الباحث القرآني
﴿ومِن قَبْلِهِ﴾ أيْ مِن قَبْلِ القُرْآنِ وهو خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿كِتابُ مُوسى﴾ قُدِّمَ لِلِاهْتِمامِ، وجَوَّزَ الطَّبَرْسِيُّ كَوْنَ ( كِتابُ ) مَعْطُوفًا عَلى ﴿شاهِدٌ﴾ والظَّرْفُ فاصِلٌ بَيْنَ العاطِفِ والمَعْطُوفِ، والمَعْنى وشَهِدَ كِتابُ مُوسى مِن قَبْلِهِ، وجُعِلَ ضَمِيرُ ( قَبْلِهِ ) لِلْقُرْآنِ أيْضًا ولَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إمامًا ورَحْمَةً﴾ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ في الخَبَرِ أوْ مِن ( كِتابُ ) عِنْدَ مَن جَوَّزَ الحالَ مِنَ المُبْتَدَأِ، وقِيلَ: حالٌ مِن مَحْذُوفٍ والعامِلُ كَذَلِكَ أيْ أنْزَلْناهُ إمامًا وهو كَما تَرى.
والمَعْنى وكائِنٌ مِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى يُقْتَدى بِهِ في دِينِ اللَّهِ تَعالى وشَرائِعِهِ كَما يُقْتَدى بِالإمامِ ورَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ لِمَن آمَنَ بِهِ وعَمِلَ بِمُوجِبِهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَذا﴾ أيِ القُرْآنُ الَّذِي يَقُولُونَ في شَأْنِهِ ما يَقُولُونَ ﴿كِتابُ﴾ مُبْتَدَأُ خَبَرٍ، وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿مُصَدِّقٌ﴾ نَعْتُ ( كِتابُ ) وهو مَصَبُّ الفائِدَةِ أيْ مُصَدِّقٌ لِكِتابِ مُوسى الَّذِي هو إمامٌ ورَحْمَةٌ أوْ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِن جَمِيعِ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ، وقَدْ قُرِئَ (مُصَدِّقٌ لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى الجُمْلَةِ قَبْلَها وهي حالِيَّةٌ أوْ مُسْتَأْنَفَةٌ، وأيًّا ما كانَ فالكَلامُ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ: ﴿هَذا إفْكٌ قَدِيمٌ﴾ وإبْطالٌ لَهُ، والمَعْنى كَيْفَ يَصِحُّ كَوْنُهُ إفْكًا قَدِيمًا وقَدْ سَلَّمُوا كِتابَ مُوسى والقُرْآنُ مُصَدِّقٌ لَهُ مُتَّحِدٌ مَعَهُ في المَعْنى أوْ لِجَمِيعِ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِسانًا عَرَبِيًّا﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ ( كِتابُ ) المُسْتَتِرِ في ( مُصَدِّقٌ ) أوْ مِنهُ نَفْسِهِ لِتَخْصِيصِهِ بِالصِّفَةِ، وعامِلُهُ عَلى الأوَّلِ ( مُصَدِّقٌ ) وعَلى الثّانِي ما في هَذا مِن مَعْنى الفِعْلِ، وفائِدَةُ هَذِهِ الحالِ مَعَ أنَّ عَرَبِيَّتَهُ أمْرٌ مَعْلُومٌ لِكُلِّ أحَدٍ الإشْعارُ بِالدَّلالَةِ عَلى أنَّ كَوْنَهُ مُصَدِّقًا كَما دَلَّ عَلى أنَّهُ حَقٌّ دَلَّ عَلى أنَّهُ وحْيٌ وتَوْقِيفٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
هَذا عَلى القَوْلِ بِأنَّ الكَلامَ مَعَ اليَهُودِ ظاهِرٌ، وأمّا عَلى القَوْلِ بِأنَّهُ مَعَ كُفّارِ مَكَّةَ فَلِأنَّهم قَدْ يُسَلِّمُونَ التَّوْراةَ ونَحْوَها مِنَ الكُتُبِ الإلَهِيَّةِ السّابِقَةِ وإنْ كانُوا أحْيانًا يُنْكِرُونَ إنْزالَ الكُتُبِ وإرْسالَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مُطْلَقًا. وفي الكَشْفِ وجْهُ تَقْدِيمِ الخَبَرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِن قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى﴾ أنَّ إرْسالَ الرُّسُلِ وإنْزالَ الكُتُبِ أمْرٌ مُسْتَمِرٌّ كائِنٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى فَمِن قَبْلِ إنْزالِ القُرْآنِ إمامًا ورَحْمَةً كانَ إنْزالُ التَّوْراةِ كَذَلِكَ، ولَيْسَ مِن تَقْدِيمِ الِاخْتِصاصِ بَلْ لِأنَّ العِنايَةَ والِاهْتِمامَ بِذِكْرِهِ، ولَمّا ألْزَمَ الكَفّارَ بِنُزُولِ مِثْلِهِ وشَهادَةِ أعْلَمِ بَنِي إسْرائِيلَ ذَكَرَ عَلى سَبِيلِ الِاعْتِراضِ مِن حالِ كِتابِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ما يُؤَكِّدُ كَوْنَهُ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى وأنَّ ما يُطابِقُهُ يَكُونُ مِن عِنْدِهِ سُبْحانَهُ لا مَحالَةَ وتُوِصِّلَ مِنهُ إلى أنَّ القُرْآنَ لَمّا كانَ مُصَدِّقَهُ بَلْ مُصَدِّقَ سائِرِ الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ وجَبَ أنْ يُؤْمَنَ بِهِ ويُتَلَقّى بِالقَبُولِ وهو بِالحَقِيقَةِ إعادَةٌ لِلدَّعْوى الأُولى عَلى وجْهٍ أخْصَرَ وأشْمَلَ إذْ دَلَّ فِيهِ عَلى أنَّ كَوْنَهُ مُصَدِّقًا كافٍ شَهِدَ شاهِدُ بَنِي إسْرائِيلَ أوْ لا، وإنْ قِيلَ: نَزَلُوا لِعِنادِهِمْ مَنزِلَةَ مَن لا يَعْرِفُ أنَّ كِتابَ مُوسى قَبْلَهُ إذْ لَوْ عَرَفُوا وقَدْ تَبَيَّنَ أنَّهُ مِثْلُهُ لَأذْعَنُوا فَقِيلَ: ( ومِن قَبْلِهِ ) لا مِن بَعْدِهِ لَكانَ وجْهًا مُوَفًّى فِيهِ حَقُّ الِاخْتِصاصِ كَما آثَرَهُ السَّكّاكِيُّ مِن أنَّهُ لازِمُ التَّقْدِيمِ انْتَهى. وهو ظاهِرٌ في أنَّ الجُمْلَةَ لَيْسَتْ حالِيَّةً.
(p-16)وجُوِّزَ كَوْنُ ( لِسانًا ) مَفْعُولًا لِمُصَدِّقٌ. والكَلامُ بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ ذا لِسانٍ عَرَبِيٍّ وهو النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وتَصْدِيقُهُ إيّاهُ بِمُوافَقَتِهِ كِتابَ مُوسى أوِ الكُتُبَ السَّماوِيَّةَ مُطْلَقًا وإعْجازُهُ، وجُوِّزَ عَلى المَفْعُولِيَّةِ كَوْنُ ( هَذا ) إشارَةً إلى كِتابِ مُوسى فَلا يُحْتاجُ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، ويُرادُ بِلَسانًا عَرَبِيًّا: القُرْآنُ، ووُضِعَتِ الإشارَةُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ لِلتَّعْظِيمِ، والأصْلُ وهو مُصَدِّقٌ لِسانًا عَرَبِيًّا، وقِيلَ: هو مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ مُصَدِّقٌ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ والكُلُّ كَما تَرى. وقَرَأ الكَلْبِيُّ (ومَن قَبْلَهُ) بِفَتْحِ المِيمِ (كِتابَ مُوسى) بِالنَّصْبِ، وخَرَجَتْ عَلى أنَّ مَن مَوْصُولَةٌ مَعْمُولَةٌ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وكَذا ( كِتابُ ) أيْ وآتَيْنا الَّذِينَ كانُوا قَبْلَ نُزُولِ القُرْآنِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ كِتابَ مُوسى.
﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ مُتَعَلِّقٌ بِمُصَدِّقٌ. وفِيهِ ضَمِيرٌ لِلْكِتابِ أوْ لِلَّهِ تَعالى أوْ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويُؤَيِّدُ الأخِيرَ قِراءَةُأبِي رَجاءٍ وشَيْبَةَ والأعْرَجِ وأبِي جَعْفَرٍ وابْنِ عامِرٍ ونافِعٍ وابْنِ كَثِيرٍ في رِوايَةِ (لِتُنْذِرَ) بِتاءِ الخِطابِ فَإنَّهُ لا يَصْلُحُ بِدُونِ تَكَلُّفٍ لِغَيْرِ الرَّسُولِ، والتَّعْلِيلُ صَحِيحٌ عَلى الكُلِّ، ولا يُتَوَهَّمُ لُزُومُ حَذْفِ اللّامِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلْكِتابِ لِوُجُودِ شَرْطِ النَّصْبِ لِأنَّهُ شَرْطُ الجَوازِ ﴿وبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى المَصْدَرِ الحاصِلِ مِن أنْ والفِعْلِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وتَبِعَهُ أبُو البَقاءِ: هو في مَحَلِّ النَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلى مَحَلِّ ( لِيُنْذِرَ ) لِأنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، وزَعَمَ أبُو حَيّانَ أنَّ ذَلِكَ لا يَجُوزُ عَلى الصَّحِيحِ مِن مَذْهَبِ النَّحْوِيِّينَ لِأنَّ المَحَلَّ لَيْسَ بِحَقِّ الأصالَةِ وهم يَشْتَرِطُونَ في الحَمْلِ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذِ الأصْلُ في المَفْعُولِ لَهُ الجَرُّ، والنَّصْبُ ناشِئٌ مِن نَزْعِ الخافِضِ لَكِنَّهُ كَثُرَ بِشَرْطِهِ، وحَكى في إعْرابِهِ أوْجُهًا فَقالَ: قِيلَ مَعْطُوفٌ عَلى ( مُصَدِّقٌ ) وقِيلَ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أيْ هو بُشْرى، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلى (يُنْذِرَ) أيْ ويُبَشِّرَ بُشْرى، وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِنَزْعِ الخافِضِ أيْ ولِبُشْرى، والظّاهِرُ أنَّ المُحْسِنِينَ في مُقابَلَةِ ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) والمُرادُ بِالأوَّلِ الكَفَرَةُ وبِالثّانِي المُؤْمِنُونَ. وفي شَرْحِ الطَّيِّبِيِّ إنَّما عَدَلَ عَنِ العادِلِينَ إلى المُحْسِنِينَ لِيَكُونَ ذَرِيعَةً إلى البِشارَةِ بِنَفْيِ الخَوْفِ والحُزْنِ لِمَن قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا، وقِيلَ: المُحْسِنِينَ دُونَ الَّذِينَ أحْسَنُوا بَعْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ لِيَكُونَ المَعْنى لِيُنْذَرَ الَّذِينَ وجَدَ مِنهُمُ الظُّلْمَ ويُبَشِّرَ الَّذِينَ ثَبَتُوا واسْتَقامُوا عَلى الصِّراطِ السَّوِيِّ فَيُناسِبَ تَعْلِيلَ البِشارَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى:
{"ayah":"وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِمَامࣰا وَرَحۡمَةࣰۚ وَهَـٰذَا كِتَـٰبࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّسَانًا عَرَبِیࣰّا لِّیُنذِرَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











