الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الكافِرِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ﴾ نَهْيُ المُؤْمِنِينَ الصّادِقِينَ عَنْ مُوالاةِ الكُفّارِ اليَهُودِ فَقَطْ - كَما قِيلَ - أوْ ما يَعُمُّهم وغَيْرَهم كَما هو الظّاهِرُ بَعْدَ بَيانِ حالِ المُنافِقِينَ، أيْ: لا تَتَّخِذُوهم أوْلِياءَ، فَإنَّ ذَلِكَ دَيْدَنَ المُنافِقِينَ ودِينَهُمْ، فَلا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ، وقِيلَ: المُرادُ بِالَّذِينَ آمَنُوا المُنافِقُونَ، وبِالمُؤْمِنِينَ المُخْلِصُونَ، فالآيَةُ نَهْيٌ لِلْمُنافِقِينَ عَنْ مُوالاةِ الكافِرِينَ دُونَ المُخْلِصِينَ، وقِيلَ: المُرادُ بِالمَوْصُولِ المُخْلِصُونَ وبِالكافِرِينَ المُنافِقُونَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: قَدْ بَيَّنْتُ لَكم أخْلاقَ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ القَفّالُ، وفي كِلا القَوْلَيْنِ بُعْدٌ. ﴿أتُرِيدُونَ أنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكم سُلْطانًا مُبِينًا﴾ أيْ: حُجَّةً ظاهِرَةً في العَذابِ، وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُعَذِّبُ أحَدًا بِمُقْتَضى حِكْمَتِهِ إلّا بَعْدَ قِيامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ، ويُشْعِرُ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الآياتِ، وقِيلَ: أتُرِيدُونَ بِذَلِكَ أنْ تَجْعَلُوا لَهُ تَعالى حُجَّةً بَيِّنَةً عَلى أنَّكم مُوافِقُونَ، فَإنَّ مُوالاةَ الكافِرِينَ أوْضَحُ أدِلَّةِ النِّفاقِ. ومِنَ النّاسِ مَن أبْقى السُّلْطانَ عَلى مَعْناهُ المَعْرُوفِ، لَكِنْ أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - أنَّهُ قالَ: «كُلُّ سُلْطانٍ في القُرْآنِ فَهو حُجَّةٌ» وهو مِمّا يَجُوزُ فِيهِ التَّذْكِيرُ والتَّأْنِيثُ إجْماعًا، فَتَذْكِيرُهُ بِاعْتِبارِ البُرْهانِ أوْ بِاعْتِبارِ مَعْناهُ المَعْرُوفِ، والتَّأْنِيثُ بِاعْتِبارِ الحُجَّةِ، والتَّأْنِيثُ أكْثَرُ عِنْدَ الفُصَحاءِ - عَلى ما قالَهُ الفَرّاءُ - إلّا أنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ هُنا، واعْتُبِرَ التَّذْكِيرُ لِتَحْسُنَ الفاصِلَةُ. وادَّعى ابْنُ عَطِيَّةَ أنَّ التَّذْكِيرَ أشْهَرُ، وهي لُغَةُ القُرْآنِ حَيْثُ وقَعَ، و(عَلَيْكُمْ) يَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِالجَعْلِ، وبِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن (سُلْطانًا)، وتَوْجِيهُ الإنْكارِ إلى الإرادَةِ دُونَ مُتَعَلِّقِها بِأنْ يُقالَ: أتَجْعَلُونَ؟ إلَخْ لِلْمُبالَغَةِ في إنْكارِهِ وتَهْوِيلِ أمْرِهِ بِبَيانِ أنَّهُ مِمّا لا يَصْدُرُ عَنِ العاقِلِ إرادَتَهُ فَضْلًا عَنْ صُدُورِ نَفْسِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب