الباحث القرآني
﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ تَلْوِينٌ لِلْكَلامِ وصَرْفٌ لَهُ عَنْ خِطابِ اَلنّاسِ بَعْدَ أمْرِهِمْ بِالِاسْتِجابَةِ وتَوْجِيهٌ لَهُ إلى اَلرَّسُولِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أيْ فَإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا وأعْرَضُوا عَمّا تَدْعُوهم إلَيْهِ فَلا تَهْتَمَّ بِهِمْ فَما أرْسَلْناكَ رَقِيبًا ومُحاسِبًا عَلَيْهِمْ ﴿إنْ عَلَيْكَ﴾ أيْ ما عَلَيْكَ ﴿إلا البَلاغُ﴾ لا اَلْحِفْظُ وقَدْ فَعَلْتَ.
﴿وإنّا إذا أذَقْنا الإنْسانَ مِنّا رَحْمَةً﴾ أيْ نِعْمَةً مِنَ اَلصِّحَّةِ والغِنى والأمْنِ ونَحْوِها ﴿فَرِحَ بِها﴾ أُرِيدَ بِالإنْسانِ اَلْجِنْسُ اَلشّامِلُ لِلْجَمِيعِ وهو حِينَئِذٍ بِمَعْنى اَلْأناسِيِّ أوِ اَلنّاسِ ولِذا جَمَعَ ضَمِيرَهُ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وإنْ تُصِبْهُمْ﴾ ولَيْسَتْ لِلِاسْتِغْراقِ والجَمْعِيَّةُ لا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: وإنْ تُصِبِ اَلنّاسَ أوِ اَلْأناسِيَّ ﴿سَيِّئَةٌ﴾ بَلاءٌ مِن مَرَضٍ وفَقْرٍ وخَوْفٍ وغَيْرِها ﴿بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ﴾ بِسَبَبِ ما صَدَرَ مِنهم مِنَ اَلسَّيِّئاتِ ﴿فَإنَّ الإنْسانَ كَفُورٌ﴾ بَلِيغُ اَلْكُفْرِ يَنْسى اَلنِّعْمَةَ رَأْسًا ويَذْكُرُ اَلْبَلِيَّةَ ويَسْتَعْظِمُها ولا يَتَأمَّلُ سَبَبَها بَلْ يَزْعُمُ أنَّها أصابَتْهُ مِن غَيْرِ اِسْتِحْقاقٍ لَها.
وألْ فِيهِ أيْضًا لِلْجِنْسِ، وقِيلَ: هي فِيهِما لِلْعَهْدِ عَلى أنَّ اَلْمُرادَ اَلْمُجْرِمُونَ، وقِيلَ: هي في اَلْأوَّلِ لِلْجِنْسِ وفي اَلثّانِي لِلْعَهْدِ، وقالَ اَلزَّمَخْشَرِيُّ: أرادَ بِالإنْسانِ اَلْجَمْعَ لا اَلْواحِدَ لِمَكانِ ضَمِيرِ اَلْجَمْعِ ولَمْ يُرِدْ إلّا اَلْمُجْرِمِينَ لِأنَّ إصابَةَ اَلسَّيِّئَةِ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ إنَّما يَسْتَقِيمُ فِيهِمْ، ثُمَّ قالَ: ولَمْ يَقُلْ فَإنَّهُ لَكَفُورٌ لِيُسَجِّلَ عَلى أنَّ هَذا اَلْجِنْسَ مَوْسُومٌ بِكُفْرانِ اَلنِّعَمِ كَما قالَ سُبْحانَهُ: (إنَّ اَلْإنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ. إنَّ اَلْإنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) فَفَهِمَ مِنهُ اَلْعَلّامَةُ اَلطَّيِّبِيُّ أنَّها في اَلْأوَّلِ لِلْعَهْدِ (p-53)وأنَّ اَلْمُرادَ اَلْكُفّارُ اَلْمُخاطَبُونَ في قَوْلِهِ تَعالى: اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكم (لِتَرَتُّبِ) فَإنْ أعْرَضُوا (عَلَيْهِ)، ووَضَعَ اَلْمُظْهَرَ مَوْضِعَ اَلْمُضْمَرِ لِلْإشْعارِ بِتَصْمِيمِهِمْ عَلى اَلْكُفْرانِ والإيذانِ بِأنَّهم لا يَرْعَوُونَ مِمّا هم فِيهِ وأنَّها في اَلثّانِي لِلْجِنْسِ لِيَكُونَ اَلْمَعْنى لَيْسَ بِبِدْعٍ مِن هَذا اَلْإنْسانِ اَلْمَعْهُودِ اَلْإصْرارُ لِأنَّ هَذا اَلْجِنْسَ مَوْسُومٌ بِكُفْرانِ اَلنِّعَمِ فَيَكُونُ ذَمُّ اَلْمُطْلَقِ دَلِيلًا عَلى ذَمِّ اَلْمُقَيَّدِ، وفي اَلْكَشْفِ أنَّهُ أرادَ أنَّ اَلْإنْسانَ أيِ اَلْأوَّلَ لِلْجِنْسِ اَلصّالِحِ لِلْكُلِّ ولِلْبَعْضِ وإذا قامَ دَلِيلٌ عَلى إرادَةِ اَلْبَعْضِ تَعَيَّنَ وقَدْ قامَ لِما سَلَفَ أنَّ اَلْإصابَةَ في غَيْرِ اَلْمُجْرِمِينَ لِلْعِوَضِ? اَلْمُوَفّى ولَمْ يَذْهَبْ إلى أنَّ اللّامَ لِلْعَهْدِ وجَعَلَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَإنَّ الإنْسانَ كَفُورٌ﴾ لِلْجِنْسِ لِيَكُونَ تَعْلِيلًا لِلْمُقَيَّدِ بِطَرِيقِ اَلْأوْلى ومُطابِقًا لِما جاءَ في مَواضِعَ عَدِيدَةٍ مِنَ اَلْكِتابِ اَلْعَزِيزِ ولا بَأْسَ بِأنْ يُجْعَلَ إشارَةً إلى اَلسّالِفِ فَإنَّهُ لِلْجِنْسِ أيْضًا، ويَكُونُ في وضْعِ اَلْمُظْهَرِ مَوْضِعَ اَلْمُضْمَرِ اَلْفائِدَةُ اَلْمَذْكُورَةُ مِرارًا بَلْ هو أدَلُّ عَلى اَلْقانُونِ اَلْمُمَهَّدِ في اَلْأُصُولِ وبِكَوْنِ كِلَيْهِما لِلْجِنْسِ أقُولُ وإسْنادُ اَلْكُفْرانِ مَعَ أنَّهُ صِفَةُ اَلْكَفَرَةِ إلى اَلْجِنْسِ لِغَلَبَتِهِمْ فَهو مَجازٌ عَقْلِيٌّ حَيْثُ أسْنَدَ إلى اَلْجِنْسِ حالَ أغْلَبِ أفْرادِهِ لِمُلابَسَتِهِ اَلْأغْلَبِيَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يُعْتَبَرَ أغْلَبُ اَلْأفْرادِ عَيْنَ اَلْجِنْسِ لِغَلَبَتِهِمْ عَلى غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ اَلْمَجازُ لُغَوِيًّا، وكَذا يُقالُ في إسْنادِ اَلْفَرَحِ إذا كانَ بِمَعْنى اَلْبَطَرِ فَإنَّهُ أيْضًا مِن صِفاتِ اَلْكَفَرَةِ بَلْ إنْ كانَ أيْضًا بِمَعْناهُ اَلْمَعْرُوفِ وهو اِنْشِراحُ اَلصَّدْرِ بِلَذَّةٍ عاجِلَةٍ وأكْثَرُ ما يَكُونُ ذَلِكَ في اَللَّذّاتِ اَلْبَدَنِيَّةِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ فَإنَّهُ وإنْ لَمْ يَكُنْ مِن خَواصِّ اَلْكُفّارِ بَلْ يَكُونُ في اَلْمُؤْمِنِينَ أيْضًا اِضْطِرارًا أوْ شُكْرًا إلّا أنَّهُ لا يَعُمُّ جَمِيعَ أفْرادِ اَلْجِنْسِ وإنْ قُلْتَ بِعُمُومِهِ لَمْ تَحْتَجْ إلى ذَلِكَ كَما إذا فَسَّرْتَهُ بِالبَطَرِ عَلى إرادَةِ اَلْعَهْدِ في اَلْإنْسانِ، وإصابَةُ اَلسَّيِّئَةِ بِالذُّنُوبِ غَيْرُ عامَّةٍ لِلْأفْرادِ أيْضًا فَحالُ إسْنادِها يُعْلَمُ مِمّا ذَكَرْنا وتَصْدِيرُ اَلشَّرْطِيَّةِ اَلْأُولى بِإذا مَعَ إسْنادِ اَلْإذاقَةِ بِلَفْظِ اَلْماضِي إلى نُونِ اَلْعَظَمَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ إيصالَ اَلنِّعْمَةِ مُحَقَّقُ اَلْوُجُودِ كَثِيرُ اَلْوُقُوعِ وأنَّهُ مُرادٌ بِالذّاتِ مِنَ اَلْجَوادِ اَلْمُطْلَقِ سُبْحانَهُ وتَعالى كَما أنَّ تَصْدِيرَ اَلثّانِيَةِ بِإنَّ وإسْنادَ اَلْإصابَةِ بِلَفْظِ اَلْمُضارِعِ إلى اَلسَّيِّئَةِ وتَعْلِيلَها بِأعْمالِهِمْ لِلْإيذانِ بِنُدْرَةِ وُقُوعِها وأنَّها بِمَعْزِلٍ عَنِ اَلِانْتِظامِ في سَلْكِ اَلْإرادَةِ بِالذّاتِ والقَصْدِ اَلْأوْلى، وإقامَةُ عِلَّةِ اَلْجَزاءِ مَقامَ اَلْجَزاءِ مُبالَغَةٌ في ذَمِّهِمْ.
{"ayah":"فَإِنۡ أَعۡرَضُوا۟ فَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَیۡهِمۡ حَفِیظًاۖ إِنۡ عَلَیۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَإِنَّاۤ إِذَاۤ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحۡمَةࣰ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ كَفُورࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق