الباحث القرآني

﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ﴾ إلى آخِرِهِ حِكايَةٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أيْ ما خالَفَكُمُ اَلْكُفّارُ فِيهِ مِن أُمُورِ اَلدِّينِ كاِتِّخاذِ اَللَّهِ تَعالى وحْدَهُ ولِيًّا فاخْتَلَفْتُمْ أنْتُمْ وهم ﴿فَحُكْمُهُ﴾ راجِعٌ ﴿إلى اللَّهِ﴾ وهو إثابَةُ اَلْمُحِقِّينَ وعِقابُ اَلْمُبْطِلِينَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ كَلامًا مِن جِهَتِهِ تَعالى مُتَضَمِّنًا اَلتَّسْلِيَةَ ويَكُونُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكُمُ﴾ إلَخْ بِتَقْدِيرِ قُلْ، والإمامُ اِعْتَبَرَهُ مِن أوَّلِ اَلْكَلامِ، وأيًّا ما كانَ فالإشارَةُ إلَيْهِ تَعالى مِن حَيْثُ اِتِّصافِهِ بِما تَقَدَّمَ مِنَ اَلصِّفاتِ عَلى ما قالَهُ اَلطَّيِّبِيُّ مِن كَوْنِهِ تَعالى هو يُحْيِي اَلْمَوْتى وكَوْنِهِ سُبْحانَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وكَوْنِهِ عَزَّ وجَلَّ ما اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَحُكْمُهُ إلَيْهِ، وقالَ في اَلْإرْشادِ: أيْ ذَلِكُمُ اَلْحاكِمُ اَلْعَظِيمُ اَلشَّأْنِ ﴿اللَّهُ رَبِّي﴾ مالِكِي ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ في مَجامِعِ أُمُورِي خاصَّةً لا عَلى غَيْرِهِ ﴿وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أرْجِعُ في كُلِّ ما يُعْنَ لِي مِن مُعْضِلاتِ اَلْأُمُورِ لا إلى أحَدٍ سِواهُ وحَيْثُ كانَ اَلتَّوَكُّلُ أمْرًا واحِدًا مُسْتَمِرًّا والإنابَةُ مُتَعَدِّدَةً مُتَجَدِّدَةً حَسْبَ تَجَدُّدِ مَوادِّها أُوثِرَ في اَلْأوَّلِ صِيغَةُ اَلْماضِي وفي اَلثّانِي صِيغَةُ اَلْمُضارِعِ، وقِيلَ: وما اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ وتَنازَعْتُمْ مِن شَيْءٍ مِنَ اَلْخُصُوماتِ فَتَحاكَمُوا فِيهِ إلى رَسُولِ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولا تُؤْثِرُوا عَلى حُكُومَتِهِ حُكُومَةَ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ . وقِيلَ: وما اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ مِن تَأْوِيلِ آيَةٍ واشْتَبَهَ عَلَيْكم فارْجِعُوا في بَيانِهِ إلى اَلْمُحْكَمِ مِن كِتابِ اَللَّهِ تَعالى والظّاهِرِ مِن سُنَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقِيلَ: وما وقَعَ بَيْنَكُمُ اَلْخِلافُ فِيهِ مِنَ اَلْعُلُومِ اَلَّتِي لا تَتَعَلَّقُ بِتَكْلِيفِكم ولا طَرِيقَ لَكم إلى عِلْمِهِ فَقُولُوا اَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ كَمَعْرِفَةِ اَلرُّوحِ وأوْرَدَ عَلى اَلْكُلِّ أنَّهُ مُخالِفٌ لِلسِّياقِ لِأنَّ اَلْكَلامَ مَسُوقٌ لِلْمُشْرِكِينَ وهو عَلى ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالمُؤْمِنِينَ، وظاهِرُ كَلامِ اَلْإمامِ اِخْتِيارُ اَلِاخْتِصاصِ فَإنَّهُ قالَ في وجْهِ اَلنَّظْمِ اَلْكَرِيمِ: إنَّهُ تَعالى كَما مَنَعَ رَسُولَهُ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنْ يَحْمِلَ اَلْكُفّارَ عَلى اَلْإيمانِ كَذَلِكَ مَنَعَ اَلْمُؤْمِنِينَ أنْ يَشْرَعُوا مَعَهُ في اَلْخُصُوماتِ والمُنازَعاتِ، وذَكَرَ أنَّهُ اِحْتَجَّ نُفاةُ اَلْقِياسِ بِهِ فَقالُوا إمّا أنْ يَكُونَ اَلْمُرادُ مِنهُ وما اِخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ مُسْتَفادٌ مِن نَصِّ اَللَّهِ تَعالى أوْ مِنَ اَلْقِياسِ عَلى ما نَصَّ سُبْحانَهُ عَلَيْهِ والثّانِي باطِلٌ لِأنَّهُ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ كُلُّ اَلْأحْكامِ مَبْنِيَّةً عَلى اَلْقِياسِ فَتَعَيَّنَ اَلْأوَّلُ، ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: لِمَ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اَلْمُرادُ فَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ مِن بَيانِ اَللَّهِ تَعالى سَواءٌ كانَ ذَلِكَ اَلْبَيانُ بِالنَّصِّ أوْ بِالقِياسِ، وأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّ اَلْمَقْصُودَ مِنَ اَلتَّحاكُمِ إلى اَللَّهِ تَعالى قَطْعُ اَلِاخْتِلافِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ﴾ والرُّجُوعُ إلى اَلْقِياسِ مِمّا يُقَوِّي اَلِاخْتِلافَ فَوَجَبَ اَلرُّجُوعُ إلى اَلنُّصُوصِ اهـ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ اَلنُّصُوصَ غَيْرُ كافِيَةٍ في جَمِيعِ اَلْأحْكامِ وأنَّ اَلْآيَةَ عَلى ما سَمِعْتَ أوَّلًا ما لا يَكادُ يَصِحُّ اَلِاسْتِدْلالُ بِها عَلى هَذا اَلْمَطْلَبِ مِن أوَّلِ اَلْأمْرِ. وفي اَلْكَشّافِ لا يَجُوزُ حَمْلُ اَلِاخْتِلافِ فِيها عَلى اِخْتِلافِ اَلْمُجْتَهِدِينَ في أحْكامِ اَلشَّرِيعَةِ لِأنَّ اَلِاجْتِهادَ لا يَجُوزُ بِحَضْرَةِ اَلرَّسُولِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ولا يَخْفى عَلَيْكَ أنْ هَذِهِ اَلْمَسْألَةَ مُخْتَلَفٌ فِيها فَقالَ اَلْأكْثَرُونَ بِجَوازِ اَلِاجْتِهادِ اَلْمَذْكُورِ عَقْلًا ومِنهم مَن أحالَهُ، ثُمَّ اَلْمُجَوِّزُونَ مِنهم مَن مَنَعَ وُقُوعَ اَلتَّعَبُّدِ بِهِ وهو مَذْهَبُ أبِي عَلِيٍّ. وابْنِهِ أبِي هاشِمٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ صاحِبُ اَلْكَشّافِ وذِكْرُ ما يُخالِفُهُ نَقْلٌ لِمَذْهَبِ اَلْغَيْرِ وإنْ لَمْ يَعْقُبْهُ بِرَدٍّ كَما هو عادَتُهُ (p-17)فِي اَلْأكْثَرِ ومِنهم مَنِ اِدَّعى اَلْوُقُوعَ ظَنًّا ومِنهم مَن جَزَمَ بِالوُقُوعِ، وقِيلَ: إنَّهُ اَلْأصَحُّ عِنْدَ اَلْأُصُولِيِّينَ ومِنهم مَن تَوَقَّفَ، والبَحْثُ فِيها مُسْتَوْفًى في أُصُولِ اَلْفِقْهِ، واَلَّذِي نَقُولُهُ هُنا: إنَّ اَلِاسْتِدْلالَ بِالآيَةِ عَلى مَنعِهِ لا يَكادُ يَتِمُّ وأقَلُّ ما يُقالُ فِيهِ: إنَّهُ اِسْتِدْلالٌ بِما فِيهِ اِحْتِمالٌ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب