الباحث القرآني
﴿ومَن أحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أيْ: أخْلَصَ نَفْسَهُ لَهُ تَعالى، لا يَعْرِفُ لَها رَبًّا سِواهُ، وقِيلَ: أخْلَصَ تَوَجُّهَهُ لَهُ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: بَذَلَ لَهُ وجْهَهُ - عَزَّ وجَلَّ - في السُّجُودِ، والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ، وهو في مَعْنى النَّفْيِ، والمَقْصُودُ مَدْحُ مَن فَعَلَ ذَلِكَ عَلى أتَمِّ وجْهٍ و(دِينًا) نُصِبَ عَلى التَّمْيِيزِ مِن (أحْسَنُ) مَنقُولٌ مِنَ المُبْتَدَأِ، والتَّقْدِيرُ: ومَن دِينُهُ أحْسَنُ مِن دِينِ مَن أسْلَمَ، إلَخْ، فَيَؤُولُ الكَلامُ إلى تَفْضِيلِ دِينٍ عَلى دِينٍ، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ صَرْفَ العَبْدِ نَفْسَهُ بِكُلِّيَّتِها لِلَّهِ تَعالى أعْلى المَراتِبِ الَّتِي تَبْلُغُها القُوَّةُ البَشَرِيَّةُ، و(مِمَّنْ) مُتَعَلِّقٌ بِـ(أحْسَنُ) وكَذا الِاسْمُ الجَلِيلُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن (وجْهَهُ).
﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أيْ: آتٍ بِالحَسَناتِ، تارِكٌ لِلسَّيِّئاتِ، أوْ آتٍ بِالأعْمالِ الصّالِحَةِ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ الَّذِي هو حُسْنُها الوَصْفِيُّ المُسْتَلْزِمُ لِحُسْنِها الذّاتِيِّ، وقَدْ صَحَّ أنَّهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الإحْسانِ؟ فَقالَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ««أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَراهُ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ تَراهُ فَإنَّهُ يَراكَ»» وقِيلَ: الأظْهَرُ أنْ يُقالَ: المُرادُ (وهُوَ مُحْسِنٌ) في عَقِيدَتِهِ، وهو مُرادُ مَن قالَ: أيْ: وهو مُوَحِّدٌ، وعَلى هَذا فالأوْلى أنْ يُفَسَّرَ إسْلامُ الوَجْهِ لِلَّهِ تَعالى بِالِانْقِيادِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ بِالأعْمالِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن فاعِلِ (أسْلَمَ).
﴿واتَّبَعَ مِلَّةَ إبْراهِيمَ﴾ المُوافِقَةَ لِدِينِ الإسْلامِ، المُتَّفَقِ عَلى صِحَّتِها، وهَذا عَطْفٌ عَلى (أسْلَمَ) وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿حَنِيفًا﴾ أيْ: مائِلًا عَنِ الأدْيانِ الزّائِغَةِ، حالٌ مِن (إبْراهِيمَ)، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ حالًا مِن فاعِلِ (اتَّبَعَ).
﴿واتَّخَذَ اللَّهُ إبْراهِيمَ خَلِيلا﴾ تَذْيِيلٌ جِيءَ بِهِ لِلتَّرْغِيبِ في اتِّباعِ مِلَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - والإيذانِ بِأنَّهُ نِهايَةٌ في الحُسْنِ، وإظْهارُ اسْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - تَفْخِيمًا لَهُ وتَنْصِيصًا عَلى أنَّهُ المَمْدُوحُ، ولا يَجُوزُ العَطْفُ خِلافًا لِمَن زَعَمَهُ عَلى و(مَن أحْسَنُ) إلَخْ، سَواءٌ كانَ اسْتِطْرادًا أوِ اعْتِراضًا، وتَوْكِيدًا لِمَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ﴾ وبَيانًا لِأنَّ الصّالِحاتِ ما هِيَ؟ وأنَّ المُؤْمِنَ مَن هو لِفَقْدِ المُناسِبَةِ، والجامِعُ بَيْنَ المَعْطُوفِ والمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وأدائِهِ ما يُؤَدِّيهِ مِنَ التَّوْكِيدِ والبَيانِ، ولا عَلى صِلَةِ (مَن) لِعَدَمِ صُلُوحِهِ لَها، وعَدَمُ صِحَّةِ عْطَفِهِ عَلى ﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أظْهَرُ مِن أنْ يَخْفى، وجَعْلُ الجُمْلَةِ حالِيَّةً بِتَقْدِيرٍ قَدْ خِلافُ الظّاهِرِ، والعَطْفُ عَلى ﴿حَنِيفًا﴾ لا يَصِحُّ إلّا بِتَكَلُّفٍ، والخَلِيلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الخُلَّةِ بِضَمِّ الخاءِ، وهي إمّا مِنَ الخِلالِ بِكَسْرِ الخاءِ؛ فَإنَّها مَوَدَّةٌ تَتَخَلَّلُ النَّفْسَ وتُخالِطُها مُخالَطَةً مَعْنَوِيَّةً، فالخَلِيلُ مَن بَلَغَتْ مَوَدَّتُهُ هَذِهِ المَرْتَبَةَ، كَما قالَ:
؎قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي ولِذا سُمِّيَ الخَلِيلُ خَلِيلًا
؎فَإذا ما نَطَقْتُ كُنْتَ حَدِيثِي ∗∗∗ وإذا ما سَكَتُّ كُنْتَ الغَلِيلا
وإمّا مِنَ الخَلَلِ - كَما قِيلَ - عَلى مَعْنى أنَّ كُلًّا مِنَ الخَلِيلَيْنِ يُصْلِحُ خَلَلَ الآخَرِ، وإمّا مِنَ الخَلِّ بِالفَتْحِ، وهو الطَّرِيقُ (p-155)فِي الرَّمْلِ؛ لِأنَّهُما يَتَوافَقانِ عَلى طَرِيقَةٍ، وإمّا مِنَ الخَلَّةِ بِفَتْحِ الخاءِ بِمَعْنى الخَصْلَةِ والخُلُقِ؛ لِأنَّهُما يَتَوافَقانِ في الخِصال والأخْلاقِ، وقَدْ جاءَ: ««المَرْءُ عَلى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلُ»» أوْ بِمَعْنى الفَقْرِ والحاجَةِ؛ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما مُحْتاجٌ إلى وِصالِ الآخَرِ، غَيْرُ مُسْتَغْنٍ، وإطْلاقُهُ عَلى إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - قِيلَ: لِأنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعالى قَدْ تَخَلَّلَتْ نَفْسَهُ وخالَطَتْها مُخالَطَةً تامَّةَ، أوْ لِتَخَلُّقِهِ بِأخْلاقِ اللَّهِ تَعالى، ومِن هُنا كانَ يُكْرِمُ الضَّيْفَ، ويُحْسِنُ إلَيْهِ، ولَوْ كانَ كافِرًا، فَإنَّ مِن صِفاتِ اللَّهِ تَعالى الإحْسانَ إلى البَرِّ والفاجِرِ، وفي بَعْضِ الآثارِ - ولَسْتُ عَلى يَقِينٍ في صِحَّتِهِ -: «أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ مِن غَيْرِ أهْلِ مِلَّتِهِ، فَقالَ لَهُ: وحِّدِ اللَّهَ تَعالى حَتّى أُضَيِّفَكَ وأُحْسِنَ إلَيْكَ، فَقالَ: يا إبْراهِيمُ مِن أجْلِ لُقْمَةٍ أتْرُكُ دِينِي ودِينِ آبائِي، فانْصَرَفَ عَنْهُ، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ: يا إبْراهِيمُ صَدَقَكَ! لِي سَبْعُونَ سَنَةً أرْزُقُهُ وهو يُشْرِكُ بِي، وتُرِيدُ أنْتَ مِنهُ أنْ يَتْرُكَ دِينَهُ ودِينَ آبائِهِ لِأجْلِ لُقْمَةٍ، فَلَحِقَهُ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وسَألَهُ الرُّجُوعَ إلَيْهِ لِيُقْرِيَهُ، واعْتَذَرَ إلَيْهِ، فَقالَ لَهُ المُشْرِكُ: يا إبْراهِيمُ ما بَدا لَكَ؟ فَقالَ: إنَّ رَبِّي عَتَبَنِي فِيكَ، وقالَ: أنا أرْزُقُهُ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً عَلى كُفْرِهِ بِي، وأنْتَ تُرِيدُ أنْ يَتْرُكَ دِينَهُ ودِينَ آبائِهِ لِأجْلِ لُقْمَةٍ؟! فَقالَ المُشْرِكُ: أوَقَدْ وقَعَ هَذا؟! مِثْلُ هَذا يَنْبَغِي أنْ يُعْبَدَ، فَأسْلَمَ ورَجَعَ مَعَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى مَنزِلِهِ».
ثُمَّ عَمَّتْ بَعْدُ كَرامَتُهُ خَلْقَ اللَّهِ تَعالى مِن كُلِّ وارِدٍ ورَدَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ، فَقالَ: تَعَلَّمْتُ الكَرَمَ مِن رَبِّي، رَأيْتُهُ لا يُضَيِّعُ أعْداءَهُ فَلا أُضَيِّعُهم أنا، فَأوْحى اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ: أنْتَ خَلِيلِي حَقًّا.
وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ في (الشُّعَبِ) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««يا جِبْرِيلُ لِمَ اتَّخَذَ اللَّهُ تَعالى إبْراهِيمَ خَلِيلًا؟ قالَ: لِإطْعامِهِ الطَّعامَ يا مُحَمَّدُ»» وقِيلَ - واخْتارَهُ البَلْخِيُّ والفَرّاءُ - لِإظْهارِهِ الفَقْرَ والحاجَةَ إلى اللَّهِ تَعالى، وانْقِطاعِهِ إلَيْهِ، وعَدَمِ الِالتِفاتِ إلى مَن سِواهُ، كَما يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَ قالَ لَهُ يَوْمَ أُلْقِيَ في النّارِ: ألَكَ حاجَةٌ؟ «أمّا إلَيْكَ فَلا» ثُمَّ قالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونَعِمَ الوَكِيلُ، وقِيلَ في وجْهِ تَسْمِيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - خَلِيلَ اللَّهِ غَيْرُ ذَلِكَ، والمَشْهُورُ أنَّ الخَلِيلَ دُونَ الحَبِيبِ.
وأُيِّدَ بِما أخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَرْدُويَهْ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما - قالَ: ««جَلَسَ ناسٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ يَنْتَظِرُونَهُ فَخَرَجَ، حَتّى إذا دَنا مِنهم سَمِعَهم يَتَذاكَرُونَ، فَسَمِعَ حَدِيثَهُمْ، وإذا بَعْضُهم يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعالى اتَّخَذَ مِن خَلْقِهِ خَلِيلًا، فَإبْراهِيمُ خَلِيلُهُ، وقالَ آخَرُ: ماذا بِأعْجَبَ مِن أنَّ كَلَّمَ اللَّهُ تَعالى مُوسى تَكْلِيمًا، وقالَ آخَرُ فَعِيسى رُوحُ اللَّهِ تَعالى وكَلِمَتُهُ، وقالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفاهُ اللَّهُ تَعالى، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ، فَقالَ: قَدْ سَمِعْتُ كَلامَكم وعَجَبَكُمْ، إنَّ إبْراهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ تَعالى وهو كَذَلِكَ، ومُوسى كَلِيمُهُ، وعِيسى رُوحُهُ وكَلِمَتُهُ، وآدَمَ اصْطَفاهُ اللَّهُ تَعالى وهو كَذَلِكَ، ألا وإنِّي حَبِيبُ اللَّهِ تَعالى ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ شافِعٍ ومُشَفَّعٍ ولا فَخْرَ، وأنا أوَّلُ مَن يُحَرِّكُ حِلَقَ الجَنَّةِ فَيَفْتَحُها اللَّهُ تَعالى فَيَدْخُلُها مَعِيَ فُقَراءُ المُؤْمِنِينَ ولا فَخْرَ، وأنا أكْرَمُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ يَوْمَ القِيامَةِ ولا فَحْرَ»».
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ في (نَوادِرِ الأُصُولِ) والبَيْهَقِيُّ في (الشُّعَبِ) وضَعَّفَهُ، وابْنُ عَساكِرَ، والدَّيْلَمِيُّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««اتَّخَذَ اللَّهُ تَعالى إبْراهِيمَ خَلِيلًا، ومُوسى نَجِيًّا، واتَّخَذَنِي حَبِيبًا، ثُمَّ قالَ: وعِزَّتِي لَأُوثِرَنَّ حَبِيبِي عَلى خَلِيلِي ونَجِيِّ»،» والظّاهِرُ مِن كَلامِ المُحَقِّقِينَ أنَّ الخُلَّةَ مَرْتَبَةُ مِن مَراتِبِ المَحَبَّةِ، وأنَّ المَحَبَّةَ أوْسَعُ دائِرَةً، وأنَّ مِن مَراتِبِها ما لا تَبْلُغُهُ أُمْنِيَةُ الخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلامُ، وهي المَرْتَبَةُ الثّابِتَةُ لَهُ ﷺ، وأنَّهُ قَدْ حَصَلَ لِنَبِيِّنا - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مِن مَقامِ الخُلَّةِ ما لَمْ يَحْصُلْ لِأبِيهِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وفي الفَرْعِ مافِي الأصْلِ وزِيادَةٌ، ويُرْشِدُكَ إلى ذَلِكَ أنَّ التَّخَلُّقَ بِأخْلاقِ اللَّهِ تَعالى الَّذِي هو مِن آثارِ الخُلَّةِ عِنْدَ أهْلِ الِاخْتِصاصِ أظْهَرُ وأتَمُّ في نَبِيِّنا ﷺ مِنهُ في إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - فَقَدْ صَحَّ أنَّ خُلُقَهُ القُرْآنُ، وجاءَ عَنْهُ (p-156)صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ««بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخْلاقِ»» وشَهِدَ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ومُنْشَأُ إكْرامِ الضَّيْفِ الرَّحْمَةُ، وعَرْشُها المُحِيطُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَما يُؤْذِنُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ ولِهَذا كانَ الخاتَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وقَدْ رَوى الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ جُنْدُبٍ: «أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ قَبْلَ أنْ يُتَوَفّى: «إنَّ اللَّهَ تَعالى اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَما اتَّخَذَ إبْراهِيمَ خَلِيلًا»» والتَّشْبِيهُ عَلى حَدِّ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ في رَأْيٍ، وقِيلَ: إنَّ (يُتَوَفّى) لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى أنَّ مَقامَ الخُلَّةِ بَعْدَ مَقامِ المُحِبَّةِ كَما لا يَخْفى.
وفِي لَفْظِ الحُبِّ والخُلَّةِ ما يَكْفِي العارِفَ في ظُهُورِ الفَرْقِ بَيْنَهُما، ويُرْشِدُهُ إلى مَعْرِفَةِ أنَّ أيَّ الدّائِرَتَيْنِ أوْسَعُ، وذَهَبَ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الفُضَلاءِ إلى أنَّ الآيَةَ مِن بابِ الِاسْتِعارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ لِتَنَزُّهِهِ تَعالى عَنْ صاحِبٍ وخَلِيلٍ، والمُرادُ اصْطَفاهُ وخَصَّصَهُ بِكَرامَةٍ تُشْبِهُ كَرامَةَ الخَلِيلِ عِنْدَ خَلِيلِهِ، وأمّا في الخَلِيلِ وحْدَهُ فاسْتِعارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ عَلى ما نَصَّ عَلَيْهِ الشِّهابُ، إلّا أنَّهُ صارَ بَعْدُ عَلَمًا عَلى إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وادَّعى بَعْضُهم أنَّهُ لا مانِعَ مِن وصْفِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِالخَلِيلِ حَقِيقَةً، عَلى مَعْنى الصّادِقِ، أوْ مَن أصْفى المَوَدَّةَ وأصَحَّها، أوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وعَدَمُ إطْلاقِ الخَلِيلِ عَلى غَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - مَعَ أنَّ مَقامَ الخُلَّةِ بِالمَعْنى المَشْهُورِ عِنْدَ العارِفِينَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ كُلُّ نَبِيٍّ خَلِيلُ اللَّهِ تَعالى إمّا لِأنَّ ثُبُوتَ ذَلِكَ المَقامِ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -عَلى وجْهٍ لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ - كَما قِيلَ - وإمّا لِزِيادَةِ التَّشْرِيفِ والتَّعْظِيمِ كَما نَقُولُ، واعْتَرَضَ بَعْضُ النَّصارى بِأنَّهُ إذا جازَ إطْلاقُ الخَلِيلِ عَلى إنْسانٍ تَشْرِيفًا فَلِمَ لَمْ يَجُزْ إطْلاقُ الِابْنِ عَلى آخَرَ لِذَلِكَ؟! وأُجِيبَ بِأنَّ الخُلَّةَ لا تَقْتَضِي الجِنْسِيَّةَ بِخِلافِ البُنُوَّةِ فَإنَّها تَقْتَضِيها قَطْعًا، واللَّهُ تَعالى هو المُنَزَّهُ عَنْ مُجانَسَةِ المُحْدَثاتِ.
{"ayah":"وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِینࣰا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنࣱ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِیمَ حَنِیفࣰاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَ ٰهِیمَ خَلِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق