الباحث القرآني

﴿إنَّ هَؤُلاءِ﴾ كُفّارَ قُرَيْشٍ لِأنَّ اَلْكَلامَ فِيهِمْ، وذِكْرُ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ اِسْتِطْرادِيٌّ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم مِثْلُهم في اَلْإصْرارِ عَلى اَلضَّلالَةِ والإنْذارِ عَنْ مَثَلِ ما حَلَّ بِهِمْ، وفي اِسْمِ اَلْإشارَةِ تَحْقِيرٌ لَهم ﴿لَيَقُولُونَ﴾ ﴿إنْ هي إلا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ أيْ ما اَلْعاقِبَةُ ونِهايَةُ اَلْأمْرِ إلّا اَلْمَوْتَةُ اَلْأُولى اَلْمُزِيلَةُ لِلْحَياةِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ ﴿وما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ﴾ أيْ بِمَبْعُوثِينَ بَعْدَها، وتَوْصِيفُها بِالأُولى لَيْسَ لِقَصْدِ مُقابَلَةِ اَلثّانِيَةِ كَما في قَوْلِكَ: حَجَّ زَيْدٌ اَلْحُجَّةَ اَلْأُولى، وماتَ. قالَ اَلْإسْنَوِيُّ في اَلتَّمْهِيدِ: اَلْأوَّلُ في اَللُّغَةِ اِبْتِداءُ اَلشَّيْءِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ لَهُ ثانٍ وقَدْ لا يَكُونُ، كَما تَقُولُ: هَذا أوَّلُ ما اِكْتَسَبْتُهُ فَقَدْ تَكْتَسِبُ بَعْدَهُ شَيْئًا وقَدْ لا تَكْتَسِبُ كَذا ذَكَرَهُ جَماعَةٌ مِنهُمُ اَلْواحِدِيُّ في تَفْسِيرِهِ والزَّجّاجُ. ومِن فُرُوعِ اَلْمَسْألَةِ ما لَوْ قالَ: إنْ كانَ أوَّلُ ولَدٍ تَلِدِينَهُ ذَكَرًا فَأنْتِ طالِقٌ تُطَلَّقُ إذا ولَدَتْهُ، وإنْ لَمْ تَلِدْ غَيْرَهُ بِالِاتِّفاقِ، قالَ أبُو عَلِيٍّ: اِتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ لَيْسَ مِن شَرْطِ كَوْنِهِ أوَّلًا أنْ يَكُونَ بَعْدَهُ آخَرُ، وإنَّما اَلشَّرْطُ أنْ لا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ، ومِنهُ يُعْلَمُ ما في قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ اَلْأوَّلَ يُضايِفُ اَلْآخَرَ والثّانِي ويَقْتَضِي وُجُودَهُ بِلا شُبْهَةٍ، والمِثالُ إنْ صَحَّ فَإنَّما هو فِيمَن نَوى تَعَدُّدَ اَلْحَجِّ فاخْتَرَمَتْهُ اَلْمَنِيَّةُ فَلِحَجِّهِ ثانٍ بِاعْتِبارِ اَلْعَزْمِ مِن قُصُورِ اَلِاطِّلاعِ وأنَّهُ لا حاجَةَ إلى أنْ يُقالَ: إنَّها أوْلى بِالنِّسْبَةِ إلى ما بَعْدَها مِن حَياةِ اَلْآخِرَةِ بَلْ هو في حَدِّ ذاتِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِما قالَ اِبْنُ اَلْمُنِيرِ مِن أنَّ اَلْأُولى إنَّما يُقابِلُها أُخْرى تُشارِكُها في أخَصِّ مَعانِيها، فَكَما لا يَصِحُّ أوْ لا يَحْسُنُ أنْ يَقُولَ: جاءَنِي رَجُلٌ واِمْرَأةٌ أُخْرى لا يُقالُ اَلْمَوْتَةُ اَلْأُولى بِالنِّسْبَةِ لِحَياةِ اَلْآخِرَةِ، وقِيلَ: إنَّهُ قِيلَ لَهم إنَّكم تَمُوتُونَ مَوْتَةً تَتَعَقَّبُها حَياةٌ كَما تَقَدَّمَتْكم مَوْتَةٌ قَدْ تَعَقَّبَتْها حَياةٌ، وذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا فَأحْياكم ثُمَّ يُمِيتُكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ فَقالُوا ﴿إنْ هي إلا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ يُرِيدُونَ ما اَلْمَوْتَةُ اَلَّتِي مِن شَأْنِها أنْ تَتَعَقَّبَها حَياةٌ، إلّا اَلْمَوْتَةَ اَلْأُولى دُونَ اَلثّانِيَةِ وما هَذِهِ اَلصِّفَةُ اَلَّتِي تَصِفُونَ بِها اَلْمَوْتَةَ مِن تَعَقُّبِ اَلْحَياةِ لَها إلّا لِلْمَوْتَةِ اَلْأُولى خاصَّةً، وهَذا ما اِرْتَضاهُ جارُ اَللَّهِ وأرادَ أنَّ اَلنَّفْيَ والإثْباتَ لَمّا كانَ لِرَدِّ اَلْمُنْكِرِ اَلْمُصِرِّ إلى اَلصَّوابِ كانَ مُنَزَّلًا عَلى إنْكارِهِمْ، لا سِيَّما والتَّعْرِيفُ في اَلْأُولى تَعْرِيفُ عَهْدٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿المَوْتَةَ الأُولى﴾ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ وهي عَلى نَحْوِ هي اَلْعَرَبُ تَقُولُ كَذا فَيَتَطابَقانِ والمَعْهُودُ اَلْمَوْتَةُ اَلَّتِي تَعَقَّبَتْها اَلْحَياةُ اَلدُّنْيَوِيَّةُ، ولِذَلِكَ اِسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكُنْتُمْ أمْواتًا﴾ إلَخْ فَلَيْسَ اِعْتِبارُ اَلْوَصْفِ عُدُولًا عَنِ اَلظّاهِرِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ كَما قالَ اِبْنُ اَلْمُنِيرِ. وقَوْلُهُ في اَلِاعْتِراضِ أيْضًا: إنَّ اَلْمَوْتَ اَلسّابِقَ عَلى اَلْحَياةِ (p-127)اَلدُّنْيَوِيَّةِ لا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالمَوْتَةِ لِأنَّ (فِيها) لِمَكانِ بِناءِ اَلْمَرَّةِ إشْعارًا بِالتَّجَدُّدِ والمَوْتُ اَلسّابِقُ مُسْتَصْحِبٌ لَمْ تَتَقَدَّمْهُ حَياةٌ مَدْفُوعٌ كَما قالَ صاحِبُ اَلْكَشْفِ، ثُمَّ إنَّهُ لا يَلْزَمُ مِن تَفْسِيرِ اَلْمَوْتَةِ اَلْأُولى بِما بَعْدَ اَلْحَياةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلا المَوْتَةَ الأُولى﴾ تَفْسِيرُها بِذَلِكَ هُنا لِأنَّ إيقاعَ اَلذَّوْقِ عَلَيْها هُناكَ قَرِينَةٌ أنَّها اَلَّتِي بَعْدَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا لِأنَّ ما قَبْلَ اَلْحَياةِ غَيْرُ مَذُوقٍ، ومَعَ هَذا كُلِّهِ اَلْإنْصافُ أنَّ حَمْلَ اَلْمَوْتَةِ اَلْأُولى هُنا أيْضًا عَلى اَلَّتِي بَعْدَ اَلْحَياةِ اَلدُّنْيا أظْهَرُ مِن حَمْلِها عَلى ما قَبْلَ اَلْحَياةِ مِنَ اَلْعَدَمِ بَلْ هي اَلْمُتَبادِرَةُ إلى اَلْفَهْمِ عِنْدَ اَلْإطْلاقِ اَلْمَعْرُوفَةُ بَيْنَهُمْ، وأمْرُ اَلْوَصْفِ بِالأُولى عَلى ما سَمِعْتَ أوَّلًا. وقِيلَ: إنَّهم وُعِدُوا بَعْدَ هَذِهِ اَلْمَوْتَةِ مَوْتَةَ اَلْقَبْرِ وحَياةَ اَلْبَعْثِ فَقَوْلُهُ تَعالى عَنْهم ﴿إنْ هي إلا مَوْتَتُنا الأُولى﴾ رَدٌّ لِلْمَوْتَةِ اَلثّانِيَةِ وفي قَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿وما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ﴾ نَفْيٌ لِحَياةِ اَلْقَبْرِ ضِمْنًا إذْ لَوْ كانَتْ بِدُونِ اَلْمَوْتَةِ اَلثّانِيَةِ لَثَبَتَ اَلنَّشْرُ ضَرُورَةً
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب