الباحث القرآني
قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ألا إنَّهم في مِرْيَةٍ مِن لِقاءِ رَبِّهِمْ﴾ أيْ في شَكٍّ عَظِيمٍ مِن ذَلِكَ بِالبَعْثِ لِاسْتِبْعادِهِمْ إعادَةَ اَلْمَوْتى بَعْدَ تَبَدُّدِ أجْزائِهِمْ وتَفَرُّقِ أعْضائِهِمْ فَلا يَلْتَفِتُونَ إلى أدِلَّةِ ما يَنْفَعُهم عِنْدَ لِقائِهِ تَعالى كَحَقِّيَةِ اَلْقُرْآنِ لِأنَّهُ صَرِيحٌ في أنَّ عَدَمَ اَلْكِفايَةِ مُعْتَبَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿ألا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ لِبَيانِ ما يَتَرَتَّبُ عَلى تِلْكَ اَلْمِرْيَةِ بِناءً عَلى أنَّ اَلْمَعْنى أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِجَمِيعِ اَلْأشْياءِ عَلى أكْمَلِ وجْهٍ فَلا يَخْفى عَلَيْهِ جَلَّ وعَلا خافِيَةٌ مِنهم فَيُجازِيهِمْ جَلَّ جَلالُهُ عَلى كُفْرِهِمْ ومِرْيَتِهِمْ لا مَحالَةَ.
وقِيلَ: دَفَعَ لِمِرْيَتِهِمْ وشَكِّهِمْ في اَلْبَعْثِ وإعادَةِ ما تَفَرَّقَ واخْتَلَطَ مِمّا يَتَوَهَّمُونَ عَدَمَ إمْكانِ تَمْيِيزِهِ أيْ أنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِجُمَلِ اَلْأشْياءِ وتَفاصِيلِها مُقْتَدِرٌ عَلَيْها لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنها فَهو سُبْحانَهُ يَعْلَمُ اَلْأجْزاءَ ويَقْدِرُ عَلى اَلْبَعْثِ.
هَذا وما ذَكَرَ في تَفْسِيرِ ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ﴾ في مَعْنى ما رُوِيَ عَنِ اَلْحَسَنِ ومُجاهِدٍ والسُّدِّيِّ وأبِي اَلْمُنْهالِ وجَماعَةٍ قالُوا: إنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾ إلَخْ وعِيدٌ لِلْكُفّارِ بِما يَفْتَحُهُ اَللَّهُ تَعالى عَلى رَسُولِهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ اَلْأقْطارِ حَوْلَ مَكَّةَ وفي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اَلْأرْضِ كَخَيْبَرَ وأرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ”في أنْفُسِهِمْ“ فَتْحَ مَكَّةَ، وقالَ اَلضَّحّاكُ وقَتادَةُ: في اَلْآفاقِ ما أصابَ اَلْأُمَمَ اَلْمُكَذِّبَةَ في أقْطارِ اَلْأرْضِ قَدِيمًا وفي أنْفُسِهِمْ ما كانَ يَوْمَ بَدْرٍ فَإنَّ في ذَلِكَ دَلالَةً عَلى نُصْرَةِ مَن جاءَ بِالحَقِّ وكُذِّبَ مِنَ اَلْأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ فَيَدُلُّ عَلى حَقِّيَةِ اَلنَّبِيِّ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وما جاءَ بِهِ مِنَ اَلْقُرْآنِ. وأوْرَدَ عَلَيْهِ أنَّ ﴿سَنُرِيهِمْ﴾ يَأْبى كَوْنَ ما في اَلْآفاقِ ما أصابَ اَلْأُمَمَ اَلْمُكَذِّبَةَ لِكَوْنِهِ مَرْئِيًّا لَهم قَبْلُ. وقالَ عَطاءٌ وابْنُ زَيْدٍ: إنَّ مَعْنى ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ﴾ أيْ أقْطارِ اَلسَّماءِ والأرْضِ مِنَ اَلشَّمْسِ والقَمَرِ وسائِرِ اَلْكَواكِبِ والرِّياحِ والجِبالِ اَلشّامِخَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ وفي أنْفُسِهِمْ مِن لَطِيفِ اَلصَّنْعَةِ وبَدِيعِ اَلْحِكْمَةِ، وضَعَّفَ ذَلِكَ اَلْإمامُ بِنَحْوِ ما سَمِعْتَ آنِفًا. وأُجِيبَ بِأنَّ اَلْقَوْمَ وإنْ كانُوا قَدْ رَأوْا تِلْكَ اَلْآياتِ إلّا أنَّ اَلْعَجائِبَ اَلَّتِي أوْدَعَها اَللَّهُ تَعالى فِيها مِمّا لا نِهايَةَ لَها فَهو سُبْحانَهُ يُطْلِعُهم عَلَيْها زَمانًا قَرِيبًا حالًا فَحالًا فَإنَّ كُلَّ أحَدٍ يُشاهِدُ بِنْيَةَ اَلْإنْسانِ إلّا أنَّ اَلْعَجائِبَ اَلْمُودَعَةَ في تَرْكِيبِها لا تُحْصى وأكْثَرُ اَلنّاسِ غافِلُونَ عَنْها فَمَن حَمَلَ عَلى اَلتَّفْكِيرِ فِيها بِالقَوارِعِ اَلتَّنْزِيلِيَّةِ والتَّنْبِيهاتِ اَلْإلَهِيَّةِ كُلَّما اِزْدادَ تَفَكُّرًا اِزْدادَ وُقُوفًا فَصَحَّ مَعْنى اَلِاسْتِقْبالِ.
واخْتارَ ذَلِكَ صاحِبُ اَلْكَشْفِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وبَيَّنَ وجْهَ مُناسَبَةِ اَلْآياتِ لِما قَبْلَها عَلَيْهِ، وجَعَلَ ضَمِيرَ ﴿أنَّهُ الحَقُّ﴾ لِلَّهِ (p-8)عَزَّ وجَلَّ فَقالَ: إنَّ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ إشْعارًا بِأنَّ كَوْنَهُ مِن عِنْدِهِ سُبْحانَهُ يُنافِي اَلْكُفْرَ بِهِ وأنَّهم مُسَلِّمُونَ ذَلِكَ لَكِنْ يَطْعَنُونَ في كَوْنِهِ مِن عِنْدِهِ عَزَّ وجَلَّ ولِذا جَعَلَ نَحْوَ ﴿أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ في جَوابِ قَوْلِهِمْ ﴿ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ أنَّهُ إعْراضٌ عَنْ كَوْنِهِ مُنْزَلًا وجَوابٌ بِأنَّهُ أساطِيرُ لا مُنْزَلٌ فَأُرِيدَ أنْ يُبَيِّنَ إثْباتَ كَوْنِهِ حَقًّا مِن عِنْدِهِ تَعالى عَلى سَبِيلِ اَلْكِنايَةِ لِيَكُونَ أوْصَلَ إلى اَلْغَرَضِ ويُناسِبَ ما بُنِيَ عَلَيْهِ اَلْكَلامُ مِن سُلُوكِ طَرِيقِ اَلْإنْصافِ فَقِيلَ: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾ أيْ سَيُرِي اَللَّهُ تَعالى، والِالتِفاتُ لِلدَّلالَةِ عَلى زِيادَةِ اَلِاخْتِصاصِ وتَحْقِيقِ ثُبُوتِ اَلْإراءَةِ ثُمَّ قِيلَ: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ﴾ أيْ أنَّ اَللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ هو اَلْحَقُّ مِن كُلِّ وجْهٍ ذاتًا وصِفَةً وقَوْلًا وفِعْلًا وما سِواهُ باطِلٌ مِن كُلِّ وجْهٍ لا حَقَّ إلّا هو سُبْحانَهُ وإذا تَبَيَّنَ لَهم حَقِّيَّتَهُ عَزَّ شَأْنُهُ مِن كُلِّ وجْهٍ يَلْزَمُ ثُبُوتُ اَلْقُرْآنِ وكَوْنُهُ مِن عِنْدِهِ تَعالى بِالضَّرُورَةِ، ثُمَّ قِيلَ: أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أيْ أوَلَمْ يَكْفِكَ شُهُودُهُ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ فَمِنهُ سُبْحانَهُ تَشْهَدُ كُلَّ شَيْءٍ لا مِن آياتِ اَلْآفاقِ والأنْفُسِ تَشْهَدُهُ تَعالى فالأوَّلُ اِسْتِدْلالٌ بِالأثَرِ عَلى اَلْمُؤَثِّرِ والثّانِي مِنَ اَلْمُؤَثِّرِ عَلى اَلْأثَرِ وهَذا هو اَللَّمِّي اَلْعَيْنِيُّ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِرَبِّكَ﴾ مُضافًا إلى ضَمِيرِهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وإيثارِهِ عَلى أوَلَمْ يَكْفِ بِهِ إشْعارٌ بِأنَّهُ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ وأتْباعَهُ مِن كُلِّ اَلْعارِفِينَ هُمُ اَلَّذِينَ يَكْفِيهِمْ شُهُودُهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ دَلِيلًا وأنَّ ذَلِكَ لَهم نَفْسُ عِنايَتِهِ تَعالى وتَرْبِيَتِهِ مِن دُونِ مَدْخَلٍ لِتَعَلُّمِهِمْ فِيهِ بِخِلافِ اَلْأوَّلِ، ثُمَّ قِيلَ: ﴿ألا إنَّهم في مِرْيَةٍ مِن لِقاءِ رَبِّهِمْ﴾ فَلِهَذا لا يَكْفِيهِمْ أنَّهُ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ لِأنَّهُ لا شُهُودَ لَهم لِيَشْهَدُوا شُهُودَهُ تَعالى فَهو شامِلٌ لِفَرِيقَيِ اَلْأبْرارِ والكُفّارِ، أمّا اَلْكُفّارُ فَلِأنَّهم في شَكٍّ في اَلْأصْلِ، وأمّا اَلْأبْرارُ فَلِأنَّهم في شَكٍّ مِنَ اَلشُّهُودِ أيْ لا عِلْمَ لَهم بِهِ إلّا إيمانًا مُتَمَحِّضًا عَنِ اَلتَّقْلِيدِ.
وإطْلاقُ اَلْمِرْيَةِ لِلتَّغْلِيبِ ولا يَخْفى حُسْنُ مَوْقِعِهِ، ثُمَّ قِيلَ: ﴿ألا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ تَتْمِيمًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾ لِأنَّ مَن أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وقُدْرَةً لَمْ يَتَخَلَّفْ شَيْءٌ عَنْ شُهُودِهِ فَمَن شَهِدَهُ شَهِدَ كُلَّ شَيْءٍ فَهَذا هو اَلْوَجْهُ في تَعْمِيمِ اَلْآياتِ مِن غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَها بِالفُتُوحِ وهو أنْسَبُ مِن قَوْلِ اَلْحَسَنِ. ومُجاهِدٍ وأجْرى عَلى قَواعِدِ اَلصُّوفِيَّةِ وعُلَماءِ اَلْأُصُولِ رَحْمَةُ اَللَّهِ تَعالى عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ اِنْتَهى، وقَدِ ابْعَدَ عَلَيْهِ اَلرَّحْمَةُ اَلْمَغْزى وتَكَلَّفَ ما تَكَلَّفَ، ونَقَلَ اَلْعارِفُ اَلْجامِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ في نَفَحاتِهِ عَنِ اَلْقاشانِيِّ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾ إلَخْ يَدُلُّ عَلى وحْدَةِ اَلْوُجُودِ، وقَدْ رَأيْتُ في بَعْضِ كُتُبِ اَلْقَوْمِ اَلِاسْتِدْلالَ بِهِ عَلى ذَلِكَ وجَعْلَ ضَمِيرِ ﴿أنَّهُ الحَقُّ﴾ إلى اَلْمَرْئِيِّ وتَفْسِيرَ ﴿الحَقُّ﴾ بِاَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ومِن هَذا ونَحْوِهِ قالَ اَلشَّيْخُ اَلْأكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ: سُبْحانَ مَن أظْهَرَ اَلْأشْياءَ وهو عَيْنُها وهَذِهِ اَلْوَحْدَةُ هي اَلَّتِي حارَتْ فِيها اَلْأفْهامُ وخَرَجَتْ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ أمْرِها رِقابٌ مِن رِبْقَةِ اَلْإسْلامِ، ولِلشَّيْخِ إبْراهِيمَ اَلْكُورانِيِّ قُدِّسَ سِرُّهُ اَلنُّورانِيُّ عِدَّةُ رَسائِلَ في تَحْقِيقِ اَلْحَقِّ فِيها وتَشْيِيدِ مَبانِيها نَسْألُ اَللَّهَ تَعالى أنْ يَمُنَّ عَلَيْنا بِصَحِيحِ اَلشُّهُودِ ويَحْفَظَنا بِجُودِهِ عَمّا عَلِقَ بِأذْهانِ اَلْمَلاحِدَةِ مِن وحْدَةِ اَلْوُجُودِ، وقُرِئَ (إنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ عَلى إضْمارِ اَلْقَوْلِ، وقَرَأ اَلسِّلْمِيُّ. والحَسَنُ (فِي مُرْيَةٍ) بِضَمِّ اَلْمِيمِ وهي لُغَةٌ فِيها كالكَسْرِ ونَحْوُها خُفْيَةً بِضَمِّ اَلْخاءِ وكَسْرِها والكَسْرُ أشْهَرُ لِمُناسَبَةِ اَلْياءِ.
* * *
ومِن كَلِماتِ اَلْقَوْمِ في اَلْآياتِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ أجْرَ اَلْمُؤْمِنِ اَلْغَيْرِ اَلْعامِلِ مَمْنُونٌ أيْ مَنقُوصٌ بِالنِّسْبَةِ إلى أجْرِ اَلْمُؤْمِنِ اَلْعامِلِ وأجْرُ هَذا اَلْعامِلِ عَلى اَلْأعْمالِ اَلْبَدَنِيَّةِ كالصَّلاةِ والحَجِّ اَلْجَنَّةُ، وعَلى اَلْأعْمالِ اَلْقَلْبِيَّةِ كالرِّضا والتَّوَكُّلِ اَلشَّوْقُ والمَحَبَّةُ وصِدْقُ اَلطَّلَبِ، وعَلى اَلْأعْمالِ اَلرُّوحانِيَّةِ كالتَّوَجُّهِ إلى اَللَّهِ تَعالى كَشْفُ اَلْأسْرارِ وشُهُودُ اَلْمَعانِي والِاسْتِئْناسُ بِاَللَّهِ تَعالى والِاسْتِيحاشُ مِنَ اَلْخَلْقِ والكَراماتُ، وعَلى أعْمالِ اَلْأسْرارِ كالإعْراضِ عَنِ اَلسِّوى بِالكُلِّيَّةِ دَوامُ اَلتَّجَلِّي ﴿قُلْ أإنَّكم لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ﴾ (p-9)أيْ أرْضَ اَلْبَشَرِيَّةِ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ يَوْمَيِ اَلْهَوى والطَّبِيعَةِ ﴿وتَجْعَلُونَ لَهُ أنْدادًا﴾ مِنَ اَلْهَوى والطَّبِيعَةِ ﴿وجَعَلَ فِيها رَواسِيَ﴾ اَلْعُقُولَ اَلْإنْسانِيَّةَ ﴿وبارَكَ فِيها﴾ بِالحَواسِّ اَلْخَمْسِ ﴿وقَدَّرَ فِيها﴾ أقْواتَها مِنَ اَلْقُوى اَلْبَشَرِيَّةِ ﴿ثُمَّ اسْتَوى إلى السَّماءِ﴾ سَماءِ اَلْقَلْبِ ﴿وهِيَ دُخانٌ﴾ هَيُولى إلَهِيَّةٌ ﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ هي اَلْأطْوارُ اَلسَّبْعَةُ لِلْقَلْبِ فالأوَّلُ مَحَلُّ اَلْوَسْوَسَةِ والثّانِي مَظْهَرُ اَلْهَواجِسِ والثّالِثُ مَعْدِنُ اَلرُّؤْيَةِ ويُسَمّى اَلْفُؤادَ والرّابِعُ مَنبَعُ اَلْحِكْمَةِ ويُسَمّى اَلْقَلْبَ والخامِسُ مِرْآةُ اَلْغَيْبِ ويُسَمّى اَلسُّوَيْداءَ والسّادِسُ مَثْوى اَلْمَحَبَّةِ ويُسَمّى اَلشَّغافَ والسّابِعُ مَوْرِدُ اَلتَّجَلِّي ومَرْكَزُ اَلْأسْرارِ ومَهْبِطُ اَلْأنْوارِ ويُسَمّى اَلْحَبَّةَ ﴿فِي يَوْمَيْنِ﴾ يَوْمَيِ اَلرُّوحِ اَلْإنْسانِيِّ والإلْهامِ ﴿وزَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ﴾ وهي أنْوارُ اَلْأذْكارِ والطّاعاتِ ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ﴾ يَوْمَ خُوطِبُوا بِألَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ﴿ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ عَلى إقْرارِهِمْ لَمّا خَرَجُوا إلى عالَمِ اَلصُّوَرِ ولَمْ يَنْحَرِفُوا عَنْ ذَلِكَ كالمُنافِقِينَ والكافِرِينَ، وذَلِكَ أنَّ اَلِاسْتِقامَةَ مُتَفاوِتَةٌ فاسْتِقامَةُ اَلْعَوامِّ في اَلظّاهِرِ بِالأوامِرِ والنَّواهِي وفي اَلْباطِنِ بِالإيمانِ واسْتِقامَةُ اَلْخَواصِّ في اَلظّاهِرِ بِالرَّغْبَةِ عَنِ اَلدُّنْيا وفي اَلْباطِنِ بِالرَّغْبَةِ عَنِ اَلْجِنانِ شَوْقًا إلى اَلرَّحْمَنِ واسْتِقامَةُ خَواصِّ اَلْخَواصِّ في اَلظّاهِرِ بِرِعايَةِ حُقُوقِ اَلْمُبايَعَةِ بِتَسْلِيمِ اَلنَّفْسِ والمالِ وفي اَلْباطِنِ بِالفَناءِ والبَقاءِ ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ﴾ تَنَزُّلًا مُتَفاوِتًا حَسْبَ تَفاوُتِ مَراتِبِهِمْ، وعَنْ بَعْضِ أئِمَّةِ أهْلِ اَلْبَيْتِ أنَّ اَلْمَلائِكَةَ لَتُزاحُمِنا بِالرَّكْبِ أوْ ما هَذا مَعْناهُ ﴿وأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ هي أيْضًا مُتَفاوِتَةٌ فَمِنهم مَن يُبَشَّرُ بِالجَنَّةِ اَلْمَعْرُوفَةِ ومِنهم مَن يُبَشَّرُ بِجَنَّةِ اَلْوِصالِ ورُؤْيَةِ اَلْمَلِكِ اَلْمُتَعالِ ﴿ومَن أحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعا إلى اللَّهِ﴾ بِتَرْكِ ما سِواهُ ﴿وعَمِلَ صالِحًا﴾ لِئَلّا يُخالِفَ حالُهُ قالَهُ ﴿وقالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ اَلْمُنْقادِينَ لِحُكْمِهِ تَعالى اَلرّاضِينَ بِقَضائِهِ وقَدَرِهِ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى صِفاتِ اَلشَّيْخِ اَلْمُرْشِدِ وما يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ويَحِقَّ أنْ يُقالَ في كَثِيرٍ مِنَ اَلْمُتَصَدِّينَ لِلْإرْشادِ في هَذا اَلزَّمانِ اَلْمُتَلاطِمَةِ أمْواجُهُ بِالفَسادِ:
؎خَلَتِ اَلرِّقاعُ مِنَ اَلرَّخاخِ وتَفَرْزَنَتْ فِيها اَلْبَيادِقْ
؎وتَصاهَلَتْ عَرَجُ اَلْحَمِيرِ ∗∗∗ وذاكَ مِن عَدَمِ اَلسَّوابِقْ
﴿ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ﴾ وهي اَلتَّوَجُّهُ إلى اَللَّهِ تَعالى بِصِدْقِ اَلطَّلَبِ وخُلُوصِ اَلْمُحِبَّةِ ﴿ولا السَّيِّئَةُ﴾ وهي طَلَبُ اَلسِّوى والرِّضا بِالدُّونِ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ وهي طَلَبُ اَللَّهِ تَعالى طَلَبَ ما سِواهُ سُبْحانَهُ ﴿فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ﴾ وهو اَلنَّفْسُ اَلْأمّارَةُ بِالسُّوءِ ﴿كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ لِتَزَكِّي اَلنَّفْسِ عَنْ صِفاتِها اَلذَّمِيمَةِ وانْفِطامِها عَنِ اَلْمُخالَفاتِ اَلْقَبِيحَةِ ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ﴾ لِتَمِيلَ إلى ما يَهْوى ﴿فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ وارْجِعْ إلَيْهِ سُبْحانَهُ لِئَلّا يُؤَثِّرُ فِيكَ نَزْغُهُ، وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي اَلْأمْنُ مِنَ اَلْمَكْرِ والغَفْلَةُ عَنِ اَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى سُوءِ اَلْمُنْكِرِينَ عَلى اَلْأوْلِياءِ فَإنَّهم مِن آياتِ اَللَّهِ تَعالى والإنْكارُ مِنَ اَلْإلْحادِ نَسْألُ اَللَّهَ تَعالى اَلْعَفْوَ والعافِيَةَ ﴿قُلْ هُوَ﴾ أيِ اَلْقُرْآنُ ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وشِفاءٌ﴾ عَلى حَسْبِ مَراتِبِهِمْ فَمِنهم مَن يَهْدِيهِ إلى شُهُودِ اَلْمَلِكِ اَلْعَلّامِ فَعَنِ اَلصّادِقِ عَلى آبائِهِ وعَلَيْهِ اَلسَّلامُ لَقَدْ تَجَلّى اَللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ لِعِبادِهِ ولَكِنْ لا يُبْصِرُونَ ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ﴾ فِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ اَلْخَلْقَ لا يَرَوْنَ اَلْآياتِ إلّا بِإراءَتِهِ عَزَّ وجَلَّ وهي كَشْفُ اَلْحُجُبِ لِيَظْهَرَ أنَّ اَلْأعْيانَ ما شَمَّتْ رائِحَةَ اَلْوُجُودِ ولا تَشُمُّهُ أبَدًا وأنَّهُ عَزَّ وجَلَّ هو اَلْأوَّلُ والآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ كانَ اَللَّهُ ولا شَيْءَ مَعَهُ وهو سُبْحانَهُ اَلْآنَ عَلى ما عَلَيْهِ كانَ وإلَيْهِ اَلْإشارَةُ عِنْدَهم بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ﴾ ومِن هُنا قالَ اَلشَّيْخُ اَلْأكْبَرُ قُدِّسَ سِرُّهُ:
؎ما آدَمُ في اَلْكَوْنِ ما إبْلِيسُ ∗∗∗ ما مُلْكُ سُلَيْمانَ وما بِلْقِيسُ
؎ (p-10)اَلْكُلُّ إشارَةٌ وأنْتَ اَلْمَعْنى ∗∗∗ يا مَن هو لِلْقُلُوبِ مِغْناطِيسُ
وأكْثَرُ كَلامِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ مِن هَذا اَلْقَبِيلِ بَلْ هو أُمُّ وحْدَةِ اَلْوُجُودِ وأبُوها وابْنُها وأخُوها، وإيّاكَ أنْ تَقُولَ كَما قالَ ذَلِكَ اَلْأجَلُّ حَتّى تَصِلَ بِتَوْفِيقِ اَللَّهِ تَعالى إلى ما إلَيْهِ وصَلَ واَللَّهُ عَزَّ وجَلَّ اَلْهادِي إلى سَواءِ اَلسَّبِيلِ، تَمَّ اَلْكَلامُ عَلى اَلسُّورَةِ والحَمْدُ لِلَّهِ عَلى جَزِيلِ نَعْمائِهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ مُظْهِرِ أسْمائِهِ وعَلى آلِهِ وأصْحابِهِ وسائِرِ أتْباعِهِ وأحِبّائِهِ وصَلاةً وسَلامًا باقِيَيْنِ إلى يَوْمِ لِقائِهِ.
{"ayah":"أَلَاۤ إِنَّهُمۡ فِی مِرۡیَةࣲ مِّن لِّقَاۤءِ رَبِّهِمۡۗ أَلَاۤ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَیۡءࣲ مُّحِیطُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











