الباحث القرآني
﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أنْفُسَهُمْ﴾ قالَ الكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ في «رِجالٍ مِنَ اليَهُودِ أتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ - بِأطْفالِهِمْ فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ، هَلْ عَلى أوْلادِنا هَؤُلاءِ مِن ذَنَبٍ؟ فَقالَ: «لا» فَقالُوا: والَّذِي يُحْلَفُ بِهِ ما نَحْنُ فِيهِ إلّا كَهَيْئَتِهِمْ، ما مِن ذَنْبٍ نَعْمَلُهُ بِالنَّهارِ إلّا كُفِّرَ عَنّا بِاللَّيْلِ، وما مِن ذَنْبٍ نَعْمَلُهُ بِاللَّيْلِ إلّا كُفِّرَ عَنّا بِالنَّهارِ، فَهَذا الَّذِي زَكَّوْا بِهِ أنْفُسَهم».
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الحَسَنِ أنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِ والنَّصارى، حَيْثُ قالُوا: ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ وقالُوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلا مَن كانَ هُودًا أوْ نَصارى﴾ والمَعْنى: انْظُرْ إلَيْهِمْ وتَعَجَّبْ مِنِ ادِّعائِهِمْ أنَّهم أزْكِياءُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى، مَعَ ما هم عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرَ والإثْمِ العَظِيمِ! أوْ مِنِ ادِّعائِهِمْ أنَّ اللَّهَ تَعالى يُكَفِّرُ ذُنُوبَهُمُ اللَّيْلِيَّةَ والنَّهارِيَّةَ مَعَ اسْتِحالَةِ أنْ يُغْفَرَ لِكافِرٍ شَيْءٌ مِن كُفْرِهِ أوْ مَعاصِيهِ! وفي مَعْناهم مَن زَكّى نَفْسَهُ وأثْنى عَلَيْها لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ، كالتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ ونَحْوِهِ ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشاءُ﴾ إبْطالٌ لِتَزْكِيَةِ أنْفُسِهِمْ، وإثْباتٌ لِتَزْكِيَةِ اللَّهِ تَعالى.
وكَوْنُ ذَلِكَ لِلْإضْرابِ عَنْ ذَمِّهِمْ بِتِلْكَ التَّزْكِيَةِ إلى ذَمِّهِمْ بِالبُخْلِ والحَسَدِ بَعِيدٌ لَفْظًا ومَعْنًى، والجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلى مُقَدَّرٍ يَنْساقُ إلَيْهِ الكَلامُ، كَأنَّهُ قِيلَ: هم لا يُزَكُّونَها في الحَقِيقَةِ، بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشاءُ تَزْكِيَتَهُ مِمَّنْ يَسْتَأْهِلُ مِن عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ، إذْ هو العَلِيمُ الخَبِيرُ، وأصْلُ التَّزْكِيَةِ التَّطْهِيرُ والتَّنْزِيهُ مِنَ القَبِيحِ قَوْلًا - كَما هو ظاهِرٌ - أوْ فِعْلًا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ و﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها﴾ .
﴿ولا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةٍ حُذِفَتْ تَعْوِيلًا عَلى دَلالَةِ الحالِ عَلَيْها، وإيذانًا بِأنَّها غَنِيَّةٌ عَنِ الذِّكْرِ، أيْ يُعاقَبُونَ بِتِلْكَ الفِعْلَةِ الشَّنِيعَةِ، ولا يُظْلَمُونَ في ذَلِكَ العِقابِ أدْنى ظُلْمٍ وأصْغَرَهُ، وهو المُرادُ بِالفَتِيلِ، وهو الخَيْطُ الَّذِي في شِقِّ النَّواةِ، وكَثِيرًا ما يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في القِلَّةِ والحَقارَةِ، كالنَّقِيرِ لِلنُّقْرَةِ الَّتِي في ظَهْرِها، والقِطْمِيرُ وهو قِشْرَتُها الرَّقِيقَةُ، وقِيلَ: الفَتِيلُ ما خَرَجَ بَيْنَ إصْبَعَيْكَ وكَفَّيْكَ مِنَ الوَسَخِ، ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وأبِي مالِكٍ، والسُّدِّيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم.
وجُوِّزَ أنْ تَكُونَ جُمْلَةَ (ولا يُظْلَمُونَ) في مَوْضِعِ الحالِ، والضَّمِيرُ راجِعٌ إلى (مَن) حَمْلًا لَهُ عَلى المَعْنى، أيْ: والحالُ أنَّهم لا يُنْقَصُونَ مِن ثَوابِهِمْ أصْلًا، بَلْ يُعْطُونَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كامِلًا، مَعَ ما زَكّاهُمُ اللَّهُ تَعالى ومَدَحَهم في الدُّنْيا.
وقِيلَ: هو اسْتِئْنافٌ، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى المَوْصُولَيْنِ: مَن زَكّى نَفْسَهُ، ومَن زَكّاهُ اللَّهُ تَعالى، أيْ: لا يُنْقَصُ هَذا مِن ثَوابِهِ ولا ذاكَ مِن عِقابِهِ، والأوَّلُ أمَسُّ بِمَقامِ الوَعِيدِ، وانْتِصابُ (فَتِيلًا) عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ كَقَوْلِكَ: ظَلَمَتُهُ حَقَّهُ، قالَ عَلِيُّ بْنُ عِيسى: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا، كَقَوْلِكَ: تَصَبَّبْتُ عَرَقًا.
{"ayah":"أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُ وَلَا یُظۡلَمُونَ فَتِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











