الباحث القرآني
وقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: ﴿بَلْ قالُوا إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ إبْطالٌ لِأنْ يَكُونَ لَهم حُجَّةٌ أصْلًا أيْ لا حُجَّةَ لَهم عَلى ذَلِكَ عَقْلِيَّةً ولا نَقْلِيَّةً وإنَّما جَنَحُوا فِيهِ إلى تَقْلِيدِ آبائِهِمُ اَلْجَهَلَةِ مِثْلِهِمْ، والأُمَّةُ اَلدِّينُ والطَّرِيقَةُ اَلَّتِي تُؤَمُّ أيْ كالرِّحْلَةِ لِلرَّجُلِ اَلْعَظِيمِ اَلَّذِي يُقْصَدُ في اَلْمُهِمّاتِ يُقالُ: فُلانٌ لا أُمَّةَ لَهُ أيْ لا دِينَ ولا نِحْلَةَ، قالَ اَلشّاعِرُ:
؎وهَلْ يَسْتَوِي ذُو أُمَّةٍ وكَفُورُ
وقالَ قَيْسُ بْنُ اَلْحَطِيمِ:
؎كُنّا عَلى أُمَّةِ آبائِنا ∗∗∗ ويَقْتَدِي بِالأوَّلِ اَلْآخِرُ
وقالَ اَلْجُبّائِيُّ: اَلْأُمَّةُ اَلْجَماعَةُ والمُرادُ وجَدْنا آباءَنا مُتَوافِقِينَ عَلى ذَلِكَ، والجُمْهُورُ عَلى اَلْأوَّلِ وعَلَيْهِ اَلْمُعَوَّلُ، ويُقالُ فِيها إمَّةٌ بِكَسْرِ اَلْهَمْزَةِ أيْضًا وبِها قَرَأ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اَلْعَزِيزِ. ومُجاهِدٌ. وقَتادَةُ. والجَحْدَرِيُّ،
وقَرَأ اِبْنُ عَيّاشٍ (أمَّةٍ) بِفَتْحِ اَلْهَمْزَةِ، قالَ في اَلْبَحْرِ: أيْ عَلى قَصْدٍ وحالٍ، و﴿عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ قِيلَ خَبَرانِ لِأنَّ، وقِيلَ: ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾ صِلَةُ ﴿مُهْتَدُونَ﴾ ومُهْتَدُونَ هو اَلْخَبَرُ، هَذا وجَعَلَ اَلزَّمَخْشَرِيُّ اَلْآيَةَ دَلِيلًا عَلى أنَّهُ تَعالى لَمْ يَشَأِ اَلْكُفْرَ مِنَ اَلْكافِرِ وإنَّما شاءَ سُبْحانَهُ اَلْإيمانَ، وكَفَّرَ أهْلُ اَلسُّنَّةِ اَلْقائِلِينَ بِأنَّ اَلْمَقْدُوراتِ كُلَّها بِمَشِيئَةِ اَللَّهِ تَعالى، ووَجَّهَ ذَلِكَ بِأنَّ اَلْكُفّارَ لَمّا اِدَّعَوْا أنَّهُ تَعالى شاءَ مِنهُمُ اَلْكُفْرَ حَيْثُ قالُوا: ﴿لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ﴾ إلَخْ أيْ لَوْ شاءَ جَلَّ جَلالُهُ مِنّا أنْ نَتْرُكَ عِبادَةَ اَلْأصْنامِ تَرَكْناها رَدَّ اَللَّهُ تَعالى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وأبْطَلَ اِعْتِقادَهم بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ إلَخْ فَلَزِمَ حَقِيقَةُ خِلافِهِ وهو عَيْنُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ جُزْءًا﴾ أوْ عَلى (جَعَلُوا اَلْمَلائِكَةَ) إلَخْ فَيَكُونُ ما تَضَمَّنَتْهُ كُفْرًا آخَرَ ويَلْزَمُهُ كُفْرُ اَلْقائِلِينَ بِأنَّ اَلْكُلَّ بِمَشِيئَتِهِ عَزَّ وجَلَّ، ومِمّا سَمِعْتَ يُعْلَمُ رَدُّهُ، وقِيلَ: في رَدِّهِ أيْضًا: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ إشارَةً إلى أصْلِ اَلدَّعْوى وهو جَعْلُ اَلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ بَناتِ اَللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا دُونَ ما قَصَدُوهُ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شاءَ﴾ إلَخْ وما ذُكِرَ بَعْدَ أصْلِ اَلدَّعْوى مِن تَتِمَّتِها فَإنَّهُ حِكايَةُ شُبْهَتِهِمُ اَلْمُزَيَّفَةِ لِأنَّ اَلْعِبادَةَ لِلْمَلائِكَةِ وإنْ كانَتْ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى لَكِنَّ ذَلِكَ لا يُنافِي كَوْنَها مِن أقْبَحِ اَلْقَبائِحِ اَلْمَنهِيِّ عَنْها وهَذا خِلافُ اَلظّاهِرِ.
وقالَ بَعْضُ اَلْأجِلَّةِ: إنَّ كُفْرَهم بِذَلِكَ لِأنَّهم قالُوهُ عَلى جِهَةِ اَلِاسْتِهْزاءِ، ورَدَّهُ اَلزَّمَخْشَرِيُّ بِأنَّ اَلسِّياقَ لا يَدُلُّ عَلى أنَّهم قالُوهُ مُسْتَهْزِئِينَ؛ عَلى اَللَّهِ تَعالى قَدْ حَكى عَنْهم عَلى سَبِيلِ اَلذَّمِّ والشَّهادَةِ بِالكُفْرِ أنَّهم جَعَلُوا لَهُ سُبْحانَهُ جُزْءًا وأنَّهُ جَلَّ وعَلا اِتَّخَذَ بَناتٍ واصْطَفاهم بِالبَنِينَ وأنَّهم جَعَلُوا اَلْمَلائِكَةَ اَلْمُكْرَمِينَ إناثًا وأنَّهم عَبَدُوهم وقالُوا لَوْ شاءَ اَلرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهم فَلَوْ كانُوا ناطِقِينَ بِها عَلى طَرِيقِ اَلْهَزْءِ لَكانَ اَلنُّطْقُ بِالمَحْكِيّاتِ قَبْلَ هَذا اَلْمَحْكِيِّ اَلَّذِي هو إيمانٌ عِنْدَهُ لَوَجَدُوا بِالنُّطْقِ بِهِ مَدْحًا لَهم مِن قِبَلِ أنَّها كَلِماتُ كُفْرٍ نَطَقُوا بِها عَلى طَرِيقِ اَلْهَزْءِ فَبَقِيَ أنْ يَكُونُوا (p-74)جادِّينَ ويَشْتَرِكُ كُلُّها في أنَّها كَلِماتُ كُفْرٍ، فَإنْ جَعَلُوا اَلْأخِيرَ وحْدَهُ مَقُولًا عَلى وجْهِ اَلْهَزْءِ دُونَ ما قَبْلَهُ فَما بِهِمْ إلّا تَعْوِيجُ كِتابِ اَللَّهِ تَعالى ولَوْ كانَتْ هَذِهِ كَلِمَةُ حَقٍّ نَطَقُوا بِها هُزُأً لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ إلَخْ مَعْنًى لِأنَّ اَلْواجِبَ فِيمَن تَكَلَّمَ بِالحَقِّ اِسْتِهْزاءً أنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ اِسْتِهْزاؤُهُ ولا يُكَذَّبَ، ولا يَخْفى أنَّ رَدَّهُ بِأنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَيْهِ اَلسِّياقِ صَحِيحٌ، وأمّا ما ذُكِرَ مِن حِكايَةِ اَللَّهِ سُبْحانَهُ والتَّعْوِيجِ فَلا لِأنَّهُ تَعالى ما حَكى عَنْهم قَوْلًا أوَّلًا بَلْ أثْبَتَ لَهُمُ اِعْتِقادًا يَتَضَمَّنُ قَوْلًا أوْ فِعْلًا وقَدْ بَيَّنَ أنَّهم مُسْتَخِفُّونَ في ذَلِكَ اَلْعَقْدِ كَما أنَّهم مُسْتَخِفُّونَ في هَذا اَلْقَوْلِ فَقَوْلُهُ: لَوْ نَطَقُوا إلَخْ لا مَدْخَلَ لَهُ في اَلسّابِقِ ولَيْسَ فِيهِ تَعْوِيجٌ اَلْبَتَّةَ مِن هَذا اَلْوَجْهِ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَهُمْ﴾ إلَخْ مَعْنًى مَرْدُودٌ لِأنَّ اَلِاسْتِهْزاءَ بابٌ مِنَ اَلْجَهْلِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مُوسى عَلَيْهِ اَلسَّلامُ ﴿أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ في اَلْبَقَرَةِ، وأمّا اَلْكَذِبُ فَراجِعٌ إلى مَضْمُونِهِ والمُرادُ مِنهُ كَما سَمِعْتَ فَمَن قالَ لا إلَهَ إلّا اَللَّهُ اِسْتِهْزاءً مُكَذَّبٌ فِيما يَلْزَمُ مِن أنَّهُ إخْبارٌ عَنْ إثْباتِ اَلتَّعَدُّدِ لِأنَّهُ إخْبارٌ عَنِ اَلتَّوْحِيدِ فافْهَمْ كَذا في اَلْكَشْفِ.
وفِيهِ أيْضًا أنَّ قَوْلَهُمْ: ﴿لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ﴾ إلَخْ فُهِمْ مِنهُ كَوْنُهُ كُفْرًا مِن أوْجُهٍ. أحَدُها أنَّهُ اِعْتِذارٌ عَنْ عِبادَتِهِمُ اَلْمَلائِكَةَ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ اَلَّتِي هي كُفْرٌ وإلْزامٌ أنَّهُ إذا كانَ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا.
والثّانِي أنَّ اَلْكُفْرَ والإيمانَ بِتَصْدِيقِ ما هو مُضْطَرٌّ إلى اَلْعِلْمِ بِثُبُوتِهِ بَدِيهَةً أوِ اِسْتِدْلالًا مُتَعَلِّقًا بِالمَبْدَأِ والمَعادِ وتَكْذِيبَهُ لا بِإيقاعِ اَلْفِعْلِ عَلى وفْقِ اَلْمَشِيئَةِ وعَدَمِهِ.
والثّالِثُ أنَّهم دَفَعُوا قَوْلَ اَلرَّسُولِ بِدَعْوَتِهِمْ إلى عِبادَتِهِ تَعالى ونَهْيِهِمْ عَنْ عِبادَةِ غَيْرِهِ سُبْحانَهُ بِهَذِهِ اَلْمَقالَةِ ثُمَّ إنَّهم مُلْزَمُونَ عَلى مَساقِ هَذا اَلْقَوْلِ لِأنَّهُ إذا اِسْتَنَدَ اَلْكُلُّ إلى مَشِيئَتِهِ تَعالى شَأْنُهُ فَقَدْ شاءَ إرْسالُ اَلرُّسُلِ وشاءَ دَعْوَتَهم لِلْعِبادِ وشاءَ سُبْحانَهُ جُحُودَهم وشاءَ جَلَّ وعَلا دُخُولَهُمُ اَلنّارَ فالإنْكارُ والدَّفْعُ بَعْدَ هَذا اَلْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهم قالُوهُ لا عَنِ اِعْتِقادٍ بَلْ مُجازَفَةٌ، وإلَيْهِ اَلْإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى في مَثَلِهِ: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكم أجْمَعِينَ﴾ وفِيهِ أنَّهم يَعْجِزُونَ اَلْخالِقَ بِإثْباتِ اَلتَّمانُعِ بَيْنَ اَلْمَشِيئَةِ وضِدِّ اَلْمَأْمُورِ بِهِ فَيَلْزَمُ أنْ لا يُرِيدَ إلّا ما أمَرَ سُبْحانَهُ بِهِ ولا يَنْهى جَلَّ شَأْنُهُ إلّا وهو سُبْحانَهُ لا يُرِيدُهُ وهَذا تَعْجِيزٌ مِن وجْهَيْنِ. إخْراجِ بَعْضِ اَلْمَقْدُوراتِ عَنْ أنْ يَصِيرَ مَحَلُّها وتَضْيِيقِ مَحَلِّ أمْرِهِ ونَهْيِهِ وهَذا بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ إخْوانِهِمْ مِنَ اَلْقَدَرِيَّةِ ولِهَذِهِ اَلنُّكْتَةِ جُعِلَ قَوْلُهُمْ: ﴿وقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ مُعْتَمَدَ اَلْكَلامِ ولَمْ يَقُلْ: وعَبَدُوا اَلْمَلائِكَةَ وقالُوا: لَوْ شاءَ ونَظِيرُ قَوْلِهِمْ في أنَّهُ إنَّما أتى بِهِ لِدَفْعِ ما عُلِمَ ضَرُورَةً قَوْلُهُ تَعالى عَنْهُمْ: ﴿لَوْ شاءَ رَبُّنا لأنْزَلَ مَلائِكَةً﴾ فالدَّفْعُ كُفْرٌ والتَّعْجِيزُ كُفْرٌ في كُفْرٍ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ يَحْتَمَلُ أنْ يَرْجِعَ إلى جَمِيعِ ما سَبَقَ مِن قَوْلِهِ تَعالى ﴿وجَعَلُوا لَهُ مِن عِبادِهِ﴾ إلى هَذا اَلْمَقامِ ويَحْتَمَلُ أنْ يَرْجِعَ إلى اَلْأخِيرِ فَقَدْ ثَبَتَ أنَّهم قالُوهُ مِن غَيْرِ عِلْمٍ وهو اَلْأظْهَرُ لِلْقُرْبِ وتَعْقِيبُ كُلٍّ بِإنْكارٍ مُسْتَقِلٍّ وطِباقُهُ لِما في اَلْأنْعامِ، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿إنْ هم إلا يَخْرُصُونَ﴾ عَلى هَذا اَلتَّكْذِيبِ اَلْمَفْهُومِ مِنهُ راجِعٌ إلى اِسْتِنْتاجِ اَلْمَقْصُودِ مِن هَذِهِ اَللُّزُومِيَّةِ فَقَدْ سَبَقَ أنَّها عَلَيْهِمْ لا لَهم ولَوَّحَ إلى طَرَفٍ مِنهُ في سُورَةِ اَلْأنْعامِ أوْ إلى اَلْحُكْمِ بِامْتِناعِ اَلِانْفِكاكِ مَعَ تَجْوِيزِ اَلْحاكِمِ اَلِانْفِكاكَ حالَ حُكْمِهِ فَإنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى كَذِبِهِ وإنْ كانَ ذَلِكَ اَلْحُكْمُ في نَفْسِهِ حَقًّا صَحِيحًا يَحِقُّ أنْ يُعْلَمَ كَما تَقُولُ زَيْدٌ قائِمٌ قَطْعًا أوِ اَلْبَتَّةَ وعِنْدَكَ اِحْتِمالُ نَقِيضِهِ.
ولَيْسَ هَذا رُجُوعًا إلى مَذْهَبِ مَن جَعَلَ اَلصِّدْقَ بِطِباقِهِ لِلْمُعْتَقَدِ فافْهَمْ، عَلى أنَّهُ لَمّا كانَ اِعْتِذارًا عَلى ما مَرَّ صَحَّ أنْ يَرْجِعَ اَلتَّكْذِيبُ إلى أنَّهُ لا يَصْلُحُ اِعْتِذارًا أيْ إنَّهم كاذِبُونَ في أنَّ اَلْمَشِيئَةَ تَقْتَضِي طِباقَ اَلْأمْرِ لَها، وهَذا ما آثَرَهُ (p-75)اَلْإمامُ. والعَلامَةُ. والقاضِي، والظّاهِرُ ما قَدَّمْناهُ. وتَعْقِيبُ اَلْخَرْصِ عَلى وجْهِ اَلْبَيانِ أوِ اَلِاسْتِئْنافِ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَهم بِذَلِكَ مِن عِلْمٍ﴾ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ﴾ في سُورَةِ اَلْأنْعامِ دَلِيلٌ عَلى ما أشَرْنا فَقَدْ لاحَ لِلْمُسْتَرْشِدِ أنَّ اَلْآيَةَ تَصْلُحُ حُجَّةً لِأهْلِ اَلسُّنَّةِ لا لِلْمُعْتَزِلَةِ وقالَ في آيَةِ سُورَةِ اَلْأنْعامِ: إنَّ قَوْلَهم هَذا إمّا لِدَعْوى اَلْمَشْرُوعِيَّةِ رَدًّا لِلرُّسُلِ أوْ لِتَسْلِيمِ أنَّهم عَلى اَلْباطِلِ اِعْتِذارًا بِأنَّهم مَجْبُورُونَ، والأوَّلُ باطِلٌ لِأنَّ اَلْمَشِيئَةَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِمُ اَلْمَشْرُوعِ وغَيْرِهِ فَما شاءَ اَللَّهُ تَعالى أنْ يَقَعَ مِنهم مَشْرُوعًا وقَعَ كَذَلِكَ وما شاءَ اَللَّهُ تَعالى أنْ يَقَعَ لا كَذَلِكَ وقَعَ لا كَذَلِكَ.
ولا شَكَّ أنَّ مَن تَوَهَّمَ أنَّ كَوْنَ اَلْفِعْلِ بِمَشِيئَتِهِ تَعالى يُنافِي مَجِيءَ اَلرُّسُلِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ بِخِلافِ ما عَلَيْهِ اَلْمُباشَرُ مِنَ اَلْكُفْرِ والضَّلالِ فَقَدْ كَذَّبَ اَلتَّكْذِيبَ كُلَّهُ وهو كاذِبٌ في اِسْتِنْتاجِ اَلْمَقْصُودِ مِن هَذِهِ اَللُّزُومِيَّةِ، وظاهِرُ اَلْآيَةِ مَسُوقٌ لِهَذا اَلْمَعْنى، والثّانِي عَلى ما فِيهِ مِن حُصُولِ اَلْمَقْصُودِ وهو اَلِاعْتِرافُ بِالبُطْلانِ باطِلٌ أيْضًا إذْ لاجَبْرَ لِأنَّ اَلْمَشِيئَةَ تَعَلَّقَتْ بِأنْ يُشْرِكُوا اِخْتِيارًا مِنهم والعِلْمُ تَعَلَّقَ كَذَلِكَ فَهو يُؤَكِّدُ دَفْعَ اَلْقَدَرِ لا أنَّهُ يُحَقِّقُهُ وإلَيْهِ اَلْإشارَةُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ﴾ ثُمَّ إنَّهم كاذِبُونَ في هَذا اَلْقَوْلِ لِجَزْمِهِمْ حَيْثُ لا ظَنَّ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنِ اَلْعِلْمِ وذَلِكَ لِأنَّ مِنَ اَلْمَعْلُومِ أنَّ اَلْعِلْمَ بِصِفاتِ اَللَّهِ سُبْحانَهُ فَرْعُ اَلْعِلْمِ بِذاتِهِ جَلَّ وعَلا والإيمانُ بِها كَذَلِكَ والمُحْتَجُّونَ بِهِ كَفَرَةٌ مُشْرِكُونَ مُجَسِّمُونَ، ونَقَلَ اَلْعَلّامَةُ اَلطَّيِّبِيُّ نَحْوًا مِنَ اَلْكَلامِ اَلْأخِيرِ عَنْ إمامِ اَلْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ في اَلْإرْشادِ اهـ.
وقَدْ أطالَ اَلْعُلَماءُ اَلْأعْلامُ اَلْكَلامَ في هَذا اَلْمَقامِ وأرى اَلرَّجُلَ سَقى اَللَّهُ تَعالى مَرْقَدَهُ صَيِّبَ اَلرِّضْوانِ قَدْ مَخَضَ كُلَّ ذَلِكَ وأتى بِزُبْدِهِ بَلْ لَمْ يَتْرُكْ مِنَ اَلتَّحْقِيقِ شَيْئًا لِمَن أتى مِن بَعْدِهِ فَتَأمَّلْ واَللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هو اَلْمُوَفِّقُ.
{"ayah":"بَلۡ قَالُوۤا۟ إِنَّا وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا عَلَىٰۤ أُمَّةࣲ وَإِنَّا عَلَىٰۤ ءَاثَـٰرِهِم مُّهۡتَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











