الباحث القرآني

﴿ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ نَزَلَتْ عَلى ما قالَ أبُو العالِيَةِ في الحارِثِ بْنِ قَيْسٍ السُّلَمِيِّ أحَدِ المُسْتَهْزِئِينَ، والمُرادُ بِالجِدالِ الجِدالُ بِالباطِلِ مِنَ الطَّعْنِ في الآياتِ والقَصْدِ إلى إدْحاضِ الحَقِّ وإطْفاءِ نُورِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعالى بَعْدَ، ﴿وجادَلُوا بِالباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ﴾ فَإنَّهُ مَذْكُورٌ تَشْبِيهًا لِحالِ كُفّارِ مَكَّةَ بِكُفّارِ الأحْزابِ مِن قَبْلُ وإلّا فالجِدالُ فِيها لِإيضاحِ مُلْتَبَسِها وحَلِّ مُشْكِلِها ومُقادَحَةِ أهْلِ العِلْمِ في اسْتِنْباطِ مَعانِيها ورَدُّ أهْلِ الزَّيْغِ عَنْها أعْظَمُ جِهادٍ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعالى وفي قَوْلِهِ ﷺ وقَدْ أخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ««إنَّ جِدالًا في القُرْآنِ كُفْرٌ»» إيماءً إلى ذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ فِيهِ جِدالًا مُنْكَرًا لِلتَّنْوِيعِ فَأشْعَرَ أنَّ نَوْعًا مِنهُ كُفْرٌ وضَلالٌ ونَوْعًا آخَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ. والتَّحْقِيقُ كَما في الكَشْفِ أنَّ المُجادَلَةَ في الشَّيْءِ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إمّا مَشْكُوكًا عِنْدَ المُجادِلِينَ أوْ أحَدِهِما أوْ مُنْكَرًا كَذَلِكَ، وأيًّا ما كانَ فَهو مَذْمُومٌ اللَّهُمَّ إلّا إذا كانَ مِن مُوَحِّدٍ لِخارِجٍ عَنِ المِلَّةِ أوْ مِن مُحَقِّقٍ لِزائِغٍ إلى البِدْعَةِ فَهو مَحْمُودٌ بِالنِّسْبَةِ إلى أحَدِ الطَّرَفَيْنِ، وأمّا ما قِيلَ: إنَّ البَحْثَ فِيها لِإيضاحِ المُلْتَبَسِ ونَحْوِهِ جِدالٌ عَنْها لا فِيها فَإنَّ الجِدالَ يَتَعَدّى بِعْنَ إذا كانَ لِلْمَنعِ والذَّبِّ عَنِ الشَّيْءِ وبِفِي لِخِلافِهِ كَما ذَكَرَهُ الإمامُ وبِالباءِ أيْضًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النَّحْلَ: 125] فَفِيهِ بَحْثٌ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي آياتِ اللَّهِ﴾ دُونَ - فِيهِ - بِالضَّمِيرِ العائِدِ إلى الكِتابِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنهُ يَكْفِي كُفْرُ المُجادَلَةِ فَكَيْفَ بِمَن يُنْكِرُهُ كُلَّهُ ويَقُولُ فِيهِ ما يَقُولُ، وفِيهِ أنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنهُ آيَةٌ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى المَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفاتِ فَيَدُلُّ عَلى شِدَّةِ شَكِيمَةِ المُجادِلِ في الكُفْرِ وأنَّهُ جادَلَ في الواضِحِ الَّذِي لا خَفاءَ بِهِ، ومِمّا ذُكِرَ يَظْهَرُ اتِّصالُ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها وارْتِباطُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهم في البِلادِ﴾ بِها أيْ إذا عَلِمْتَ أنَّ هَؤُلاءِ شَدِيدُو الشَّكائِمِ في الكُفْرِ قَدْ خَسِرُوا الدُّنْيا والآخِرَةَ حَيْثُ جادَلُوا في آياتِ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ وأصَرُّوا عَلى ذَلِكَ فَلا تَلْتَفِتْ لِاسْتِدْراجِهِمْ بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ وإمْهالِهِمْ فَإنَّ عاقِبَتَهُمُ الهَلاكُ كَما فُعِلَ بِمَن قَبْلَهم مِن أمْثالِهِمْ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب