الباحث القرآني
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿يَوْمَ هم بارِزُونَ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ و( هم ) مُبْتَدَأٌ و﴿بارِزُونَ﴾ خَبَرٌ والجُمْلَةُ في مَحَلِّ جَرٍّ بِإضافَةِ ( يَوْمَ ) إلَيْها، قِيلَ: وهَذا تَخْرِيجٌ عَلى مَذْهَبِ أبِي الحَسَنِ مِن جَوازِ إضافَةِ الظَّرْفِ المُسْتَقْبَلِ كَإذا إلى الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ نَحْوَ أجِيئُكَ إذا زِيدٌ ذاهِبٌ، وسِيبَوَيْهِ لا يُجَوِّزُ ذَلِكَ ويُوجِبُ تَقْدِيرَ فِعْلٍ بَعْدَ الظَّرْفِ يَكُونُ الِاسْمُ مُرْتَفِعًا بِهِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ( يَوْمَ ) ظَرْفًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَخْفى عَلى اللَّهِ مِنهم شَيْءٌ﴾ والظّاهِرُ البَدَلِيَّةُ، وهَذِهِ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافٌ لِبَيانِ بُرُوزِهِمْ وتَقْرِيرٌ لَهُ وإزاحَةٌ لِما كانَ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ المُتَوَهِّمِينَ في الدُّنْيا مِنَ الِاسْتِتارِ تَوَهُّمًا باطِلًا، وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ خَبَرًا ثانِيًا - لَهم. .
وقِيلَ: هي حالٌ مِن ضَمِيرِ ﴿بارِزُونَ﴾ و﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ يَوْمَ القِيامَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لِالتِقاءِ الخَلائِقِ فِيهِ، وقالَ مُقاتِلٌ: لِالتِقاءِ الخالِقِ والمَخْلُوقِ فِيهِ. وحَكاهُ الطَّبَرْسِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقالَ السُّدِّيُّ: لِالتِقاءِ أهْلِ السَّماءِ وأهْلِ الأرْضِ وقالَ مَيْمُونُ بْنُ مَهْرانَ: لِالتِقاءِ الظّالِمِ والمَظْلُومِ، وحَكى الثَّعْلَبِيُّ أنَّ ذَلِكَ لِالتِقاءِ كُلِّ امْرِئٍ وعَمَلَهُ، واخْتارَ بَعْضُ الأجِلَّةِ ما قالَ مُقاتِلٌ وقالَ: هو أوْلى الوُجُوهِ لِما فِيهِ مِن حَمْلِ المُطْلَقِ عَلى ما ورَدَ في كَثِيرٍ مِنَ المَواضِعِ نَحْوَ ﴿فَمَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ﴾ .
﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا﴾ .
وقالَ صاحِبُ الكَشْفِ: القَوْلُ الأوَّلُ وهو ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أوَّلًا أشْبَهُ لِجَرَيانِ الكَلامِ فِيهِ عَلى الحَقِيقَةِ ونَفْيِ ما يُتَوَهَّمُ مِنَ المُساواةِ بَيْنَ الخالِقِ والمَخْلُوقِ واسْتِقْلالِ كُلٍّ مِنَ البَدَلَيْنِ بِفائِدَةٍ في التَّهْوِيلِ لِما في الأوَّلِ مِن تَصْوِيرِ تَلاقِي الخَلائِقِ عَلى اخْتِلافِ أنْواعِها، وفي الثّانِي مِنَ البُرُوزِ لِمالِكِ أمْرِها بُرُوزًا لا يَبْقى لِأحَدٍ فِيهِ شُبْهَةٌ. وأمّا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِقاءَ رَبِّهِ﴾ [الكَهْفَ: 110] فَمَسُوقٌ بِمَعْنًى آخَرَ، ( وبارِزُونَ ) مِن بَرَزَ وأصْلُهُ حَصَلَ في بِرازٍ أيْ (p-57)فَضاءٍ، والمُرادُ ظاهِرُونَ لا يَسْتُرُهم شَيْءٌ مِن جَبَلٍ أوْ أكَمَةٍ أوْ بِناءٍ لِأنَّ الأرْضَ يَوْمَئِذٍ قاعٌ صَفْصَفٌ ولَيْسَ عَلَيْهِمْ ثِيابٌ إنَّما هم عُراةٌ مَكْشُوفُونَ كَما جاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّكم مُلاقُو اللَّهِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا»» وقِيلَ: المُرادُ خارِجُونَ مِن قُبُورِهِمْ أوْ ظاهِرَةٌ أعْمالُهم وسَرائِرُهم، وقِيلَ: ظاهِرَةٌ نُفُوسُهم لا تُحْجَبُ بِغَواشِي الأبْدانِ مَعَ تَعَلُّقِها بِها، ولا يُقْبَلُ هَذا بِدُونِ ثَبْتٍ مِنَ المَعْصُومِ، والمُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ( مِنهم ) عَلى ما قِيلَ: مِن أحْوالِهِمْ وأعْمالِهِمْ.
وقِيلَ: مِن أعْيانِهِمْ، واخْتِيرَ التَّعْمِيمُ أيْ لا يَخْفى عَلَيْهِ عَزَّ شَأْنُهُ شَيْءٌ ما مِن أعْيانِهِمْ وأعْمالِهِمْ وأحْوالِهِمُ الجَلِيَّةِ والخَفِيَّةِ السّابِقَةِ واللّاحِقَةِ.
وقَرَأ أُبَيٌّ «لِيُنْذِرَ يَوْمُ» بِبِناءِ يُنْذِرَ لِلْفاعِلِ ورَفْعِ يَوْمٍ عَلى الفاعِلِيَّةِ مَجازًا. وقَرَأ اليَمانِيُّ فِيما ذَكَرَ صاحِبُ اللَّوامِحِ «لِيُنْذَرَ» مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ «يَوْمُ» بِالرَّفْعِ عَلى النِّيابَةِ عَنِ الفاعِلِ. وقَرَأ الحَسَنُ واليَمانِيُّ فِيما ذَكَرَ ابْنُ خالَوَيْهِ «لِتُنْذِرَ» بِالتّاءِ الفَوْقِيَّةِ فَقِيلَ: الفاعِلُ فِيهِ ضَمِيرُ الخِطابِ لِلرَّسُولِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقِيلَ: ضَمِيرُ الرُّوحِ لِأنَّها تُؤَنَّثُ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ حِكايَةً لِما يُسْألُ عَنْهُ في ذَلِكَ اليَوْمِ ولِما يُجابُ بِهِ بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ مَعْطُوفٍ عَلى ما قَبْلَهُ مِنَ الجُمْلَةِ المَنفِيَّةِ المُسْتَأْنَفَةِ أوْ مُسْتَأْنَفٌ يَقَعُ جَوابًا عَنْ سُؤالٍ نَشَأ مِن حِكايَةِ بُرُوزِهِمْ وظُهُورِ أحْوالِهِمْ كَأنَّهُ قِيلَ: فَما يَكُونُ حِينَئِذٍ ؟ فَقِيلَ: يُقالُ: ﴿لِمَنِ المُلْكُ﴾ .. إلَخْ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ﴾ أيْ مِنَ النُّفُوسِ البَرَّةِ والفاجِرَةِ ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ أيْ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ لا ﴿ظُلْمَ اليَوْمَ﴾ بِنَقْصِ الثَّوابِ وزِيادَةِ العِقابِ ﴿إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ أيْ سَرِيعٌ حِسابُهُ إذْ لا يَشْغَلُهُ سُبْحانَهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ فَيَصِلُ إلى المُحاسَبِ مِنَ النُّفُوسِ ما يَسْتَحِقُّهُ سَرِيعًا. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ تَعالى إذا أخَذَ في حِسابِهِمْ لَمْ يُقِلْ أهْلُ الجَنَّةِ إلّا فِيها ولا أهْلُ النّارِ إلّا فِيها مِن تَتِمَّةِ الجَوابِ جِيءَ بِهِ لِبَيانِ إجْمالِ فِيهِ، والتَّذْيِيلُ لِتَعْلِيلِ ما قَبْلَهُ.
والمُنادِي بِذَلِكَ سُؤالًا وجَوابًا واحِدٌ.
أخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: ««يَجْمَعُ اللَّهُ تَعالى الخَلْقَ يَوْمَ القِيامَةِ بِصَعِيدٍ واحِدٍ بِأرْضٍ بَيْضاءَ كَأنَّها سَبِيكَةُ فِضَّةٍ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ تَعالى فِيها قَطُّ ولَمْ يُخْطَأْ فِيها فَأوَّلُ ما يَتَكَلَّمُ أنْ يُنادِيَ مُنادٍ ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ ﴿اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ﴾ فَأوَّلُ ما يُبْدَؤُونَ بِهِ مِنَ الخُصُوماتِ الدِّماءُ»» الحَدِيثَ، وهو عِنْدَ الحَسَنِ اللَّهُ نَفْسُهُ عَزَّ وجَلَّ، وقِيلَ: مَلَكٌ، وقِيلَ: السّائِلُ هو اللَّهُ تَعالى أوْ مَلَكٌ والمُجِيبُ النّاسُ.
وذَكَرَ الطَّيِّبِيُّ تَقْرِيرًا لِعِبارَةِ الكَشّافِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿اليَوْمَ تُجْزى﴾ .. إلَخْ. تَعْلِيلٌ فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ السّائِلُ والمُجِيبُ هو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لَمّا سَألَ ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ وأجابَ هو سُبْحانَهُ بِنَفْسِهِ ﴿لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ كانَ المَقامُ مَوْقِعَ السُّؤالِ وطَلَبَ التَّعْلِيلِ
{"ayah":"یَوۡمَ هُم بَـٰرِزُونَۖ لَا یَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَیۡءࣱۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡیَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَ ٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











