الباحث القرآني
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ لا لِغَيْرِهِ سُبْحانَهُ اِشْتِراكًا أوِ اِسْتِقْلالًا ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ مِن غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ ﴿يَهَبُ لِمَن يَشاءُ إناثًا ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ الذُّكُورَ﴾ ﴿أوْ يُزَوِّجُهم ذُكْرانًا وإناثًا ويَجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيمًا﴾ اِسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ أوْ بَيانٌ لِيَخْلُقُ أوْ بَدَلٌ مِنهُ بَدَلَ اَلْبَعْضِ عَلى ما اِخْتارَهُ اَلْقاضِي، ولَمّا ذَكَرَ سُبْحانَهُ إذاقَةَ اَلْإنْسانِ اَلرَّحْمَةَ وإصابَتَهُ بِضِدِّها أتْبَعَ جَلَّ وعَلا ذَلِكَ أنَّ لَهُ سُبْحانَهُ اَلْمُلْكَ وأنَّهُ تَعالى يَقْسِمُ اَلنِّعْمَةَ والبَلاءَ كَما شاءَ بِحِكْمَتِهِ تَعالى اَلْبالِغَةِ لا كَما شاءَ اَلْإنْسانُ بِهَواهُ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ إذاقَةَ اَلرَّحْمَةِ لَيْسَتْ لِلْفَرَحِ والبَطَرِ بَلْ لِلشُّكْرِ لِمُولِيها وإصابَةُ اَلْمِحْنَةِ لَيْسَتْ لِلْكُفْرانِ والجَزَعِ بَلْ لِلرُّجُوعِ إلى مُبْلِيها؛ وتَأْكِيدٌ لِإنْكارِ كُفْرانِهِمْ مِن وجْهَيْنِ: اَلْأوَّلِ أنَّ اَلْمُلْكَ مُلْكُهُ سُبْحانَهُ مِن غَيْرِ مُنازِعٍ ومُشارِكٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ يَشاءُ فَلَيْسَ عَلى مَن هو أحْقَرُ جُزْءٍ مِن مُلْكِهِ تَعالى أنْ يَعْتَرِضَ ويُرِيدَ أنْ يُجْرِيَ اَلتَّدْبِيرَ حَسْبَ هَواهُ اَلْفاسِدِ. اَلثّانِي أنَّ هَذا اَلْمُلْكَ اَلْواسِعَ لِذَلِكَ اَلْعَزِيزِ اَلْحَكِيمِ جَلَّ جَلالُهُ اَلَّذِي مِن شَأْنِهِ أنْ يَخْلُقَ ما يَشاءُ فَأنّى يَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ إلّا عَلى وجْهٍ لا يُتَصَوَّرُ أكْمَلُ مِنهُ ولا أوْفَقُ لِمُقْتَضى اَلْحِكْمَةِ والصَّوابِ، وعِنْدَ ذَلِكَ لا يَبْقى إلّا اَلتَّسْلِيمُ والشُّغُلُ بِتَعْظِيمِ اَلْمُنْعِمِ اَلْمُبْلِي عَنِ اَلْكُفْرانِ والإعْجابِ، وناسَبَ هَذا اَلْمَساقَ أنْ يَدُلَّ في اَلْبَيانِ مِن أوَّلِ اَلْأمْرِ عَلى أنَّهُ تَعالى فِعْلٌ لِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ سُبْحانَهُ لا مَدْخَلَ لِمَشِيئَةِ اَلْعَبْدِ فِيهِ فَلِذا قُدِّمَتِ اَلْإناثُ وأُخِّرَتِ اَلذُّكُورُ كَأنَّهُ قِيلَ: يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَن يَشاءُ مِنَ اَلْأناسِيِّ ما لا يَهْواهُ ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ (p-54)مِنهم ما يَهْواهُ فَقَدْ كانَتِ اَلْعَرَبُ تَعُدُّ اَلْإناثَ بَلاءً ﴿وإذا بُشِّرَ أحَدُهم بِالأُنْثى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا وهو كَظِيمٌ﴾ ولَوْ قَدَّمَ اَلْمُؤَخَّرِ لاخْتَلَّ اَلنَّظْمُ، ولَيْسَ اَلتَّقْدِيمُ لِمُجَرَّدِ رِعايَةِ مُناسِبَةِ اَلْقُرْبِ مِنَ اَلْبَلاءِ لِيُعارَضَ بِأنَّ اَلْآيَةَ اَلسّابِقَةَ ذَكَرَتِ اَلرَّحْمَةَ فِيها مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فَناسَبَ ذَلِكَ تَقْدِيمُ اَلذُّكُورِ عَلى اَلْإناثِ، وفي تَعْرِيفِ اَلذُّكُورِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ اَلِاسْتِدْراكِ لِقَضِيَّةِ اَلتَّأْخِيرِ اَلتَّنْبِيهُ عَلى أنَّهُ اَلْمَعْرُوفُ اَلْحاضِرُ في قُلُوبِهِمْ أوَّلَ كُلِّ خاطِرٍ وأنَّهُ اَلَّذِي عَقَدُوا عَلَيْهِ مُناهُمْ، ولَمّا قَضى اَلْوَطَرَ مِن هَذا اَلْأُسْلُوبِ قِيلَ: ﴿أوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾ أيِ اَلْأوْلادَ ﴿ذُكْرانًا وإناثًا﴾ أيْ يَخْلُقُ ما يَهَبُهم زَوْجًا لِأنَّ اَلتَّزْوِيجَ جَعْلُ اَلشَّيْءِ زَوْجًا فَذُكْرانًا وإناثًا حالٌ مِنَ اَلضَّمِيرِ، والواوُ قِيلَ لِلْمَعِيَّةِ لِأنَّ حَقَّهُ اَلتَّأْخِيرُ عَنِ اَلْقِسْمَيْنِ سِياقًا ووُجُودًا فَلا تَتَأتّى اَلْمُقارَنَةُ إلّا بِذَلِكَ، وقِيلَ ذَلِكَ لِأنَّ اَلْمُرادَ يَهَبُ لِمَن يَشاءُ ما لا يَهْواهُ ويَهَبُ لِمَن يَشاءُ ما يَهْواهُ أوْ يَهَبُ اَلْأمْرَيْنِ مَعًا لا أنَّهُ سُبْحانَهُ يَجْعَلُ مِن كُلٍّ مِنَ اَلْجِنْسَيْنِ اَلذُّكُورِ والإناثِ عَلى حِيالِهِ زَوْجًا ولَوْلا ذَلِكَ لَتُوُهِّمَ ما ذُكِرَ فَتَأمَّلْهُ، ولِتَرَكُّبِهِ مِنهُما لَمْ يُكَرِّرْ فِيهِ حَدِيثَ اَلْمَشِيئَةِ، وقَدَّمَ اَلْمُقَدَّمَ عَلى ما هو عَلَيْهِ في اَلْأصْلِ ولَمْ يُعَرِّفْ إذْ لا وجْهَ لَهُ، ثُمَّ قِيلَ: ﴿ويَجْعَلُ مَن يَشاءُ عَقِيمًا﴾ أيْ لا يُولَدُ لَهُ فَقَيَّدَ بِالمَشِيئَةِ لِأنَّهُ قِسْمٌ آخَرُ، وكَأنَّهُ جِيءَ بِأوْ في (أوْ يُزَوِّجُهُمْ) دُونَ اَلْواوِ كَما في سابِقِهِ مِن حَيْثُ إنَّهُ قَسِيمُ اَلِانْفِرادِ اَلْمُشْتَرِكِ بَيْنَ اَلْأوَّلَيْنِ ولَمْ يُؤْتَ في اَلْأخِيرِ لِاتِّضاحِهِ بِأنَّهُ قَسِيمُ اَلْهِبَةِ اَلْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ اَلْأقْسامِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ فَتَأمَّلْ، وقِيلَ: قَدَّمَ اَلْإناثَ تَوْصِيَةً بِرِعايَتِهِنَّ لِضَعْفِهِنَّ لا سِيَّما وكانُوا قَرِيبِي اَلْعَهْدِ بِالوَأْدِ، وفي اَلْحَدِيثِ «(مَنِ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِن هَذِهِ اَلْبَناتِ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ اَلنّارِ)» وقِيلَ: قُدِّمَتْ لِأنَّها أكْثَرُ لِتَكْثِيرِ اَلنَّسْلِ فَهي مِن هَذا اَلْوَجْهِ أنْسَبُ بِالخَلْقِ اَلْمُرادِ بَيانُهُ، وقِيلَ: لِتَطْيِيبِ قُلُوبِ آبائِهِنَّ لِما في تَقْدِيمِهِنَّ مِنَ اَلتَّشْرِيفِ لِأنَّهُنَّ سَبَبٌ لِتَكْثِيرِ مَخْلُوقاتِهِ تَعالى، وقالَ اَلثَّعالِبِيُّ: إنَّهُ إشارَةٌ إلى ما في تَقَدُّمِ وِلادَتِهِنَّ مِنَ اَلْيُمْنِ حَتّى أنَّ أوَّلَ مَوْلُودٍ ذَكَرٍ يَكُونُ مَشْؤُومًا فَيَقُولُونَ لَهُ بَكَّرَ بِكْرَيْنِ؛ وعَنْ قَتادَةَ مِن يُمْنِ اَلْمَرْأةِ تَبْكِيرُها بِأُنْثى، وقِيلَ: قُدِّمَتْ وأُخِّرَ اَلذُّكُورُ مُعَرَّفًا لِلْمُحافَظَةِ عَلى اَلْفَواصِلِ، والمُناسِبُ لِلسِّياقِ ما عَلِمْتَ سابِقًا، وقالَ مُجاهِدٌ في ﴿أوْ يُزَوِّجُهُمْ﴾ اَلتَّزْوِيجُ أنْ تَلِدَ اَلْمَرْأةُ غُلامًا ثُمَّ تَلِدُ جارِيَةً، وقالَ مُحَمَّدُ ابْنُ اَلْحَنَفِيَّةِ رَضِيَ اَللَّهُ تَعالى عَنْهُما: هو أنْ تَلِدَ تَوْأمًا غُلامًا وجارِيَةً. وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ اَلْآيَةَ نَزَلَتْ في اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ وهَبَ سُبْحانَهُ لِشُعَيْبٍ ولُوطٍ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ إناثًا ولِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ ذُكُورًا ولِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذُكُورًا وإناثًا وجَعَلَ عِيسى ويَحْيى عَلَيْهِما اَلسَّلامُ عَقِيمَيْنِ اهـ ﴿إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾ مُبالِغٌ جَلَّ شَأْنُهُ في اَلْعِلْمِ والقُدْرَةِ فَيَفْعَلُ ما يَفْعَلُ بِحِكْمَةٍ واخْتِيارٍ
{"ayahs_start":49,"ayahs":["لِّلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ یَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ إِنَـٰثࣰا وَیَهَبُ لِمَن یَشَاۤءُ ٱلذُّكُورَ","أَوۡ یُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانࣰا وَإِنَـٰثࣰاۖ وَیَجۡعَلُ مَن یَشَاۤءُ عَقِیمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِیمࣱ قَدِیرࣱ"],"ayah":"أَوۡ یُزَوِّجُهُمۡ ذُكۡرَانࣰا وَإِنَـٰثࣰاۖ وَیَجۡعَلُ مَن یَشَاۤءُ عَقِیمًاۚ إِنَّهُۥ عَلِیمࣱ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق