الباحث القرآني

سُورَةُ الأحْقافِ أخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ الزُّبَيْرِ أنَّها نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَأطْلَقَ غَيْرُ واحِدٍ القَوْلَ بِمَكِّيَّتِها مِن غَيْرِ اسْتِثْناءٍ، واسْتَثْنى بَعْضُهم قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ الآيَةَ، فَقَدْ أخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مالِكٍ الأشْجَعِيِّ أنَّها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ في قِصَّةِ إسْلامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. وفِي الدُّرِّ المَنثُورِ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ «عَنْ سَعْدِ بْنِ أبِي وقاصٍّ أنَّهُ قالَ: ما سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِأحَدٍ يَمْشِي عَلى وجْهِ الأرْضِ: إنَّهُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ إلّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ وفِيهِ نَزَلَتْ ﴿وشَهِدَ شاهِدٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ﴾» وفي نُزُولِها فِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أخْبارٌ كَثِيرَةٌ، وظاهِرُ ذَلِكَ أنَّها مَدَنِيَّةٌ لِأنَّ إسْلامَهُ فِيها بَلْ في الأخْبارِ ما يَدُلُّ عَلى مَدَنِيَّتِها مِن وجْهٍ آخَرَ، وعِكْرِمَةُ يُنْكِرُ نُزُولَها فِيهِ ويَقُولُ: هي مَكِّيَّةٌ كَما أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْهُ وكَذا مَسْرُوقٌ، فَقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْهُ أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: واللَّهِ ما نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ ما نَزَلَتْ إلّا بِمَكَّةَ وإنَّما كانَ إسْلامُ ابْنِ سَلامٍ بِالمَدِينَةِ وإنَّما كانَتْ خُصُومَةً خاصَمَ بِها مُحَمَّدٌ ﷺ، واسْتَثْنى بَعْضُهم ﴿والَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ﴾ الآيَتَيْنِ، «وزَعَمَ مَرْوانُ (p-4)مِن لَعْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أباهُ وهو في صُلْبِهِ أنَّهُما نَزَلَتا في عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما فَكَذَّبَتْهُ عائِشَةُ وقالَتْ: كَذَبَ مَرْوانُ مَرَّتَيْنِ واللَّهِ ما هو بِهِ ولَوْ شِئْتُ أنْ أُسَمِّيَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ لَسَمَّيْتُهُ ولَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ أبا مَرْوانَ ومَرْوانُ في صُلْبِهِ فَمَرْوانُ فَضَضٌ أيْ قِطْعَةٌ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ تَعالى، وفي رِوايَةٍ أنَّها قالَتْ: إنَّما نَزَلَتْ في فُلانِ بْنِ فُلانٍ وسَمَّتْ رَجُلًا آخَرَ،» واسْتَثْنى آخَرُ ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ﴾ الآياتِ الأرْبَعَ كَما حَكاهُ في جَمالِ القُرّاءِ، وحَكى أيْضًا اسْتِثْناءَ ﴿فاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو العَزْمِ﴾ الآيَةَ ونَقَلَهُ في البَحْرِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ، وكَذا نُقِلَ فِيهِ عَنْهُما اسْتِثْناءُ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ﴾ إلَخْ، وتَمامُ الكَلامِ في ذَلِكَ سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. وآيُها خَمْسٌ وثَلاثُونَ في الكُوفِيِّ وأرْبَعٌ وثَلاثُونَ في غَيْرِهِ والِاخْتِلافُ في (حم) وتُسَمّى لِمُجاوَزَتِها الثَّلاثِينَ ثَلاثِينَ. أخْرَجَ أحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أقْرَأنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سُورَةً مِن آلِ حم وهي الأحْقافُ وكانَتِ السُّورَةُ إذا كانَتْ أكْثَرَ مِن ثَلاثِينَ آيَةً سُمِّيَتْ ثَلاثِينَ، ورُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأها عَلى وجْهَيْنِ». أخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: أقْرَأنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُورَةَ الأحْقافِ فَسَمِعْتُ رَجُلًا يَقْرَؤُها خِلافَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَن أقْرَأكَها؟ قالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: واللَّهِ لَقَدْ أقْرَأنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ غَيْرَ ذا فَأتَيْنا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ألَمْ تُقْرِئْنِي كَذا وكَذا؟ قالَ: بَلى فَقالَ الآخَرُ: ألَمْ تُقْرِئْنِي كَذا وكَذا؟ قالَ: بَلى فَتَمَعَّرَ وجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقالَ: (لِيَقْرَأْ كُلُّ واحِدٍ مِنكُما ما سَمِعَ فَإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكم بِالِاخْتِلافِ)» . وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ ما تَواتَرَ هو القُرْآنُ. ووَجْهُ اتِّصالِها أنَّهُ تَعالى لَمّا خَتَمَ السُّورَةَ الَّتِي قَبْلَها بِذِكْرِ التَّوْحِيدِ وذَمِّ أهْلِ الشِّرْكِ والوَعِيدِ افْتَتَحَ هَذِهِ بِالتَّوْحِيدِ ثُمَّ بِالتَّوْبِيخِ لِأهْلِ الكُفْرِ مِنَ العَبِيدِ فَقالَ عَزَّ وجَلَّ): ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ﴿حم﴾ ﴿تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ الكَلامُ فِيهِ كالَّذِي تَقَدَّمَ في مَطْلَعِ السُّورَةِ السّابِقَةِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب