الباحث القرآني

﴿ونادى فِرْعَوْنُ في قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهَذِهِ الأنْهارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ أيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِنَفْسِهِ فِيما بَيْنَ قَوْمِهِ بِذَلِكَ اَلْقَوْلِ، ولَعَلَّهُ جَمَعَ عُظَماءَ اَلْقِبْطِ في مَحَلِّهِ اَلَّذِي هو فِيهِ بِهِ أنْ كُشِفَ اَلْعَذابُ فَنادى فِيما بَيْنَهم بِذَلِكَ لِتَنْتَشِرَ مَقالَتُهُ في جَمِيعِ اَلْقِبْطِ ويَعْظُمَ في نُفُوسِهِمْ مَخافَةَ أنْ يُؤْمِنُوا بِمُوسى عَلَيْهِ اَلسَّلامُ ويَتْرُكُوهُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إسْنادُ اَلنِّداءِ إلَيْهِ مَجازًا والمُرادُ أمَرَ بِالنِّداءِ بِذَلِكَ في اَلْأسْواقِ والأزِقَّةِ ومَجامِعِ اَلنّاسِ وهَذا كَما يُقالُ بَنى اَلْأمِيرُ اَلْمَدِينَةَ، ﴿ونادى﴾ قِيلَ مَعْطُوفٌ عَلى فاجَأ اَلْمُقَدَّرِ ونَزَلَ مَنزِلَةَ اَللّازِمِ وعُدِّيَ بِفي كَقَوْلِهِ: يَجْرَحُ في عَراقِيبِها نَصْلِي. لِلدَّلالَةِ عَلى تَمْكِينِ اَلنِّداءِ فِيهِمْ، وعَنى بِمُلْكِ مِصْرَ ضَبْطَها والتَّصَرُّفَ فِيها بِالحُكْمِ ولَمْ يُرِدْ مِصْرَ نَفْسَها بَلْ هي وما يَتْبَعُها وذَلِكَ مِن إسْكَنْدَرِيَّةَ إلى أسْوانَ كَما في اَلْبَحْرِ، والأنْهارُ اَلْخُلْجانُ اَلَّتِي تَخْرُجُ مِنَ اَلنِّيلِ اَلْمُبارَكِ كَنَهْرِ اَلْمَلِكِ. ونَهْرِ دِمْياطَ. ونَهْرِ تَنِّيسَ ولَعَلَّ نَهْرَ طُولُونَ كانَ مِنها إذْ ذاكَ لَكِنَّهُ اِنْدَرَسَ فَجَدَّدَهُ أحْمَدُ بْنُ طُولُونَ مَلِكُ مِصْرَ في اَلْإسْلامِ وأرادَ بِقَوْلِهِ ﴿مِن تَحْتِي﴾ مِن تَحْتِ أمْرِي. وقالَ غَيْرُ واحِدٍ كانَتْ أنْهارٌ تَخْرُجُ مِنَ اَلنِّيلِ وتَجْرِي مِن تَحْتِ قَصْرِهِ وهو مُشْرِفٌ عَلَيْها، وقِيلَ: كانَ لَهُ سَرِيرٌ عَظِيمٌ مُرْتَفِعٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهِ أنْهارٌ أخْرَجَها مِنَ اَلنِّيلِ، وقالَ قَتادَةُ: كانَتْ لَهُ جِنانٌ وبَساتِينُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَجْرِي فِيها اَلْأنْهارُ، وفَسَّرَ اَلضَّحّاكُ اَلْأنْهارَ بِالقُوّادِ والرُّؤَساءِ اَلْجَبابِرَةِ، ومَعْنى كَوْنِهِمْ يَجْرُونَ مِن تَحْتِهِ أنَّهم يَسِيرُونَ تَحْتَ لِوائِهِ ويَأْتَمِرُونَ بِأمْرِهِ، وقَدْ أبْعَدَ جِدًّا وكَذا مَن فَسَّرَها بِالأمْوالِ ومَن فَسَّرَها بِالخَيْلِ وقالَ: كَما يُسَمّى اَلْفَرَسُ بَحْرًا يُسَمّى نَهْرًا بَلِ اَلتَّفاسِيرُ اَلثَّلاثَةُ تُقَرِّبُ مِن تَفاسِيرِ اَلْباطِنِيَّةِ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُلْتَفَتَ إلَيْها، والواوُ في ﴿وهَذِهِ﴾ إلَخْ إمّا عاطِفَةٌ لِهَذِهِ اَلْأنْهارِ عَلى اَلْمُلْكِ فَجُمْلَةُ تَجْرِي حالٌ مِنها أوْ لِلْحالِ فَهَذِهِ مُبْتَدَأٌ و﴿الأنْهارُ﴾ صِفَةٌ أوْ عَطْفُ بَيانٍ وجُمْلَةُ ﴿تَجْرِي﴾ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ وجُمْلَةُ هَذِهِ إلَخْ حالٌ مِن ضَمِيرِ اَلتَّكَلُّمِ، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ لِلْعَطْفِ (وهَذِهِ تَجْرِي) مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى اِسْمِ لَيْسَ وخَبَرِها، وقَوْلُهُ: ﴿أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ عَلى تَقْدِيرِ اَلْمَفْعُولِ أيْ أفَلا تُبْصِرُونَ ذَلِكَ أيْ ما ذُكِرَ، ويَجُوزُ أنْ يُنْزَلَ مَنزِلَةَ اَللّازِمِ والمَعْنى ألَيْسَ لَكم بَصَرٌ أوْ بَصِيرَةٌ، وقَرَأ عِيسى (تُبْصِرُونِ) بِكَسْرِ اَلنُّونِ فَتَكُونُ اَلْياءُ اَلْواقِعَةُ مَفْعُولًا مَحْذُوفَةً، وقَرَأ فَهْدُ بْنُ اَلصَّقْرِ (يُبْصِرُونَ) بِياءِ اَلْغَيْبَةِ ذَكَرَهُ في اَلْكامِلِ لِلْهَزْلِيِّ والسّاجِي عَنْ يَعْقُوبَ ذَكَرَهُ اِبْنُ خالَوَيْهِ، ولا يَخْفى ما بَيْنَ اِفْتِخارِ اَللَّعِينِ بِمُلْكِ مِصْرَ ودَعْواهُ اَلرُّبُوبِيَّةَ مِنَ اَلْبُعْدِ اَلْبَعِيدِ، وعَنِ اَلرَّشِيدِ أنَّهُ لَمّا قَرَأ هَذِهِ اَلْآيَةَ قالَ لَأُوَلِّيَنَّها- يَعْنِي مِصْرَ- أخَسَّ عَبِيدِي فَوَلّاها اَلْخَصِيبَ وكانَ عَلى وُضُوئِهِ، وعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ طاهِرٍ أنَّهُ ولِيَها فَخَرَجَ إلَيْها فَلَمّا شارَفَها ووَقَعَ عَلَيْها بَصَرُهُ قالَ: هي اَلْقَرْيَةُ اَلَّتِي اِفْتَخَرَ بِها فِرْعَوْنُ حَتّى قالَ: ﴿ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ واَللَّهِ لَهي أقَلُّ عِنْدِي مِن أنْ أدْخُلَها فَثَنى عِنانَهُ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب