الباحث القرآني

﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ﴾ حَسْبَما يُوجِبُهُ البُرْهانُ الَّذِي جاءَهم ﴿واعْتَصَمُوا بِهِ﴾ أيْ: عَصَمُوا بِهِ سُبْحانَهُ أنْفُسَهم مِمّا يُرْدِيها مِن زَيْغِ الشَّيْطانِ وغَيْرِهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أنَّ الضَّمِيرَ راجِعٌ إلى القُرْآنِ، أعْنِي النُّورَ المُبِينَ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ ﴿فَسَيُدْخِلُهم في رَحْمَةٍ مِنهُ﴾ أيْ: ثَوابٍ عَظِيمٍ قَدْرُهُ بِإزاءِ إيمانِهِمْ وعَمَلِهِمْ رَحْمَةً مِنهُ سُبْحانَهُ لا قَضاءً لِحَقٍّ واجِبٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّ المُرادَ بِالرَّحْمَةِ الجَنَّةُ، فَعَلى الأوَّلِ التَّجَوُّزُ في كَلِمَةِ ( في ) لِتَشْبِيهِ عُمُومِ الثَّوابِ وشُمُولِهِ بِعُمُومِ الظَّرْفِ، وعَلى الثّانِي التَّجَوُّزُ في المَجْرُورِ دُونَ الجارِّ، قالَهُ الشِّهابُ، والبَحْثُ في ذَلِكَ شَهِيرٌ، و( مِنهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً مُشَرِّفَةً لِـ( رَحْمَةٍ ﴿وفَضْلٍ﴾ أيْ: إحْسانٍ لا يُقادَرُ قَدْرُهُ، زائِدٍ عَلى ذَلِكَ. ﴿ويَهْدِيهِمْ إلَيْهِ﴾ أيْ: إلى اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -والمُرادُ في المَشْهُورِ إلى عِبادَتِهِ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى جَمِيعِ ما قَبْلَهُ بِاعْتِبارِ أنَّهُ مَوْعُودٌ، وقِيلَ: عَلى الفَضْلِ ﴿صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ هو الإسْلامُ والطّاعَةُ في الدُّنْيا، وطَرِيقُ الجَنَّةِ في الأُخْرى، وتَقْدِيمُ ذِكْرِ الوَعْدِ بِالإدْخالِ في الرَّحْمَةِ الثَّوابَ أوِ الجَنَّةَ عَلى الوَعْدِ بِهَذِهِ الهِدايَةِ لِلْمُسارَعَةِ إلى التَّبْشِيرِ بِما هو المَقْصِدُ الأصْلِيُّ. وفِي وجْهِ انْتِصابِ ( صِراطًا ) أقْوالٌ، فَقِيلَ: إنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أيْ: يُعَرِّفُهم صِراطًا، وقِيلَ: إنَّهُ مَفْعُولٌ ثانٍ لِـ( يَهْدِيهِمْ ) بِاعْتِبارِ تَضْمِينِهِ مَعْنى ( يُعَرِّفُهم ) وقِيلَ: مَفْعُولٌ ثانٍ لَهُ بِناءً عَلى أنَّ الهِدايَةَ تَتَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ حَقِيقَةً. ومِنَ النّاسِ مَن جَعَلَ ( إلَيْهِ ) مُتَعَلِّقًا بِمُقَدَّرٍ، أيْ: مُقَرَّبِينَ إلَيْهِ، أوْ مُقَرِّبًا إيّاهم إلَيْهِ عَلى أنَّهُ حالٌ مِنَ الفاعِلِ أوِ المَفْعُولِ، ومِنهم مَن جَعَلَهُ حالًا مِن ( صِراطًا ) ثُمَّ قالَ: لَيْسَ لِقَوْلِنا: ( يَهْدِيهِمْ ) طَرِيقَ الإسْلامِ إلى عِبادَتِهِ كَبِيرُ مَعْنًى، فالأوْجَهُ أنْ يُجْعَلَ ( صِراطًا ) بَدَلًا مِن ( إلَيْهِ ) وتَعَقَّبَهُ عِصامُ المِلَّةِ والدِّينِ بِأنَّ قَوْلَنا: ( يَهْدِيهِمْ ) طَرِيقَ الإسْلامِ مُوَصِّلًا إلى عِبادَتِهِ مَعْناهُ واضِحٌ، ولا وجْهَ لَكَوْنِ ( صِراطًا ) بَدَلًا مِنَ الجارِّ والمَجْرُورِ، فافْهَمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب