الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أهم يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ إنْكارٌ فِيهِ تَجْهِيلٌ وتَعْجِيبٌ مِن تَحَكُّمِهِمْ بِنُزُولِ اَلْقُرْآنِ اَلْعَظِيمِ عَلى مَن أرادُوا، والرَّحْمَةُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اَلْمُرادُ بِها ظاهِرَها وهو ظاهِرُ كَلامِ اَلْبَحْرِ ونَزَّلَ تَعْيِينَهم لِمَن يَنْزِلُ عَلَيْهِ اَلْوَحْيُ مَنزِلَةَ اَلتَّقْسِيمِ لَها وتَدْخُلُ اَلنُّبُوَّةُ فِيها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اَلْمُرادُ بِها اَلنُّبُوَّةَ وهو اَلْأنْسَبُ لِما قَبْلُ وعَلَيْهِ أكْثَرُ اَلْمُفَسِّرِينَ، وفي إضافَةِ اَلرَّبِّ إلى ضَمِيرِهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِن تَشْرِيفِهِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ ما فِيهِ، وفي إضافَةِ اَلرَّحْمَةِ إلى اَلرَّبِّ إشارَةٌ إلى أنَّها مِن صِفاتِ اَلرُّبُوبِيَّةِ ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم مَعِيشَتَهُمْ﴾ أسْبابَ مَعِيشَتِهِمْ. وقَرَأ عَبْدُ اَللَّهِ. وابْنُ عَبّاسٍ. والأعْمَشُ. وسُفْيانُ (مَعايِشَهُمْ) عَلى اَلْجَمْعِ ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا﴾ قِسْمَةً تَقْتَضِيها مَشِيئَتُنا اَلْمَبْنِيَّةُ عَلى اَلْحِكَمِ والمَصالِحِ ولَمْ نُفَوِّضْ أمْرَها إلَيْهِمْ عِلْمًا مِنّا بِعَجْزِهِمْ عَنْ تَدْبِيرِها بِالكُلِّيَّةِ وإطْلاقُ اَلْمَعِيشَةِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ حَلالُها وحَرامُها مِنَ اَللَّهِ تَعالى: ﴿ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ﴾ في اَلرِّزْقِ وسائِرِ مَبادِئِ اَلْمَعاشِ ﴿دَرَجاتٍ﴾ مُتَفاوِتَةً بِحَسْبِ اَلْقُرْبِ والبُعْدِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ اَلْحِكْمَةُ فَمِن ضَعِيفٍ وقَوِيٍّ وغَنِيٍّ وفَقِيرٍ وخادِمٍ ومَخْدُومٍ وحاكِمٍ ومَحْكُومٍ ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ لِيَسْتَعْمِلَ بَعْضُهم بَعْضًا في مَصالِحِهِمْ ويَسْتَخْدِمُوهم في مِهَنِهِمْ ويُسَخِّرُوهم في أشْغالِهِمْ حَتّى يَتَعايَشُوا ويَتَرافَدُوا ويَصِلُوا إلى مُرافِقِهِمْ لا لِكَمالٍ في اَلْمُوَسَّعِ عَلَيْهِ ولا لِنَقْصٍ في اَلْمُقَتَّرِ عَلَيْهِ ولَوْ فَوَّضْنا ذَلِكَ إلى تَدْبِيرِهِمْ لَضاعُوا وهَلَكُوا فَإذا كانُوا في تَدْبِيرِ خُوَيِّصَةِ أمْرِهِمْ وما يُصْلِحُهم مِن مَتاعِ اَلدُّنْيا اَلدَّنِيَّةِ وهو عَلى طَرَفِ اَلتَّمامِ بِهَذِهِ اَلْحالَةِ فَما ظَنُّهم بِأنْفُسِهِمْ في تَدْبِيرِ أمْرِ اَلدِّينِ وهو أبْعَدُ مِن مَناطِ اَلْعُيُوقِ ومِن أيْنَ لَهُمُ اَلْبَحْثُ عَنْ أمْرِ اَلنُّبُوَّةِ والتَّخَيُّرُ لَها مَن يَصْلُحُ لَها ويَقُومُ بِأمْرِها، والسُّخْرِيُّ عَلى ما سَمِعْتَ نِسْبَةٌ إلى اَلسُّخْرَةِ وهي اَلتَّذْلِيلُ والتَّكْلِيفُ، وقالَ اَلرّاغِبُ: اَلسُّخْرِيُّ هو اَلَّذِي يَقْهَرُ أنْ يَتَسَخَّرَ بِإرادَتِهِ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهُ هُنا مِنَ اَلسَّخْرِ بِمَعْنى اَلْهَزْءِ أيْ لِيَهْزَأ اَلْغَنِيُّ بِالفَقِيرِ واسْتَبْعَدَهُ أبُو حَيّانَ. وقالَ اَلسَّمِينُ: إنَّهُ غَيْرُ مُناسِبٍ لِلْمَقامِ. وقَرَأ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ. وابْنُ مُحَيْصِنٍ. وابْنُ أبِي لَيْلى. وأبُو رَجاءٍ. والوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ (سِخْرِيًّا) بِكَسْرِ اَلسِّينِ والمُرادُ بِهِ ما ذَكَرْنا أيْضًا، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَحْنُ قَسَمْنا﴾ إلَخْ ما يَزْهَدُ في اَلِانْكِبابِ عَلى طَلَبِ اَلدُّنْيا ويُعِينُ عَلى اَلتَّوَكُّلِ (p-79)عَلى اَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ والِانْقِطاعِ إلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ: ؎فاعْتَبِرْ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهم تَلْقَهُ حَقًّا وبِالحَقِّ نَزَلْ ﴿ورَحْمَتُ رَبِّكَ﴾ أيِ اَلنُّبُوَّةُ وما يَتْبَعُها مِن سَعادَةِ اَلدّارَيْنِ، وقِيلَ: اَلْهِدايَةُ والإيمانُ، وقالَ قَتادَةُ. والسُّدِّيُّ: اَلْجَنَّةُ ﴿خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ﴾ مِن حُطامِ اَلدُّنْيا اَلدَّنِيَّةِ فالعَظِيمُ مَن رُزِقَ تِلْكَ اَلرَّحْمَةَ دُونَ ذَلِكَ اَلْحُطامِ اَلدَّنِيءِ اَلْفانِي.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب