ ألْهُمَ شِرْكٌ في الأرْضِ أمْ لَهم شِرْكٌ في السَّماواتِ وهو كَما تَرى، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ﴾ إلى آخِرِهِ تَبْكِيتٌ لَهم بِتَعْجِيزِهِمْ عَنِ الإتْيانِ بِسَنَدٍ نَقْلِيٍّ بَعْدَ تَبْكِيتِهِمْ بِالتَّعْجِيزِ عَنِ الإتْيانِ بِسَنَدٍ عَقْلِيٍّ فَهو مِن جُمْلَةِ القَوْلِ أيِ ائْتُونِي بِكِتابٍ إلَهِيٍّ كائِنٍ ﴿مِن قَبْلِ﴾ هَذا الكِتابِ أيِ القُرْآنُ النّاطِقُ بِالتَّوْحِيدِ وإبْطالِ الشِّرْكِ دالٌّ عَلى صِحَّةِ دِينِكم ﴿أوْ أثارَةٍ مِن عِلْمٍ﴾ أيْ بَقِيَّةٍ مِن عِلْمٍ بَقِيَتْ عَلَيْكم مِن عُلُومِ الأوَّلِينَ شاهِدَةً بِاسْتِحْقاقِهِمُ العِبادَةَ، فالأثارَةُ مَصْدَرٌ كالضَّلالَةِ بِمَعْنى البَقِيَّةِ مِن قَوْلِهِمْ: سَمِنَتِ النّاقَةُ عَلى أثارَةٍ مِن لَحْمٍ أيْ بَقِيَّةٍ مِنهُ. وقالَ القُرْطُبِيُّ: هي بِمَعْنى الإسْنادِ والرِّوايَةِ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎إنَّ الَّذِي فِيهِ تَمارَيْتُما بَيِّنٌ لِلسّامِعِ والآثِرِ
وقالَ أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وقَتادَةُ: المَعْنى أوْ خاصَّةٌ مِن عِلْمٍ فاشْتِقاقُها مِنَ الأثَرَةِ فَكَأنَّها قَدْ آثَرَ اللَّهُ تَعالى بِها مَن هي عِنْدَهُ، وقِيلَ: هي العَلامَةُ. وأخْرَجَ أحْمَدُ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والطَّبَرانِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طَرِيقِ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿أوْ أثارَةٍ مِن عِلْمٍ﴾ قالَ: الخَطُّ، ورُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا مَوْقُوفًا عَلى ابْنِ عَبّاسٍ، وفُسِّرَ بِعِلْمِ الرَّمْلِ كَما في حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا (p-6)«(كانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ يَخُطُّ فَمَن صادَفَ مِثْلَ خَطِّهِ عَلِمَ)».
وفِي رِوايَةٍ عَنِ الحَبْرِ أنَّهُ قالَ: ﴿أوْ أثارَةٍ مِن عِلْمٍ﴾ خَطٌّ كانَ يَخُطُّهُ العَرَبُ في الأرْضِ، وهَذا ظاهِرٌ في تَقْوِيَةِ أمْرِ عِلْمِ الرَّمْلِ وأنَّهُ شَيْءٌ لَهُ وجْهٌ ويُرْشِدُ إلى بَعْضِ الأُمُورِ، وفي ذَلِكَ كَلامٌ يُطْلَبُ مِن مَحَلِّهِ. وفي البَحْرِ قِيلَ: إنْ صَحَّ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبّاسٍ الأثارَةَ بِالخَطِّ عَلى التُّرابِ كانَ ذَلِكَ مِن بابِ التَّهَكُّمِ بِهِمْ وبِأقْوالِهِمْ ودَلائِلِهِمْ، والتَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ ( ومِن عِلْمٍ ) صِفَةٌ أيْ أوِ ائْتُونِي بِأثارَةٍ قَلِيلَةٍ كائِنَةٍ مِن عِلْمٍ ﴿إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دَعْواكم فَإنَّها لا تَكادُ تَصِحُّ ما لَمْ يَقُمْ عَلَيْها بُرْهانٌ عَقْلِيٌّ أوْ دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ وحَيْثُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْها شَيْءٌ مِنهُما وقَدْ قاما عَلى خِلافِها تَبَيَّنَ بُطْلانُها، وقُرِئَ (إثارَةٍ) بِكَسْرِ الهَمْزِ وفُسِّرَتْ بِالمُناظَرَةِ فَإنَّها تُثِيرُ المَعانِي، قِيلَ: وذَلِكَ مِن بابِ الِاسْتِعارَةِ عَلى تَشْبِيهِ ما يُبْرَزُ ويَتَحَقَّقُ بِالمُناظَرَةِ بِما يَثُورُ مِنَ الغُبارِ الثّائِرِ مِن حَرَكاتِ الفُرْسانِ. وقَرَأ عَلِيٌّ وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم بِخِلافٍ عَنْهُما. وزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وعِكْرِمَةُ وقَتادَةُ والحَسَنُ والسُّلَمِيُّ والأعْمَشُ وعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ (أثَرَةٍ) بِغَيْرِ ألِفٍ وهي واحِدَةُ جَمْعُها أُثُرٌ كَقَتَرَةٍ وقُتُرٍ، وعَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ والسُّلَمِيُّ وقَتادَةُ أيْضًا بِإسْكانِ الثّاءِ وهي الفِعْلَةُ الواحِدَةُ مِمّا يُؤْثَرُ أيْ قَدْ قَنِعَتْ مِنكم بِخَبَرٍ واحِدٍ أوْ أثَرٍ واحِدٍ يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِكم وعَنِ الكِسائِيِّ ضَمُّ الهَمْزَةِ وإسْكانُ الثّاءِ فَهي اسْمٌ لِلْمِقْدارِ كالغَرْفَةِ لِما يُغْرَفُ بِاليَدِ أيِ ائْتُونِي بِشَيْءٍ ما يُؤْثَرُ مِن عِلْمٍ، ورُوِيَ عَنْهُ أيْضًا أنَّهُ قَرَأ (إثْرَةٍ) بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ الثّاءِ وهي بِمَعْنى الأثَرَةِ بِفَتْحَتَيْنِ
{"ayah":"قُلۡ أَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِی مَاذَا خَلَقُوا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكࣱ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِۖ ٱئۡتُونِی بِكِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ هَـٰذَاۤ أَوۡ أَثَـٰرَةࣲ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











