الباحث القرآني

﴿أوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿يُسْكِنِ﴾ أيْ أوْ يُهْلِكْهُنَّ بِإرْسالِ اَلرِّيحِ اَلْعاصِفَةِ اَلْمُغْرِقَةِ، والمُرادُ عَلى ما قالَ غَيْرُ واحِدٍ إهْلاكُ أهْلِها إمّا بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أوْ بِالتَّجَوُّزِ بِإطْلاقِ اَلْمَحَلِّ عَلى حالِهِ أوْ بِطْرِيقِ اَلْكِنايَةِ لِأنَّهُ يَلْزَمُ مِن إهْلاكِها إهْلاكُ مَن فِيها والقَرِينَةُ عَلى إرادَةِ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِما كَسَبُوا﴾ وأصْلُهُ أوْ يُرْسِلُها أيِ اَلرِّيحَ فَيُوبِقْهُنَّ لِأنَّهُ قَسِيمٌ يَسْكُنُ فاقْتَصَرَ فِيهِ عَلى اَلْمَقْصُودِ مِن إرْسالِها عاصِفَةً وهو إمّا إهْلاكُهم أوْ إنْجاؤُهُمُ اَلْمُرادُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ إذِ اَلْمَعْنى أوْ يُرْسِلُها فَيُوبِقْ ناسًا بِذُنُوبِهِمْ ويُنْجِ ناسًا عَلى طَرِيقِ اَلْعَفْوِ عَنْهم وبِهَذا ظَهَرَ وجْهُ جَزْمِ ”يَعْفُ“ لِأنَّهُ بِمَعْنى يُنْجِ مَعْطُوفٌ عَلى يُوبِقْ، ويُعْلَمُ وجْهُ عَطْفِهِ بِالواوِ لِأنَّهُ مُنْدَرِجٌ في اَلْقَسِيمِ وهو إرْسالُها عاصِفَةً، وعَلى هَذا اَلتَّفْسِيرِ تَكُونُ اَلْآيَةُ مُتَضَمِّنَةً لِإسْكانِها ولِإرْسالِها عاصِفَةً مَعَ اَلْإهْلاكِ والإنْجاءِ وإرْسالِها بِاعْتِدالٍ مَعْلُومٍ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ اَلْجَوارِي فَإنَّها اَلْمَطْلُوبُ اَلْأصْلِيُّ مِنها. وقالَ بَعْضُ اَلْأجِلَّةِ: اَلتَّحْقِيقُ أنَّ (يَعْفُ) عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: (يُسْكِنِ اَلرِّيحَ) إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: (بِما كَسَبُوا) ولِذا عَطَفَ بِالواوِ لا بِأوْ والمَعْنى إنْ يَشَأْ يُعاقِبْهم بِالإسْكانِ أوِ اَلْإعْصافِ وإنْ يَشَأْ يَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ. وجَوَّزَ بَعْضُهم حَمْلَ (يُوبِقْهُنَّ) عَلى ظاهِرِهِ لِأنَّ اَلسُّفُنَ مِن جُمْلَةِ أمْوالِهِمُ اَلَّتِي هَلاكُها والخَسارَةُ فِيها بِذُنُوبِهِمْ أيْضًا وجَعْلَ اَلْآيَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ﴾ . إلَخْ وقَرَأ اَلْأعْمَشُ (يَعْفُو) بِالواوِ اَلسّاكِنَةِ آخِرَهُ عَلى عَطْفِهِ عَلى مَجْمُوعِ اَلشَّرْطِ والجَوابِ دُونَ اَلْجَوابِ وحْدَهُ كَما في قِراءَةِ اَلْجَزْمِ، وعَنْ أهْلِ اَلْمَدِينَةِ أنَّهم قَرَءُوا (يَعْفُوَ) بِالواوِ اَلْمَفْتُوحَةِ عَلى أنَّهُ مَنصُوبٌ بِأنْ مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا بَعْدَ اَلْواوِ والعَطْفُ عَلى هَذِهِ اَلْقِراءَةِ عَلى مَصْدَرٍ مُتَصَيَّدٍ مِنَ اَلْكَلامِ اَلسّابِقِ كَأنَّهُ قِيلَ: يَقَعُ وهو مِنَ اَلْعَطْفِ عَلى اَلْمَعْنى وهَذا مَذْهَبُ اَلْبَصْرِيِّينَ في مِثْلِ ذَلِكَ وتُسَمّى هَذِهِ اَلْواوُ واوَ اَلصَّرْفِ لِصَرْفِها عَنْ عَطْفِ اَلْفِعْلِ اَلْمَجْزُومِ قَبْلَها إلى عَطْفِ مَصْدَرٍ عَلى مَصْدَرٍ، ومَذْهَبُ اَلْكُوفِيِّينَ أنَّ اَلْواوَ بِمَعْنى أنِ اَلْمَصْدَرِيَّةِ ناصِبَةً لِلْمُضارِعِ بِنَفْسِها. واخْتارَ اَلرَّضِيُّ أنَّ اَلْواوَ إمّا واوُ اَلْحالِ والمَصْدَرُ بَعْدَها مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُقَدَّرٌ والجُمْلَةُ حالِيَّةٌ أوْ واوُ اَلْمَعِيَّةِ ويُنْصَبُ بَعْدَها اَلْفِعْلُ لِقَصْدِ اَلدَّلالَةِ عَلى مَعِيَّةِ اَلْأفْعالِ كَما أنَّ اَلْواوَ في اَلْمَفْعُولِ مَعَهُ دالَّةٌ عَلى مُصاحَبَةِ اَلْأسْماءِ فَعُدِلَ بِهِ عَنِ (p-44)اَلظّاهِرِ لِيكُونَ نَصًّا في مَعْنى اَلْجَمْعِيَّةِ، والمَشْهُورُ اَلْيَوْمَ عَلى ألْسِنَةِ اَلْمُعْرِبِينَ مَذْهَبُ اَلْبَصْرِيِّينَ وعَلَيْهِ خَرَّجَ أبُو حَيّانَ اَلنَّصْبَ في هَذِهِ اَلْقِراءَةِ وكَذا خَرَّجَ غَيْرُ واحِدٍ ومِنهُمُ اَلزَّجّاجُ اَلنَّصْبَ في قَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب