الباحث القرآني
﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا﴾ نَزَلَتْ كَما أخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ عَنْ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ (p-17)إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ﴾ .
( وإحْسانًا ) قِيلَ: مَفْعُولٌ ثانٍ لَوَصَّيْنا عَلى تَضْمِينِهِ مَعْنى ألْزَمْنا، وقِيلَ: مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِ عَلى تَضْمِينِ ( وصَّيْنا ) مَعْنى أحْسَنّا أيْ أحْسَنّا بِالوَصِيَّةِ لِلْإنْسانِ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا، وقِيلَ: صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ إيصاءً ذا إحْسانٍ، وقِيلَ: مَفْعُولٌ لَهُ أيْ وصَّيْناهُ بِهِما لِإحْسانِنا إلَيْهِما، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إنَّهُ مَنصُوبٌ عَلى المَصْدَرِ الصَّرِيحِ ( وبِوالِدَيْهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِوَصَّيْنا، أوْ بِهِ وكَأنَّهُ عَنى يُحْسِنُ إحْسانًا وهو حَسَنٌ، لَكِنْ تَعَقَّبَ أبُو حَيّانَ تَجْوِيزَهُ تَعَلُّقَ الجارِّ بِإحْسانًا بِأنَّهُ لا يَصِحُّ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ مُقَدَّرٌ بِحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ والفِعْلِ فَلا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ عَلَيْهِ ولِأنَّ أحْسَنَ لا يَتَعَدّى بِالباءِ وإنَّما يَتَعَدّى بِاللّامِ تَقُولُ: أحْسَنْتُ لِزَيْدٍ ولا تَقُولُ: أحْسَنْتُ بِزَيْدٍ عَلى مَعْنى أنَّ الإحْسانَ يَصِلُ إلَيْهِ، وفِيهِ أنّا لا نُسَلِّمُ أنَّ المُقَدَّرَ بِشَيْءٍ يُشارِكُ ما قُدِّرَ بِهِ في جَمِيعِ الأحْكامِ لِجَوازِ أنْ يَكُونَ بَعْضُ أحْكامِهِ مُخْتَصًّا بِصَرِيحِ لَفْظِهِ مَعَ أنَّ الظَّرْفَ يَكْفِيهِ رائِحَةُ الفِعْلِ ولِذا يَعْمَلُ الِاسْمُ الجامِدُ فِيهِ بِاعْتِبارِ لَمْحِ المَعْنى المَصْدَرِيِّ، وقالَ قالُوا: إنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ ما لا يَتَصَرَّفُ في غَيْرِهِ لِاحْتِياجِ مُعْظَمِ الأشْياءِ إلَيْهِ.
والجارُّ والمَجْرُورُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، وقَدْ كَثُرَ ما ظاهِرُهُ التَّعَلُّقُ بِالمَصْدَرِ المُتَأخِّرِ نَكِرَةً كَـ ﴿”ولا تَأْخُذْكم بِهِما رَأْفَةٌ“﴾ ومَعْرِفَةً نَحْوَ ﴿فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ وتَأْوِيلُ كُلِّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ، وأيْضًا قَوْلُهُ: لِأنَّ أحْسَنَ لا يَتَعَدّى بِالباءِ إلَخْ فِيهِ مَنعٌ ظاهِرٌ، وقَدَّرَ بَعْضُهُمُ الفِعْلَ قَبْلَ الجارِّ فَقالَ: وصَّيْنا الإنْسانَ بِأنْ يُحْسِنَ بِوالِدَيْهِ إحْسانًا، ولَعَلَّ التَّنْوِينَ لِلتَّفْخِيمِ أيْ إحْسانًا عَظِيمًا، والإيصاءُ والوَصِيَّةُ التَّقَدُّمُ إلى الغَيْرِ بِما يَعْمَلُ بِهِ مُقْتَرِنًا بِوَعْظٍ مِن قَوْلِهِمْ: أرْضٌ واصِيَةٌ مُتَّصِلَةُ النَّباتِ، فَفي الآيَةِ إشْعارٌ بِأنَّ الإحْسانَ بِهِما أمْرٌ مُعْتَنًى بِهِ، وقَدْ عُدَّ في الحَدِيثِ ثانِي أفْضَلِ الأعْمالِ وهو الصَّلاةُ لِأوَّلِ وقْتِها، وعُدَّ عُقُوقُهُما ثانِي أكْبَرِ الكَبائِرِ وهو الإشْراكُ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، والأحادِيثُ في التَّرْغِيبِ في الأوَّلِ والتَّرْهِيبِ عَنِ الثّانِي كَثِيرَةٌ جِدًّا، وفي الآياتِ ما فِيهِ كِفايَةٌ لِمَن ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (حُسْنًا) بِضَمِّ الحاءِ وإسْكانِ السِّينِ أيْ فِعْلًا ذا حُسْنٍ أوْ كَأنَّهُ في ذاتِهِ نَفْسُ الحُسْنِ لِفَرْطِ حُسْنِهِ، وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ فِيهِ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى ( إحْسانًا ) فالأقْوالُ السّابِقَةُ تَجْرِي فِيهِ. وقَرَأ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ. والسُّلَمِيُّ. وعِيسى (حَسَنًا) بِفَتْحِ الحاءِ والسِّينِ، وعَنْ عِيسى (حُسُنًا) بِضَمِّهِما.
﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا ووَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ أيْ ذاتَ كُرْهٍ أوْ حَمْلًا ذا كُرْهٍ وهو المَشَقَّةُ كَما قالَ مُجاهِدٌ والحَسَنُ وقَتادَةُ، ولَيْسَ الكُرْهُ في أوَّلِ عُلُوقِها بَلْ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ تَجِدُ لَهُ ثِقَلًا. وقَرَأ شَيْبَةُ وأبُو جَعْفَرٍ والحَرَمِيّانِ (كَرْهًا) بِفَتْحِ الكافِ وهُما لُغَتانِ بِمَعْنًى واحِدٍ كالفَقْرِ والفُقْرِ والضَّعْفِ والضُّعْفِ، وقِيلَ: المَضْمُومُ اسْمٌ والمَفْتُوحُ مَصْدَرٌ.
وقالَ الرّاغِبُ: قِيلَ الكَرْهُ أيْ بِالفَتْحِ المَشَقَّةُ الَّتِي تَنالُ الإنْسانَ مِن خارِجٍ مِمّا يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِإكْراهٍ والكُرْهُ ما يَنالُهُ مِن ذاتِهِ وهو ما يَعافُّهُ مِن حَيْثُ الطَّبْعُ أوْ مِن حَيْثُ العَقْلُ أوِ الشَّرْعُ. وطَعَنَ أبُو حاتِمٍ في هَذِهِ القِراءَةِ فَقالَ: لا تَحْسُنُ هَذِهِ القِراءَةُ لِأنَّ الكَرْهَ بِالفَتْحِ الغَصْبُ والغَلَبَةُ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّها في السَّبْعَةِ المُتَواتِرَةِ فَلا مَعْنى لِلطَّعْنِ فِيها، وقَدْ كانَ هَذا الرَّجُلُ يَطْعَنُ في بَعْضِ القِراءاتِ بِما لا عِلْمَ لَهُ بِهِ جَسارَةً مِنهُ عَفا اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ﴾ أيْ مُدَّةُ حَمْلِهِ وفِصالِهِ، وبِتَقْدِيرِ هَذا المُضافِ يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ عَلى المُبْتَدَأِ مِن غَيْرِ كُرْهٍ.
والفِصالُ الفِطامُ وهو مَصْدَرٌ فاصِلٌ فَكَأنَّ الوَلَدَ فاصِلُ أُمِّهِ وأُمَّهُ فاصِلَتُهُ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ والحَسَنُ وقَتادَةُ (p-18)ويَعْقُوبُ والجَحْدَرِيُّ (وفَصْلُهُ) أيْ فَطْمُهُ فالفَصْلُ والفِصالُ كالفَطْمِ والفِطامِ بِناءً ومَعْنًى وقِيلَ: الفِصالُ بِمَعْنى وقْتِ الفَصْلِ أيِ الفَطْمِ فَهو مَعْطُوفٌ عَلى مُدَّةِ الحَمْلِ، والمُرادُ بِالفِصالِ الرِّضاعُ التّامُّ المُنْتَهِي بِالفِطامِ ولِذَلِكَ عَبَّرَ بِالفِصالِ عَنْهُ أوْ عَنْ وقْتِهِ دُونَ الرِّضاعِ المُطْلَقِ فَإنَّهُ لا يُفِيدُ ذَلِكَ، وفي الوَصْفِ تَطْوِيلٌ، والآيَةُ بَيانٌ لِما تُكابِدُهُ الأُمُّ وتُقاسِيهِ في تَرْبِيَةِ الوَلَدِ مُبالَغَةً في التَّوْصِيَةِ لَها، ولِذا اعْتَنى الشّارِعُ بِبِرِّها فَوْقَ الِاعْتِناءِ بِبَرِّ الأبِ، فَقَدْ رُوِيَ «(أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَن أبِرُّ؟ قالَ: أُمَّكُ قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: أُمَّكَ قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: أُمَّكَ قالَ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: أباكَ)».
وقَدْ أُشِيرَ في الآيَةِ إلى ما يَقْتَضِي البِرَّ بِها عَلى الخُصُوصِ في ثَلاثِ مَراتِبَ فَتَكُونُ الأوامِرُ في الخَبَرِ كالمَأْخُوذَةِ مِن ذَلِكَ. واسْتَدَلَّ بِها عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ وابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما وجَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ عَلى أنَّ أقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أشْهُرٍ لِما أنَّهُ إذا حَطَّ عَنِ الثَّلاثِينَ لِلْفِصالِ حَوْلانِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ يَبْقى لِلْحَمْلِ ذَلِكَ وبِهِ قالَ الأطِبّاءُ، قالَ جالِينُوسُ: كُنْتُ شَدِيدَ الفَحْصِ عَنْ مِقْدارِ زَمَنِ الحَمْلِ فَرَأيْتُ امْرَأةً ولَدَتْ لِمِائَةٍ وأرْبَعٍ وثَمانِينَ لَيْلَةً. وادَّعى ابْنُ سِينا أنَّهُ شاهَدَ ذَلِكَ.
وأمّا أكْثَرُ مُدَّةِ الحَمْلِ فَلَيْسَ في القُرْآنِ العَظِيمِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ وقالَ ابْنُ سِينا في الشِّفاءِ: بَلَغَنِي مِن جِهَةِ مَن أثِقُ بِهِ كُلَّ الثِّقَةِ أنَّ امْرَأةً وضَعَتْ بَعْدَ الرّابِعِ مِن سِنَّيِ الحَمْلِ ولَدًا نَبَتَتْ أسْنانُهُ، وحُكِيَ عَنْ أرِسْطُو أنَّهُ قالَ: أزْمِنَةُ الحَمْلِ لِكُلِّ حَيَوانٍ مَضْبُوطَةٌ سِوى الإنْسانِ فَرُبَّما وضَعَتِ المَرْأةُ لِسَبْعَةِ أشْهُرٍ ورُبَّما وضَعَتْ لِثَمانِيَةٍ وقَلَّما يَعِيشُ الوَلَدُ في الثّامِنِ إلّا في بِلادٍ مُعَيَّنَةٍ مِثْلَ مِصْرَ، ولَعَلَّ تَخْصِيصَ أقَلِّ الحَمْلِ وأكْثَرِ الرِّضاعِ بِالبَيانِ في القُرْآنِ الكَرِيمِ بِطَرِيقِ الصَّراحَةِ والدَّلالَةِ دُونَ أكْثَرِ الحَمْلِ وأقَلِّ الرِّضاعِ وأوْسَطِهِما لِانْضِباطِهِما بِعَدَمِ النَّقْصِ والزِّيادَةِ بِخِلافِ ما ذُكِرَ، وتَحَقَّقُ ارْتِباطِ حُكْمِ النَّسَبِ بِأقَلِّ مُدَّةِ الحَمْلِ حَتّى لَوْ وضَعَتْهُ فِيما دُونَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنهُ وبَعْدَهُ يَثْبُتُ وتَبْرَأُ مِنَ الزِّنا، ولَوْ أرْضَعَتْ مُرْضِعَةً بَعْدَ حَوْلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ أحْكامُ الرِّضاعِ في التَّناكُحِ وغَيْرِهِ وفي هَذا خِلافٌ لا يُعْبَأُ بِهِ ﴿حَتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ غايَةٌ لِمُقَدَّرٍ أيْ فَعاشَ أوِ اسْتَمَرَّتْ حَياتُهُ حَتّى إذا اكْتَهَلَ واسْتَحْكَمَ قُوَّتُهُ وعَقْلُهُ ﴿وبَلَغَ أرْبَعِينَ سَنَةً﴾ الظّاهِرُ أنَّهُ غَيْرُ بُلُوغِ الأشُدِّ، وقالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ بُلُوغُ الأشُدِّ والعَطْفُ لِلتَّأْكِيدِ.
وقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّ الإنْسانَ إذا بَلَغَ هَذا القَدْرَ يَتَقَوّى جِدًّا خُلُقُهُ الَّذِي هو عَلَيْهِ فَلا يَكادُ يُزايِلُهُ بَعْدُ، وفي الحَدِيثِ «(إنَّ الشَّيْطانَ يَجُرُّ يَدَهُ عَلى وجْهِ مَن زادَ عَلى الأرْبَعِينَ ولَمْ يَتُبْ ويَقُولُ بِأبِي وجْهٌ لا يَفْلَحُ)» وأخْرَجَ أبُو الفَتْحِ الأزْدِيُّ مِن طَرِيقِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحّاكِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا «(مَن أتى عَلَيْهِ الأرْبَعُونَ سَنَةً فَلَمْ يَغْلِبْ خَيْرُهُ شَرَّهُ فَلْيَتَجَهَّزْ إلى النّارِ)»
وعَلى ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎إذا المَرْءُ وافى الأرْبَعِينَ ولَمْ يَكُنْ لَهُ دُونَ ما يَهْوى حَياءٌ ولا سِتْرُ
؎فَدَعْهُ ولا تُنَفِّسْ عَلَيْهِ الَّذِي مَضى ∗∗∗ وإنْ جَرَّ أسْبابَ الحَياةِ لَهُ العُمْرُ
وقِيلَ: لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إلّا بَعْدَ الأرْبَعِينَ، وذَهَبَ الفَخْرُ إلى خِلافِهِ مُسْتَدِلًّا بِأنَّ عِيسى ويَحْيى عَلَيْهِما السَّلامُ أُرْسِلا صَبِيِّيْنِ لِظَواهِرِ ما حُكِيَ في الكِتابِ الجَلِيلِ عَنْهُما، وهو ظاهِرُ كَلامِ السَّعْدِ حَيْثُ قالَ: مِن شُرُوطِ النُّبُوَّةِ الذُّكُورَةُ وكَمالُ العَقْلِ والذَّكاءُ والفِطْنَةُ وقُوَّةُ الرَّأْيِ ولَوْ في الصِّبا كَعِيسى ويَحْيى عَلَيْهِما السَّلامُ إلى آخِرِ ما قالَ.
وذَهَبَ ابْنُ العَرَبِيِّ في آخَرِينَ إلى أنَّهُ يَجُوزُ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ بَعْثُ الصَّبِيِّ إلّا أنَّهُ لَمْ يَقَعْ وتَأوَّلُوا آيَتَيْ عِيسى ويَحْيى ﴿قالَ إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ .
﴿وآتَيْناهُ الحُكْمَ صَبِيًّا﴾ بِأنَّهُما إخْبارٌ عَمّا سَيَحْصُلُ لَهُما (p-19)لا عَمّا حَصَلَ بِالفِعْلِ، ومِثْلُهُ كَثِيرٌ في الآياتِ وغَيْرِها، والواقِعُ عِنْدَ هَؤُلاءِ البَعْثُ بَعْدَ البُلُوغِ. وحَكى اللَّقّانِيُّ عَنْ بَعْضِ اشْتِراطِهِ فِيهِ ويَتَرَجَّحُ عِنْدِي اشْتِراطُهُ فِيهِ دُونَ أصْلِ النُّبُوَّةِ لِما أنَّ النُّفُوسَ في الأغْلَبِ تَأْنَفُ عَنِ اتِّباعِ الصَّغِيرِ وإنْ كَبُرَ فَضْلًا كالرَّقِيقِ والأُنْثى، وصَرَّحَ جَمْعٌ بِأنَّ الأعَمَّ الأغْلَبَ كَوْنُ البَعْثَةِ عَلى رَأْسِ الأرْبَعِينَ كَما وقَعَ لِنَبِيِّنا صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ﴿قالَ رَبِّ أوْزِعْنِي﴾ أيْ رَغِّبْنِي ووَفِّقْنِي مِن أوْزَعْتُهُ بِكَذا أيْ جَعَلْتُهُ مُولَعًا بِهِ راغِبًا في تَحْصِيلِهِ. وقَرَأ البَزِّيُّ (أوْزِعْنِيَ) بِفَتْحِ الياءِ ﴿أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ﴾ أيْ نِعْمَةَ الدِّينِ أوْ ما يَعُمُّها وغَيْرَها، وذَلِكَ يُؤَيِّدُ ما رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ أحَدٌ أسْلَمَ هو وأبَواهُ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ سِواهُ كَذا قِيلَ، وإسْلامُ أبِيهِ بَعْدَ الفَتْحِ وحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أنْ تَكُونَ الآيَةُ مَدَنِيَّةً وإلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ، وقِيلَ: إنَّ هَذا الدُّعاءَ بِالنِّسْبَةِ إلى أبَوَيْهِ دُعاءٌ بِتَوْفِيقِهِما لِلْإيمانِ وهو كَما تَرى. واعْتُرِضَ عَلى التَّعْلِيلِ بِابْنِ عُمَرَ وأُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ وغَيْرِهِما، ونُقِلَ عَنِ الواحِدِيِّ أنَّهُ قَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وهو ابْنُ ثَمانِ عَشْرَةَ سَنَةً ورَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً في سَفَرٍ لِلشّامِ في التِّجارَةِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَمُرَةٍ وقالَ لَهُ الرّاهِبُ: إنَّهُ لَمْ يَسْتَظِلَّ بِها أحَدٌ بَعْدَ عِيسى غَيْرُهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَوَقَعَ في قَلْبِهِ تَصْدِيقُهُ فَلَمْ يَكُنْ يُفارِقُهُ في سِفْرٍ ولا حَضَرٍ فَلَمّا نُبِئَّ وهو ابْنُ أرْبَعِينَ آمَنَ بِهِ وهو ابْنُ ثَمانِيَةٍ وثَلاثِينَ فَلَمّا بَلَغَ الأرْبَعِينَ قالَ: ﴿رَبِّ أوْزِعْنِي﴾ إلَخْ ﴿وأنْ أعْمَلَ صالِحًا تَرْضاهُ﴾ التَّنْوِينُ لِلتَّفْخِيمِ والتَّكْثِيرِ، والمُرادُ بِكَوْنِهِ مُرْضِيًا لَهُ تَعالى مَعَ أنَّ الرِّضا عَلى ما عَلَيْهِ جُمْهُورُ أهْلِ الحَقِّ الإرادَةُ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِراضِ وكُلُّ عَمَلٍ صالِحٍ كَذَلِكَ أنْ يَكُونَ سالِمًا مِن غَوائِلِ عَدَمِ القَبُولِ كالرِّياءِ والعُجْبِ وغَيْرِهِما، فَحاصِلُهُ اجْعَلْ عَمَلِي عَلى وفْقِ رِضاكَ: وقِيلَ المُرادُ بِالرِّضا هُنا ثَمَرَتُهُ عَلى طَرِيقِ الكِنايَةِ ﴿وأصْلِحْ لِي في ذُرِّيَّتِي﴾ أيِ اجْعَلِ الصَّلاحَ سارِيًا في ذُرِّيَّتِي راسِخًا فِيهِمْ كَما في قَوْلِهِ:
؎فَإنْ تَعْتَذِرْ في المَحَلِّ مِن ذِي ضُرُوعِها ∗∗∗ لَدى المَحَلِّ يُجْرَحُ في عَراقِيبِها نَصْلِي
عَلى أنَّ ( أصْلِحْ ) نَزَلَ مَنزِلَةَ اللّازِمِ ثُمَّ عُدِّيَ بِفي لِيُفِيدَ ما أشَرْنا إلَيْهِ مِن سَرَيانِ الصَّلاحِ فِيهِمْ وكَوْنِهِمْ كالظَّرْفِ لَهُ لِتَمَكُّنِهِ فِيهِمْ وإلّا فَكانَ الظّاهِرُ وأصْلِحْ لِي ذُرِّيَّتِي، وقِيلَ: عُدِّيَ بِفي لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى اللُّطْفِ أيِ الطُفْ بِي في ذُرِّيَّتِي، والأوَّلُ أحْسَنُ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أجابَ اللَّهُ تَعالى دُعاءَ أبِي بَكْرٍ فَأعْتَقَ تِسْعَةً مِنَ المُؤْمِنِينَ مِنهم بِلالٌ وعامِرُ بْنُ فَهَيْرَةَ ولَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنَ الخَيْرِ إلّا أعانَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ، ودَعا أيْضًا فَقالَ ( أصْلِحْ لِي في ذُرِّيَّتِي ) فَأجابَهُ اللَّهُ تَعالى فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ولَدٌ إلّا آمَنُوا جَمِيعًا فاجْتَمَعَ لَهُ إسْلامُ أبَوَيْهِ وأوْلادِهِ جَمِيعًا، وقَدْ أدْرَكَ أبُوهُ ووَلَدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ووَلَدُهُ أبُو عَتِيقٍ النَّبِيَّ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وآمَنُوا بِهِ ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم أجْمَعِينَ ﴿إنِّي تُبْتُ إلَيْكَ﴾ عَمّا لا تَرْضاهُ أوْ يَشْغَلُ عَنْكَ ﴿وإنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ الَّذِينَ أخْلَصُوا أنْفُسَهم لَكَ
{"ayah":"وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰلِدَیۡهِ إِحۡسَـٰنًاۖ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ كُرۡهࣰا وَوَضَعَتۡهُ كُرۡهࣰاۖ وَحَمۡلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهۡرًاۚ حَتَّىٰۤ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرۡبَعِینَ سَنَةࣰ قَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِیۤ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِیۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ وَعَلَىٰ وَ ٰلِدَیَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَـٰلِحࣰا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِی فِی ذُرِّیَّتِیۤۖ إِنِّی تُبۡتُ إِلَیۡكَ وَإِنِّی مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











