الباحث القرآني
﴿ومِن آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ عَلى ما هُما عَلَيْهِ مِن تَعاجِيبِ اَلصَّنائِعِ فَإنَّها بِذاتِها وصِفاتِها تَدُلُّ عَلى شُؤُونِهِ تَعالى اَلْعَظِيمَةِ، ومَن لَهُ أدْنى إنْصافٍ وشُعُورٍ يَجْزِمُ بِاسْتِحالَةِ صُدُورِها مِنَ اَلطَّبِيعَةِ اَلْعَدِيمَةِ اَلشُّعُورِ.
﴿وما بَثَّ فِيهِما﴾ عَطْفٌ عَلى ﴿السَّماواتِ﴾ أيْ ومِن آياتِهِ خَلْقُ ما بَثَّ أوْ عَطْفٌ عَلى ﴿خَلْقُ﴾ أيْ ومِن آياتِهِ ما بَثَّ. وما تَحْتَمِلُ اَلْمَوْصُولِيَّةَ والمَصْدَرِيَّةَ والمَوْصُولِيَّةُ أظْهَرُ ولا حاجَةَ عَلَيْهِ إلى تَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ خَلْقُ اَلَّذِي بَثَّ خِلافًا لِأبِي حَيّانَ ﴿مِن دابَّةٍ﴾ أيْ حَيَوانٍ لَهُ دَبِيبٌ وحَرَكَةٌ، وظاهِرُ اَلْآيَةِ وُجُودُ ذَلِكَ في اَلسَّمَواتِ وفي اَلْأرْضِ وبِهِ قالَ مُجاهِدٌ وفَسَّرَ اَلدّابَّةَ بِالنّاسِ والمَلائِكَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلْمَلائِكَةِ مَشْيٌ مَعَ اَلطَّيَرانِ، واعْتَرَضَ ذَلِكَ اِبْنُ اَلْمُنِيرِ بِأنَّ إطْلاقَ اَلدّابَّةِ عَلى اَلْأناسِيِّ بَعِيدٌ في عُرْفِ اَللُّغَةِ فَكَيْفَ بِالمَلائِكَةِ وادَّعى أنَّ اَلْأصَحَّ كَوْنُ اَلدَّوابِّ في اَلْأرْضِ لا غَيْرُ وما في أحَدِ اَلشَّيْئَيْنِ يَصْدُقُ أنَّهُ فِيهِما في اَلْجُمْلَةِ، فالآيَةُ عَلى أُسْلُوبِ ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ وذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعالى في اَلْبَقَرَةِ: ﴿وبَثَّ فِيها مِن كُلِّ دابَّةٍ﴾ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى اِخْتِصاصِ اَلدَّوابِّ بِالأرْضِ لِأنَّ مُقامَ اَلْإطْنابِ يَقْتَضِي ذِكْرَهُ لَوْ كانَ لا لِلْعَمَلِ بِمَفْهُومِ اَللَّقَبِ اَلَّذِي لا يَقُولُ بِهِ اَلْجُمْهُورُ والجَوابُ أنَّ اَلَّتِي في اَلْبَقَرَةِ لَمّا كانَتْ كَلامًا مَعَ اَلْغَبِيِّ والفَهِمِ والمُسْتَرْشِدِ والمُعانِدِ جِيءَ فِيهِ بِما هو مَعْرُوفٌ عِنْدَ اَلْكُلِّ وهو بَثُّ اَلدَّوابِّ في اَلْأرْضِ وأمّا هَهُنا فَجِيءَ بِهِ مُدْمَجًا مُخْتَصَرًا لِما تَكَرَّرَ في اَلْقُرْآنِ ولا سِيَّما في هَذِهِ اَلسُّورَةِ مِن كَمالِ قُدْرَتِهِ عَلى كُلِّ مُمْكِنٍ فَقِيلَ: ﴿ومِن (p-40)آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَثَّ فِيهِما﴾ مُؤَثِّرًا عَلى لَفْظِ اَلْخَلْقِ لِيَدُلَّ عَلى اَلتَّكْثِيرِ اَلدّالِّ عَلى كَمالِ اَلْقُدْرَةِ وبُيِّنَ بُقُولِهِ تَعالى: ﴿مِن دابَّةٍ﴾ تَعْمِيمًا وتَغْلِيبًا لِغَيْرِ ذَوِي اَلْعِلْمِ في اَلسَّماوِيِّ والأرْضِيِّ تَحْقِيقًا لِلْمَخْلُوقِيَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ في صِحاحِ اَلْأحادِيثِ ما يَدُلُّ عَلى وُجُودِ اَلدَّوابِّ في اَلسَّماءِ مِن مَراكِبِ أهْلِ اَلْجَنَّةِ وغَيْرِها، وكَذَلِكَ ما يَدُلُّ عَلى وُجُودِ مَلائِكَةٍ كالأوْعالِ بَلْ لا يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ في كُلِّ سَماءٍ حَيَواناتٌ ومَخْلُوقاتٌ عَلى صُوَرٍ شَتّى وأحْوالٍ مُخْتَلِفَةٍ لا نَعْلَمُها ولَمْ يُذْكَرْ في اَلْأخْبارِ شَيْءٌ مِنها فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿ويَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ وأهْلُ اَلْأرْصادِ اَلْيَوْمَ يَتَراءى لَهم بِواسِطَةِ نَظّاراتِهِمْ مَخْلُوقاتٌ في جِرْمِ اَلْقَمَرِ لَكِنَّهم لَمْ يُحَقِّقُوا أمْرَها لِنَقْصِ ما في اَلْآلاتِ عَلى ما يَدَّعُونَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ فِيما عَدا اَلْقَمَرَ ونَفِيُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ اَلْمَعْلُومِ مِنَ اَلدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لِيَضُرَّ اَلْقَوْلُ بِهِ، وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِالسَّماواتِ جِهاتُ اَلْعُلُوِّ اَلْمُسامِتَةُ لِلْأقالِيمِ مَثَلًا وفي جَوِّ كُلٍّ قَلِيمٍ بَلْ كُلِّ بَلْدَةٍ بَلْ كُلِّ قِطْعَةٍ مِنَ اَلْأرْضِ حَيَواناتٌ لا يُحْصِي كَثْرَتَها إلّا اَللَّهُ تَعالى بَعْضُها يُحَسُّ بِها بِلا واسِطَةِ آلَةٍ وبَعْضُها بِواسِطَتِها، وقِيلَ: اَلْمُرادُ بِها اَلسُّحُبُ وفِيها مِنَ اَلْحَيَواناتِ ما فِيها وكُلُّ ذَلِكَ عَلى ما فِيهِ لا يَحْتاجُ إلَيْهِ، وكَذا لا يَحْتاجُ إلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِن أنَّ اَلْمُرادَ بِالدّابَّةِ اَلْحَيُّ مَجازًا إمّا مِنَ اِسْتِعْمالِ اَلْمُقَيَّدِ في اَلْمُطْلَقِ أوْ إطْلاقِ اَلشَّيْءِ عَلى لازِمِهِ أوِ اَلْمُسَبَّبِ عَلى سَبَبِهِ لِأنَّ اَلْحَياةَ سَبَبٌ لِلدَّبِيبِ وإنْ لَمْ تَكُنِ اَلدّابَّةُ سَبَبًا لِلْحَيِّ فَيَكُونُ مَجازًا مُرْسَلًا تَبَعِيًّا لِأنَّ اَلِاحْتِياجَ إلى ذَلِكَ عُدُولٌ عَنِ اَلظّاهِرِ ولا يُعْدَلُ عَنْهُ إلّا إذا دَلَّ دَلِيلٌ عَلى خِلافِهِ وأيْنَ ذَلِكَ اَلدَّلِيلُ؟ بَلْ هو قائِمٌ عَلى وُجُودِ اَلدَّوابِّ في اَلسَّماءِ كَما هي مَوْجُودَةٌ في اَلْأرْضِ.
﴿وهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ﴾ أيْ حَشْرِهِمْ بَعْدَ اَلْبَعْثِ لِلْمُحاسَبَةِ ﴿إذا يَشاءُ﴾ ذَلِكَ ﴿قَدِيرٌ﴾ تامُّ اَلْقُدْرَةِ كامِلُها، و(إذا) مُتَعَلِّقَةٌ بِما قَبْلَها لا بِقَدِيرٌ لِأنَّ اَلْمُقَيَّدَ بِالمَشِيئَةِ جَمْعُهُ تَعالى لا قُدْرَتُهُ سُبْحانَهُ وهي كَما تَدْخُلُ عَلى اَلْماضِي تَدْخُلُ عَلى اَلْمُضارِعِ، ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎وإذا ما أشاءُ أبْعَثُ مِنها آخِرَ اَللَّيْلِ ناشِطًا مَذْعُورًا
وقَوْلُ صاحِبِ اَلْكَشْفِ: لِقائِلٍ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ إذا وإذا ما اَلظّاهِرُ أنَّهُ لَيْسَ في مَحَلِّهِ وقَدْ نَصَّ اَلْخَفاجِيُّ عَلى عَدَمِ اَلْفَرْقِ وجَعَلَ اَلْقَوْلَ بِهِ تَوَهُّمًا، وكَذا نَصَّ عَلى أنَّها تَدْخُلُ عَلى اَلْفِعْلَيْنِ ظَرْفِيَّةً كانَتْ أوْ شَرْطِيَّةً، وقَيَّدَ ذَلِكَ اَلطَّيِّبِيُّ بِما إذا كانَتْ بِمَعْنى اَلْوَقْتِ كَما هُنا، وضَمِيرُ (جَمْعِهِمْ) قِيلَ لِلسَّمَواتِ والأرْضِ وما فِيهِما عَلى اَلتَّغْلِيبِ وهو كَما تَرى، وقِيلَ: لِلدَّوابِّ اَلْمَفْهُومِ مِمّا تَقَدَّمَ وضَمِيرُ اَلْعُقَلاءِ لِلتَّغْلِيبِ اَلْمُناسِبِ لِكَوْنِ اَلْجَمْعِ لِلْمُحاسَبَةِ، وقِيلَ: لِلنّاسِ اَلْمَعْلُومُ مِن ذَلِكَ ولَعَلَّهُ اَلْأوْلى
{"ayah":"وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِیهِمَا مِن دَاۤبَّةࣲۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمۡعِهِمۡ إِذَا یَشَاۤءُ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق