الباحث القرآني

﴿أوَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِن قَبْلِهِمْ﴾ أيْ ما حالُ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ قَبْلَهم كَعادٍ. وثَمُودَ، و( يَنْظُرُوا ) مَجْزُومٌ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى ( يَسِيرُوا )، وجَوَّزَ أبُو حَيّانَ كَوْنَهُ مَنصُوبًا في جَوابِ النَّفْيِ كَما في قَوْلِهِ: ؎ألَمْ تَسْألْ فَتُخْبِرْكَ الرُّسُومُ وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ بِأنْ لَمْ يَسِيرُوا يَنْظُرُوا. وأُجِيبَ بِأنَّ الِاسْتِفْهامَ إنْكارِيٌّ وهو في مَعْنى النَّفْيِ فَيَكُونُ جَوابَ نَفْيِ النَّفْيِ ﴿كانُوا هم أشَدَّ مِنهم قُوَّةً﴾ قُدْرَةً وتَمَكُّنًا مِنَ التَّصَرُّفاتِ، والضَّمِيرُ المُنْفَصِلُ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ المُتَّصِلِ قَبْلَهُ، وجُوِّزَ كَوْنُهُ ضَمِيرَ فَصْلٍ ولا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ بَيْنَ مَعْرِفَتَيْنِ فَقَدْ أجازَ الجُرْجانِيُّ وُقُوعَ المُضارِعِ بَعْدَهُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّهُ هو يُبْدِئُ ويُعِيدُ﴾ [البُرُوجَ: 13] نَعَمِ الأصْلُ الأكْثَرُ فِيهِ ذَلِكَ، عَلى أنَّ أفْعَلَ التَّفْضِيلِ الواقِعِ بَعْدَهُ مِنَ الدّاخِلَةِ عَلى المُفَضَّلِ عَلَيْهِ مُضارِعٌ لِلْمَعْرِفَةِ لَفْظًا في عَدَمِ دُخُولِ ألْ عَلَيْهِ ومَعْنى لِأنَّ المُرادَ بِهِ الأفْضَلُ بِاعْتِبارِ أفْضَلِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. (p-61)وجُمْلَةُ ( كانُوا ) .. إلَخْ. مُسْتَأْنَفَةٌ في جَوابِ كَيْفَ صارَتْ أُمُورُهم. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ «مِنكم» بِضَمِيرِ الخِطابِ عَلى الِالتِفاتِ. ﴿وآثارًا في الأرْضِ﴾ عَطْفٌ عَلى قُوَّةٍ أيْ وأشَدَّ آثارًا في الأرْضِ مِثْلَ القِلاعِ المُحْكَمَةِ والمَدائِنِ الحَصِينَةِ، وقَدْ حَكى اللَّهُ تَعالى عَنْ قَوْمٍ مِنهم أنَّهم كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا. وجُوِّزَ كَوْنُهُ عَطْفًا عَلى ( أشَدَّ ) بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ أيْ وأكْثَرَ آثارًا فَتَشْمَلُ الآثارَ القَوِيَّةَ وغَيْرَها، وهو ارْتِكابُ خِلافِ المُتَبادَرِ مِن غَيْرِ حاجَةٍ يُعْتَدُّ بِها، وقِيلَ: المُرادُ بِهَذِهِ الآثارِ آثارُ أقْدامِهِمْ في الأرْضِ لِعِظَمِ أجْرامِهِمْ ولَيْسَ بِشَيْءٍ أصْلًا ﴿فَأخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وما كانَ لَهم مِنَ اللَّهُ مِنَ واقٍ﴾ أيْ ولَيْسَ لَهم واقٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى يَقِيهِمْ ويَمْنَعُ عَنْهم عَذابَهُ تَعالى أبَدًا، فَكانَ لِلِاسْتِمْرارِ والمُرادُ اسْتِمْرارُ النَّفْيِ لا نَفْيُ الِاسْتِمْرارِ، ومِنَ الثّانِيَةِ زائِدَةٌ ومِنَ الأُولى مُتَعَلِّقَةٌ بَواقٍ، وقُدِّمَ الجارُّ والمَجْرُورُ لِلِاهْتِمامِ والفاصِلَةِ لِأنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعالى قِيلَ: لَمْ يَقَعْ مُقَطِّعًا لِلْفَواصِلِ. وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ مِنَ الأُولى لِلْبَدَلِيَّةِ أيْ ما كانَ لَهم بَدَلًا مِنَ المُتَّصِفِ بِصِفاتِ الكَمالِ واقٍ وأُرِيدَ بِذَلِكَ شُرَكاؤُهم، وأنْ تَكُونَ ابْتِدائِيَّةً تَنْبِيهًا عَلى أنَّ الأخْذَ في غايَةِ العُنْفِ لِأنَّهُ إذا لَمْ يَبْتَدِئْ مِن جِهَتِهِ سُبْحانَهُ واقِيَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهم باقِيَةٌ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب