الباحث القرآني
(p-6)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ﴾ إلَخْ مُرْتَبِطٌ عَلى ما اِخْتارَهُ صاحِبُ اَلْكَشّافِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ﴾ إلَخْ عَلى وجْهِ اَلتَّتْمِيمِ والإرْشادِ إلى ما ضُمِّنَ مِنَ اَلْحَثِّ عَلى اَلنَّظَرِ لِيُؤَدِّيَ إلى اَلْمَقْصُودِ فَيُهْدَوْا إلى إعْجازِهِ ويُؤْمِنُوا بِما جاءَ بِهِ ويَعْمَلُوا بِمُقْتَضاهُ ويَفُوزُوا كُلَّ اَلْفَوْزِ، وفَسَّرَ اَلْآياتِ بِما أجْرى اَللَّهُ تَعالى عَلى يَدَيْ نَبِيِّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعَلى أيْدِي خُلَفائِهِ وأصْحابِهِمْ رَضِيَ اَللَّهُ تَعالى عَنْهم مِنَ اَلْفُتُوحاتِ اَلدّالَّةِ عَلى قُوَّةِ اَلْإسْلامِ وأهْلِهِ ووَهَنِ اَلْباطِلِ وحِزْبِهِ، والآفاقُ اَلنَّواحِي اَلْواحِدُ أُفُقٌ بِضَمَّتَيْنِ وأفَقٌ بِفُتْحَتَيْنِ أيْ سَنُرِيهِمْ آياتِنا في اَلنَّواحِي عُمُومًا مِن مَشارِقِ اَلْأرْضِ ومَغارِبِها وشَمالِها وجَنُوبِها، وفِيهِ أنَّ هَذِهِ اَلْإرادَةَ كائِنَةٌ لا مَحالَةَ حَقٌّ لا يَحُومُ حَوْلَها رِيبَةٌ ﴿وفِي أنْفُسِهِمْ﴾ في بِلادِ اَلْعَرَبِ خُصُوصًا وهو مِن عَطْفِ جِبْرِيلَ عَلى مَلائِكَتِهِ، وفي اَلْعُدُولِ عَنْها إلى اَلْمَنزِلِ ما لا يَخْفى مِن تَمْكِينِ ذَلِكَ اَلنَّصْرِ وتَحْقِيقِ دَلالَتِهِ عَلى حَقِّيَةِ اَلْمَطْلُوبِ إثْباتُهُ وإظْهارِ أنَّ كَوْنَهُ آيَةً بِالنِّسْبَةِ إلى اَلْأنْفُسِ وإنْ كانَ كَوْنُهُ فَتْحًا بِالنِّسْبَةِ إلى اَلْأرْضِ والبَلْدَةِ ﴿حَتّى يَتَبَيَّنَ﴾ يَظْهَرَ ﴿لَهم أنَّهُ﴾ أيِ اَلْقُرْآنَ هو ﴿الحَقُّ﴾ اَلَّذِي لا يَأْتِيهِ اَلْباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ فَهو اَلْحَقُّ كُلُّهُ مِن عِنْدِ اَللَّهِ تَعالى اَلْمُطَّلِعِ عَلى كُلِّ غَيْبٍ وشَهادَةٍ فَلِهَذا نُصِرَ حامِلُوهُ وكانُوا مُحِقِّينَ، وفي اَلتَّعْرِيفِ مِنَ اَلْفَخامَةِ ما لا يَخْفى جَلالَةً وقَدْرًا، وفِيما ذَكَرَ إشارَةٌ إلى أنَّهُ تَعالى لا يَزالُ يُنْشِئُ فَتْحًا بَعْدَ فَتْحٍ وآيَةً غِبَّ آيَةٍ إلى أنْ يُظْهِرَهُ عَلى اَلدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ فانْظُرْ إلى هَذِهِ اَلْآيَةِ اَلْجامِعَةِ كَيْفَ دَلَّتْ عَلى حَقِّيَةِ اَلْقُرْآنِ عَلى وجْهٍ تَضَمَّنَ حَقِّيَةَ أهْلِهِ ونُصْرَتِهِمْ عَلى اَلْمُخالِفِينَ وأعْظِمْ بِذاكَ تَسَلِّيًا عَمّا أشْعَرَتْ بِهِ اَلْآيَةُ اَلسّابِقَةُ مِنَ اِنْهِماكِهِمْ في اَلْباطِلِ إلى حَدٍّ يُقَرِّبُ مِنَ اَلْيَأْسِ، وقِيلَ: اَلضَّمِيرُ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ اَلصَّلاةُ والسَّلامُ أوِ اَلدِّينِ أوِ اَلتَّوْحِيدِ ولَعَلَّ اَلْأوَّلَ أوْلى ﴿أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ﴾ اِسْتِئْنافٌ وارِدٌ لِتَوْبِيخِهِمْ عَلى إنْكارِهِمْ تَحَقُّقَ اَلْإرادَةِ.
والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ والواوُ عَلى أحَدِ اَلرَّأْيَيْنِ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ اَلْهَمْزَةُ يَقْتَضِيهِ اَلْمَقامُ والباءُ مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ و(رَبُّكَ) فاعِلُ كَفى وزِيادَةُ اَلْباءِ في فاعِلِها هو اَلْقَوْلُ اَلْمَشْهُورُ اَلْمَرْضِيُّ لِلنُّحاةِ وتُزادُ في فاعِلِ فِعْلِ اَلتَّعَجُّبِ أيْضًا نَحْوَ أحْسِنْ بِزَيْدٍ فَإنَّ أحْسِنْ فِعْلٌ ماضٍ جِيءَ بِهِ عَلى صِيغَةِ اَلْأمْرِ والباءُ زائِدَةٌ وزَيْدٌ فاعِلٌ عِنْدَ جَماعَةٍ مِنَ اَلنَّحْوِيِّينَ ولا تَكادُ تُزادُ في غَيْرِهِما، وقَوْلُهُ:
؎ألَمْ يَأْتِيكَ والأنْباءُ تُنْمى بِما لاقَتْ لُبُونُ بَنِي زِيادِ
شاذٌّ قَبِيحٌ عَلى ما قالَ اَلشِّهابُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ بَدَلٌ مِنَ اَلْفاعِلِ بَدَلُ اِشْتِمالٍ، وقِيلَ: هو بِتَقْدِيرِ حَرْفِ اَلْجَرِّ أيْ أوَلَمْ يَكْفِهِمْ رَبُّكَ بِأنَّهُ إلَخْ، وما لِلنَّحْوِيِّينَ في مِثْلِ هَذا اَلتَّرْكِيبِ مِنَ اَلْكَلامِ شَهِيرٌ، أيْ أنْكَرُوا إراءَةَ ذَلِكَ اَلدّالَّةَ عَلى حَقِّيَّةِ اَلْقُرْآنِ ولَمْ يَكْفِهِمْ دَلِيلًا أنَّهُ عَزَّ وجَلَّ مُطَّلِعٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ عالِمٌ بِهِ ومِن ذَلِكَ حالُهم وحالُكَ اَلْمُوجِبانِ حِكْمَةَ نَصْرِكَ عَلَيْهِمْ وخِذْلانَهُمْ، وكَأنَّ ذَلِكَ لِظُهُورِهِ نَزَلَ مُنْزِلَةَ اَلْمَعْلُومِ لَهم.
وفِي اَلْكَشْفِ أيْ أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أنَّ رَبَّكَ سُبْحانَهُ مُطَّلِعٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ يَسْتَوِي عِنْدَهُ غَيْبُ اَلْأشْياءِ وشَهادَتُها عَلى مَعْنى أوَلَمْ يَكْفِهِمْ هَذِهِ اَلْإراءَةُ دَلِيلًا قاطِعًا ولَمّا كانَ ما وعَدَهُ غَيْبًا عَنْهم كَيْفَ وقَدْ نَزَلَ وهم في حالِ ضَعْفٍ وقِلَّةٌ يُقاسُونَ ما يُقاسُونَ مِن مُشْرِكِي مَكَّةَ قِيلَ: أوَلَمْ يَكْفِهِمُ اِطِّلاعُ مَن هَذا اَلْكِتابُ اَلْحَقُّ مِن عِنْدِهِ عَلى كُلِّ غَيْبٍ وشَهادَةٍ دَلِيلًا عَلى كَيْنُونَةِ اَلْإراءَةِ وإحْضارِ ذَلِكَ اَلْغَيْبِ عِنْدَهم إذْ لا غَيْبَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعالى، وفي اَلْعُدُولِ إلى هَذِهِ اَلْعِبارَةِ فائِدَتانِ: إحْداهُما تَحْقِيقُ إنْجازِ ذَلِكَ اَلْمَوْعِدِ كَأنَّهُ مُشاهَدٌ بِذِكْرِ اَلدَّلِيلِ اَلْقاطِعِ عَلى اَلْوُقُوعِ. والثّانِيَةُ اَلدَّلالَةُ (p-7)عَلى أنَّ هَذِهِ اَلْإراءَةَ اَلْآنَ وهم في ضَعْفٍ وقِلَّةٍ قَدْ تَمَّتْ بِالنِّسْبَةِ إلى إثْباتِ حَقِّيَةِ اَلْقُرْآنِ لِأنَّ مَن عَلِمَ أنَّهُ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وعَلِمَ أنَّ اَلْقُرْآنَ مُعْجِزٌ مِن عِنْدِهِ عَلِمَ أنَّ جَمِيعَ ما فِيهِ حَقٌّ وصِدْقٌ فَعَلِمَ أنَّ تِلْكَ اَلنُّصْرَةَ كائِنَةٌ.
والحاصِلُ أنَّهُ كَما يُسْتَدَلُّ مِن تِلْكَ اَلْآياتِ عَلى حَقِّيَةِ اَلْقُرْآنِ وحَقِّيَةِ أهْلِهِ تارَةً يَسْتَدِلُّ مِن إعْجازِ اَلْقُرْآنِ عَلى حَقِّيَةِ تِلْكَ اَلْآياتِ وُقُوعًا وحَقِّيَةِ أهْلِ اَلْإسْلامِ أُخْرى فَأدّى اَلْمَعْنَيانِ في عِبارَةٍ جامِعَةٍ تُؤَدِّي اَلْغَرَضَيْنِ عَلى وجْهٍ لا يُمْكِنُ أتَمُّ مِنهُ اِنْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ في اَلْآيَةِ عَلَيْهِ نَوْعًا مِنَ اَلْإلْغازِ، وقِيلَ: أيْ ألَمْ يُغْنِهِمْ عَنْ إراءَةِ اَلْآياتِ اَلْمَوْعُودَةِ اَلْمُبَيِّنَةِ لِحَقِّيَةِ اَلْقُرْآنِ ولَمْ يَكْفِهِمْ في ذَلِكَ أنَّهُ تَعالى شَهِيدٌ عَلى جَمِيعِ اَلْأشْياءِ وقَدِ اخْبَرَ بِأنَّهُ مِن عِنْدِهِ عَزَّ وجَلَّ، وهو كَما تَرى، وقِيلَ: اَلْمَعْنى ولَمْ يَكْفِكَ أنَّهُ تَعالى عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُحَقِّقٌ لَهُ فَيُحَقِّقُ أمْرَكَ بِإظْهارِ اَلْآياتِ اَلْمَوْعُودَةِ كَما حَقَّقَ سائِرَ اَلْأشْياءِ اَلْمَوْعُودَةِ. وتَعَقَّبَ بِأنَّهُ مَعَ إيهامِهِ ما لا يَلِيقُ بِجَلالَةِ مَنصِبِهِ صَلّى اَللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ اَلتَّرَدُّدِ فِيما ذُكِرَ مِن تَحَقُّقِ اَلْمَوْعُودِ لا يُلائِمُ
{"ayah":"سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق