الباحث القرآني

﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ﴾ بَرٌّ بَلِيغُ اَلْبِرِّ بِهِمْ يَفِيضُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلى جَمِيعِهِمْ مِن صُنُوفِهِ ما لا يَبْلُغُهُ اَلْأفْهامُ ويُؤْذِنُ بِذَلِكَ مادَّةُ اَللُّطْفِ وصِيغَةُ اَلْمُبالَغَةِ فِيها وتَنْكِيرُها اَلدّالُّ عَلى اَلْمُبالَغَةِ بِحَسْبِ اَلْكَمِّيَّةِ والكَيْفِيَّةِ، قالَ حُجَّةُ اَلْإسْلامِ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ: إنَّما يَسْتَحِقُّ هَذا اَلِاسْمَ مَن يَعْلَمُ دَقائِقَ اَلْمَصالِحِ وغَوامِضَها وما دَقَّ مِنها ولَطُفَ ثُمَّ يَسْلُكُ في إيصالِها إلى اَلْمُسْتَصْلَحِ سَبِيلَ اَلرِّفْقِ دُونَ اَلْعُنْفِ فَإذا اِجْتَمَعَ اَلرِّفْقُ في اَلْفِعْلِ واللُّطْفُ في اَلْإدْراكِ تَمَّ مَعْنى اَللَّطِيفِ ولا يُتَصَوَّرُ كَمالُ ذَلِكَ إلّا في اَللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ، فَصُنُوفُ اَلْبِرِّ مِنَ اَلْمُبالَغَةِ في اَلْكَمِّ، وكَوْنُها لا تَبْلُغُها اَلْأفْهامُ مِنَ اَلْمادَّةِ (p-27)والمُبالَغَةِ في اَلْكَيْفِيَّةِ لِأنَّهُ إذا دَقَّ جِدًّا كانَ أخْفى وأخْفى، وإرادَةُ اَلْجَمِيعِ مِن إضافَةِ اَلْعِبادِ وهو جَمْعٌ إلى ضَمِيرِهِ تَعالى فَيُفِيدُ اَلشُّمُولَ والِاسْتِغْراقَ، وبِالعُمُومِ قالَ مُقاتِلٌ إلّا أنَّهُ قالَ: لَطِيفٌ بِالبَرِّ والفاجِرِ حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْهم جُوعًا. وقالَ أبُو حَيّانَ: لَطِيفٌ بِعِبادِهِ أيْ بَرٌّ بِعِبادِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ ومَن سَبَقَ لَهُ اَلْخُلُودُ في اَلْجَنَّةِ وما يُرى مِنَ اَلنِّعَمِ عَلى اَلْكافِرِ فَلَيْسَ بِلُطْفٍ إنَّما هو إمْلاءٌ إلّا ما آلَ إلى رَحْمَةٍ ووَفاةٍ عَلى اَلْإسْلامِ، وحَكى اَلطَّيِّبِيُّ هَذا اَلتَّخْصِيصَ عَنِ اَلْواحِدِيِّ ومالَ إلى تَرْجِيحِهِ وذَلِكَ أنَّهُ اِدَّعى أنَّ اَلْإضافَةَ في (عِبادِهِ) إضافَةُ تَشْرِيفٍ إذْ أكْثَرُ اِسْتِعْمالِ اَلتَّنْزِيلِ اَلْجَلِيلِ في مِثْلِ ذَلِكَ فَيَخْتَصُّ اَلْعِبادَ بِأوْلِيائِهِ تَعالى اَلْمُؤْمِنِينَ، وحَمَلَ اَللُّطْفَ عَلى مَنحِ اَلْهِدايَةِ وتَوْفِيقِ اَلطّاعَةِ وعَلى اَلْكِمالاتِ اَلْأُخْرَوِيَّةِ والكَراماتِ اَلسَّنِيَّةِ، وحَمَلَ اَلرِّزْقَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَرْزُقُ مَن يَشاءُ﴾ عَلَيْهِ أيْضًا وقالَ: إنَّ اِسْتِعْمالَهُ فِيما ذُكِرَ كاسْتِعْمالِهِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ واللَّهُ يَرْزُقُ مِن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ . وجَعَلَ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿وهُوَ القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ مُؤْذِنًا بِالتَّعْلِيلِ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّما تَلَطَّفَ جَلَّ شَأْنُهُ في حَقِّ عِبادِهِ اَلْمُؤْمِنِينَ دُونَ مَن غَضِبَ عَلَيْهِمْ بِمَحْضِ مَشِيئَتِهِ سُبْحانَهُ لِأنَّهُ تَعالى قَوِيٌّ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْتَصَّ بِرَحْمَتِهِ وكَرامَتِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ عَزِيزٌ غالِبٌ لا يَمْنَعُهُ سُبْحانَهُ عَمّا يُرِيدُهُ أحَدٌ، وادَّعى أنَّهُ يَكُونُ وِزانُ اَلْآيَةِ عَلى هَذا مَعَ قَوْلِهِ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب