الباحث القرآني

﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ شُرُوعٌ في بَيانِ أحْكامِ المَوارِيثِ بَعْدَ بَيانِ أمْوالِ اليَتامى المُنْتَقِلَةِ إلَيْهِمْ بِالإرْثِ، والمُرادُ مِنَ الرِّجالِ الأوْلادُ الذُّكُورُ، أوِ الذُّكُورُ أعَمُّ مِن أنْ يَكُونَ كِبارًا أوْ صِغارًا، ومِنَ الأقْرَبِينَ المَوْرُوثُونَ، ومِنَ الوالِدِينَ ما لَمْ يَكُنْ بِواسِطَةِ، والجَدُّ والجَدَّةُ داخِلانِ تَحْتَ الأقْرَبِينَ، وذَكَرَ الوَلَدانِ مَعَ دُخُولِهِما أيْضًا اعْتِناءً بِشَأْنِهِما، وجُوِّزَ أنْ يُرادَ مِنَ الوالِدَيْنِ ما هو أعَمُّ مِن أنْ يَكُونَ بِواسِطَةٍ أوْ بِغَيْرِها فَيَشْمَلُ الجَدَّ والجَدَّةَ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ يَلْزَمُ تَوْرِيثُ أوْلادِ الأوْلادِ مَعَ وُجُودِ الأوْلادِ. وأُجِيبُ بِأنَّ عَدَمَ التَّوْرِيثِ في هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْلُومٌ مِن أمْرٍ آخَرَ لا يَخْفى، والنَّصِيبُ الحَظُّ كالنَّصْبِ بِالكَسْرِ ويُجْمَعُ عَلى أنْصِباءَ وأنْصِبَةٍ، ومِن في مِمّا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ قَبْلَهُ أيْ نَصِيبٌ كائِنٌ مِمّا تُرِكَ وجُوِّزَ تَعَلُّقُهُ بِنَصِيبٍ. ﴿ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ﴾ المُرادُ مِنَ النِّساءِ البَناتُ مُطْلَقًا أوِ الإناثُ كَذَلِكَ، وإيرادُ حُكْمِهِنَّ عَلى الِاسْتِقْلالِ دُونَ الدَّرَجِ في تَضاعِيفِ أحْكامِ السّالِفِينَ بِأنْ يُقالَ لِلرِّجالِ والنِّساءِ نُصِيبٌ إلَخْ لِلِاعْتِناءِ كَما قالَ شَيْخُ الإسْلامِ بِأمْرِهِنَّ والإيذانِ بِأصالَتِهِنَّ في اسْتِحْقاقِ الإرْثِ، والإشارَةُ مِن أوَّلِ الأمْرِ إلى تَفاوُتِ ما بَيْنَ نَصِيبَيِ الفَرِيقَيْنِ والمُبالَغَةِ في إبْطالِ حُكْمِ الجاهِلِيَّةِ فَإنَّهم ما كانُوا يُورِثُونَ النِّساءَ والأطْفالَ ويَقُولُونَ: إنَّما يَرِثُ مَن يُحارِبُ ويَذُبُّ عَنِ الحَوْزَةِ، ولِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ كَما قالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وغَيْرُهُ ورُوِيَ «أنَّ أوْسَ بْنَ ثابِتٍ وقِيلَ: أوْسُ بْنُ مالِكٍ، وقِيلَ: ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ، وقِيلَ: أوْسُ بْنُ الصّامِتِ وهو خَطَأٌ لِأنَّهُ تُوُفِّيَ في زَمَنِ خِلافَةِ عُثْمانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ ماتَ وتَرَكَ ابْنَتَيْنِ وابْنًا صَغِيرًا وزَوْجَتَهُ أُمَّ كُحَّةَ، وقِيلَ: بِنْتُ كُحَّةَ، وقِيلَ: أُمُّ كُحْلَةَ، وقِيلَ: أُمُّ كُلْثُومٍ فَجاءَ أبْناءُ عَمِّهِ خالِدٌ أوْ سُوَيْدٌ وعَرْفَطَةُ أوْ قَتادَةُ، وعَرْفَجَةُ فَأخَذا مِيراثَهُ كُلَّهُ فَقالَتِ امْرَأتُهُ لَهُما: تَزَوَّجا بِالِابْنَتَيْنِ وكانَتْ بِهِما دَمامَةٌ فَأبَيا فَأتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَأخْبَرَتْهُ الخَبَرَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «ما أدْرِي ما أقُولُ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾ الآيَةَ فَأرْسَلَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ إلى ابْنَيِ العَمِّ فَقالَ: لا تُحَرِّكا مِنَ المِيراثِ شَيْئًا فَإنَّهُ قَدْ أُنْزَلَ عَلَيَّ فِيهِ شَيْءٌ أُخْبِرْتُ فِيهِ أنَّ لِلذَّكَرِ والأُنْثى نَصِيبًا ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿ويَسْتَفْتُونَكَ في النِّساءِ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿عَلِيمًا﴾ ثُمَّ نَزَلَ: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ فَدَعى ﷺ بِالمِيراثِ فَأعْطى المَرْأةَ الثَّمَنَ وقَسَّمَ ما بَقِيَ بَيْنَ الأوْلادِ لِلذِّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، ولَمْ يُعْطِ ابْنَيِ العَمِّ شَيْئًا»»، وفي بَعْضِ طُرُقِهِ أنَّ المَيِّتَ خَلَّفَ زَوْجَةً وبِنْتَيْنِ وابْنَيْ عَمٍّ فَأعْطى ﷺ الزَّوْجَةَ الثُّمْنَ والبِنْتَيْنِ الثُّلْثَيْنِ وابْنَيِ العَمِّ الباقِيَ. وفِي الخَبَرِ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ تَأْخِيرِ البَيانِ عَنِ الخِطابِ، ومَن عَمَّمَ الرِّجالَ والنِّساءَ وقالَ: إنَّ الأقْرَبِينَ عامٌّ لِذَوِي القَرابَةِ النِّسْبِيَّةِ والسَّبَبِيَّةِ جَعَلَ الآيَةَ مُتَضَمِّنَةً لِحُكْمِ الزَّوْجِ والزَّوْجَةِ واسْتِحْقاقِ كُلٍّ مِنهُما الإرْثَ مِن صاحِبِهِ، (p-211)ومَن لَمْ يَذْهَبْ إلى ذَلِكَ وقالَ: إنَّ الأقْرَبِينَ خاصٌّ بِذَوِي القُرْبَةِ النِّسْبِيَّةِ جَعَلَ فَهْمَ الِاسْتِحْقاقِ كَفَهْمِ المِقْدارِ المُسْتَحَقِّ مِمّا سَيَأْتِي مِنَ الآياتِ، وعَلَّلَ الِاقْتِصارَ عَلى ذِكْرِ الأوْلادِ والبَناتِ هُنا بِمَزِيدِ الِاهْتِمامِ بِشَأْنِ اليَتامى واحْتَجَّ الحَنَفِيَّةُ والإمامِيَّةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى تَوْرِيثِ ذَوِي الأرْحامِ قالُوا: لِأنَّ العَمّاتِ والخالاتِ وأوْلادَ البَناتِ مِنَ الأقْرَبِينَ فَوَجَبَ دُخُولُهم تَحْتَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿لِلرِّجالِ﴾ إلَخْ غايَةَ ما في البابِ أنَّ قَدْرَ ذَلِكَ النَّصِيبِ غَيْرُ مَذْكُورٍ في هَذِهِ الآيَةِ إلّا أنّا نُثْبِتُ كَوْنَهم مُسْتَحِقِّينَ لِأصْلِ النَّصِيبِ بِها، وأمّا المِقْدارُ فَمُسْتَفادٌ مِن سائِرِ الدَّلائِلِ، والإمامِيَّةُ فَقَطْ عَلى أنَّ الأنْبِياءَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُورَثُونَ كَغَيْرِهِمْ، وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى قَرِيبًا رَدُّهُ عَلى أتَمِّ وجْهٍ. ﴿مِمّا قَلَّ مِنهُ أوْ كَثُرَ﴾ بَدَلٌ مِن ما الأخِيرَةِ بِإعادَةِ العامِلِ قَبْلُ؛ ولَعَلَّهم إنَّما لَمْ يَعْتَبِرُوا كَوْنَ الجارِّ والمَجْرُورِ بَدَلًا مِنَ الجارِّ والمَجْرُورِ لِاسْتِلْزامِهِ إبْدالَ مِن مِن مِن، واتِّحادُ اللَّفْظِ في البَدَلِ غَيْرُ مَعْهُودٍ. وجَوَّزَ أبُو البَقاءِ كَوْنَ الجارِّ والمَجْرُورِ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المَحْذُوفِ في تَرْكِ أيٍّ مِمّا تَرَكَهُ قَلِيلًا أوْ كَثِيرًا أوْ مُسْتَقِرًّا مِمّا قَلَّ، ومِثْلُ هَذا القَيْدِ مُعْتَبَرٌ في الجُمْلَةِ الأُولى إلّا أنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ هُناكَ تَعْوِيلًا عَلى ذِكْرِهِ هُنا، وفائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ اخْتِصاصِ بَعْضِ الأمْوالِ بِبَعْضِ الوَرَثَةِ كالخَيْلِ وآلاتِ الحَرْبِ لِلرِّجالِ، وبِهَذا يَرُدُّ عَلى الإمامِيَّةِ لِأنَّهم يَخُصُّونَ أكْبَرَ أبْناءِ المَيِّتِ مِن تَرِكَتِهِ بِالسَّيْفِ والمُصْحَفِ والخاتَمِ واللِّباسِ البَدَنِيِّ بِدُونِ عِوَضٍ عِنْدَ أكْثَرِهِمْ، وهَذا مِنَ الغَرِيبِ كَعَدَمِ تَوْرِيثِ الزَّوْجَةِ مِنَ العَقارِ مَعَ أنَّ الآيَةَ مُفِيدَةٌ أنَّ لِكُلٍّ مِنَ الفَرِيقَيْنِ حَقًّا مِن كُلِّ ما جَلَّ ودَقَّ، وتَقْدِيمُ القَلِيلِ عَلى الكَثِيرِ مِن بابِ ﴿لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إلا أحْصاها﴾ . ﴿نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ نُصِبَ إمّا عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ بِتَأْوِيلِهِ بِعَطاءٍ ونَحْوِهِ مِنَ المَعانِي المَصْدَرِيَّةِ وإلّا فَهو اسْمٌ جامِدٌ، ونُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أنَّهُ مَصْدَرُ، وإمّا عَلى الحالِيَّةِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في قَلَّ وكَثُرَ أوْ في الجارِّ والمَجْرُورِ الواقِعِ صِفَةً، أوْ مِن نَصِيبٍ لِكَوْنِ وصْفِهِ بِالظَّرْفِ سَوَّغَ مَجِيءَ الحالِ مِنهُ أوْ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في الجارِّ والمَجْرُورِ الواقِعِ خَبَرًا إذِ المَعْنى ثَبَتَ لَهم مَفْرُوضًا نَصِيبٌ، وهو حِينَئِذٍ حالٌ مُوَطِّئَةٌ والحالُ في الحَقِيقَةِ وصْفُهُ، وقِيلَ: هو مَنصُوبٌ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ والتَّقْدِيرُ أوْجَبَ لَهم نَصِيبًا، وقِيلَ: مَنصُوبٌ عَلى إضْمارِ أعْنِي ونَصْبُهُ عَلى الِاخْتِصاصِ بِالمَعْنى المَشْهُورِ مِمّا أنْكَرَهُ أبُو حَيّانَ لِنَصِّهِمْ عَلى اشْتِراطِ عَدَمِ التَّنْكِيرِ في الِاسْمِ المَنصُوبِ عَلَيْهِ، والفَرْضُ كالضَّرْبِ التَّوْقِيتُ ومِنهُ: ﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ﴾ والحَزَّ في الشَّيْءِ كالتَّفْرِيضِ وما أوْجَبَهُ اللَّهُ تَعالى كالمَفْرُوضِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأنَّ لَهُ مَعالِمَ وحُدُودًا، ويُسْتَعْمَلُ بِمَعْنى القَطْعِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لأتَّخِذَنَّ مِن عِبادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ أيْ مُقْتَطَعًا مَحْدُودًا كَما في «الصَّحّاحِ»، فَمَفْرُوضًا هُنا إمّا بِمَعْنى مُقْتَطَعًا مَحْدُودًا كَما في تِلْكَ الآيَةِ، وإمّا بِمَعْنى ما أوْجَبَهُ اللَّهُ تَعالى أيْ نَصِيبًا أوْجَبَهُ اللَّهُ تَعالى لَهم. وفَرَّقَ الحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الفَرْضِ والواجِبِ بِأنَّ الفِعْلَ غَيْرُ الكَفِّ المُتَعَلِّقِ بِهِ خِطابٌ بِطَلَبِ فِعْلٍ بِحَيْثُ يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ في جَمِيعِ وقْتِهِ سَبَبًا لِلْعِقابِ إنْ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ، فَفَرَضَ كَقِراءَةِ القُرْآنِ في الصَّلاةِ الثّابِتَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ وإنْ ثَبَتَ بِظَنِّي فَهو الواجِبُ نَحْوَ تَعْيِينِ الفاتِحَةِ الثّابِتِ بِقَوْلِهِ ﷺ: «لا صَلاةَ إلّا بِفاتِحَةِ الكِتابِ» وهو آحادٌ، ونَفْيُ الفَضِيلَةِ مُحْتَمَلٌ ظاهِرٌ، وذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ إلى تَرادُفِهِما، واحْتَجَّ كُلٌّ لِمُدَّعاهُ بِما احْتَجَّ بِهِ، والنِّزاعُ عَلى ما حُقِّقَ في الأُصُولِ لَفْظِيٌّ قالَهُ غَيْرُ واحِدٍ، وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: لا نِزاعَ لِلشّافِعِيِّ في تَفاوُتِ مَفْهُومَيِ الفَرْضِ والواجِبِ في اللُّغَةِ ولا في تَفاوُتِ ما ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَحُكْمِ الكِتابِ وما ثَبَتَ بِدَلِيلِ ظَنِّي كَحُكْمِ (p-212)خَبَرِ الواحِدِ في الشَّرْعِ، فَإنَّ جاحِدَ الأوَّلِ كافِرٌ دُونَ الثّانِي، وتارِكَ العَمَلِ بِالأوَّلِ مُؤَوَّلًا فاسِقٌ دُونَ الثّانِي، وإنَّما يَزْعُمُ أنَّ الفَرْضَ والواجِبَ لَفْظانِ مُتَرادِفانِ مَنقُولانِ عَنْ مَعْناهُما اللُّغَوِيِّ إلى مَعْنًى واحِدٍ هو ما يُمْدَحُ فاعِلُهُ ويُذَمُّ تارِكُهُ شَرْعًا سَواءٌ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أوْ ظَنِّيٍّ، وهَذا مُجَرَّدُ اصْطِلاحٍ، فَلا مَعْنى لِلِاحْتِجاجِ بِأنَّ التَّفاوُتَ بَيْنَ الكِتابِ وخَبَرِ الواحِدِ مُوجِبٌ لِلتَّفاوُتِ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِما، أوْ بِأنَّ الفَرْضَ في اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ والوُجُوبُ هو السُّقُوطُ، فالفَرْضُ عُلِمَ قَطْعًا أنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَيْنا، والواجِبُ ما سَقَطَ عَلَيْنا بِطَرِيقِ الظَّنِّ ولا يَكُونُ المَظْنُونُ مُقَدَّرًا ولا المَعْلُومُ القَطْعِيُّ ساقِطًا عَلَيْنا عَلى أنَّ لِلْخَصْمِ أنْ يَقُولَ: لَوْ سُلِّمَ مُلاحَظَةُ المَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ فَلا نُسَلِّمُ امْتِناعَ أنْ يَثْبُتَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُقَدَّرًا عَلَيْنا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وكَوْنُهُ ساقِطًا عَلَيْنا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، ألا تَرى أنَّ قَوْلَهُمُ: الفَرْضُ أيِ المَفْرُوضُ المُقَدَّرُ في المَسْحِ هو الرُّبْعُ، وأيْضًا الحَقُّ أنَّ الوُجُوبَ في اللُّغَةِ هو الثُّبُوتُ، وأمّا مَصْدَرُ الواجِبِ بِمَعْنى السّاقِطِ والمُضْطَرِبِ إنَّما هو الوَجْبَةُ والوَجِيبُ، ثُمَّ اسْتِعْمالُ الفَرْضِ فِيما ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ والواجِبُ فِيما ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شائِعٌ مُسْتَفِيضٌ كَقَوْلِهِمُ: الوَتْرُ فَرْضٌ، وتَعْدِيلُ الأرْكانِ فَرْضٌ ونَحْوَ ذَلِكَ، ويُسَمّى فَرْضًا عَمَلِيًّا، وكَقَوْلِهِمُ: الصَّلاةُ واجِبَةٌ والزَّكاةُ واجِبَةٌ، ونَحْوَ ذَلِكَ، ومِن هُنا يُعْلَمُ سُقُوطُ كَلامِ بَعْضِ الشّافِعِيَّةِ في رَدِّ اسْتِدْلالِ الحَنَفِيَّةِ بِما تَقَدَّمَ عَلى تَوْرِيثِ ذَوِي الأرْحامِ بِأنَّ الواجِبَ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ ما عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِدَلِيلٍ مَظْنُونٍ، والمَفْرُوضُ ما عُلِمَ بِدَلِيلٍ قاطِعٍ، وتَوْرِيثُ ذَوِي الأرْحامِ لَيْسَ مِن هَذا القَبِيلِ بِالِاتِّفاقِ، فَعَرَفْنا أنَّهُ غَيْرُ مُرادٍ مِنَ الآيَةِ ووَجْهُ السُّقُوطِ ظاهِرٌ غَنِيٌّ عَنِ البَيانِ. واحْتَجَّ بَعْضُهم بِالآيَةِ عَلى أنَّ الوارِثَ لَوْ أعْرَضَ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ وهو مَذْهَبُ الإمامِ الأعْظَمِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب