الباحث القرآني

﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ﴾ أيْ: يَسْتَتِرُونَ مِنهم حَياءً وخَوْفًا مِن ضَرَرِهِمْ، وأصْلُ ذَلِكَ طَلَبُ الخَفاءِ، وضَمِيرُ الجَمْعِ عائِدٌ عَلى الَّذِينَ يَخْتانُونَ عَلى الأظْهَرِ، والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لا مَوْضِعَ لَها مِنَ الإعْرابِ، وقِيلَ: هي في مَوْضِعِ الحالِ مِن (مِن) و﴿ولا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: ولا يَسْتَحْيَوْنَ مِنهُ سُبْحانَهُ، وهو أحَقُّ بِأنْ يُسْتَحى مِنهُ، ويُخافَ مِن عِقابِهِ، وإنَّما فُسِّرَ الِاسْتِخْفاءُ مِن تَعالى بِالِاسْتِحْياءِ لِأنَّ الِاسْتِتارَ مِنهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - مُحالٌ لا فائِدَةَ في نَفْيِهِ، ولا مَعْنى لِلذَّمِّ في عَدَمِهِ. وذَكَرَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ أنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ مِن بابِ المُشاكَلَةِ ﴿وهُوَ مَعَهُمْ﴾ عَلى الوَجْهِ اللّائِقِ بِذاتِهِ سُبْحانَهُ، وقِيلَ: المُرادُ: إنَّهُ تَعالى عالِمٌ بِهِمْ وبِأحْوالِهِمْ فَلا طَرِيقَ إلى الِاسْتِخْفاءِ مِنهُ تَعالى سِوى تَرْكِ ما يُؤاخِذُ عَلَيْهِ، والجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ (يَسْتَخِفُّونَ). ﴿إذْ يُبَيِّتُونَ﴾ أيْ: يُدَبِّرُونَ، ولَمّا كانَ أكْثَرُ التَّدْبِيرِ مِمّا يُبَيَّتُ عُبِّرَ بِهِ عَنْهُ، والظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِما تَعَلَّقَ بِهِ ما قَبْلَهُ، وقِيلَ: مُتَعَلِّقٌ بِـ(يَسْتَخِفُّونَ). ﴿ما لا يَرْضى مِنَ القَوْلِ﴾ مِن رَمْيِ البَرِئِ وشَهادَةِ الزُّورِ، قالَ النَّيْسابُورِيُّ: وتَسْمِيَةُ التَّدْبِيرِ - وهو مَعْنًى في النَّفْسِ - قَوْلًا لا إشْكالَ فِيها عِنْدَ القائِلِينَ بِالكَلامِ النَّفْسِيِّ، وأمّا عِنْدُ غَيْرِهِمْ فَمَجازٌ، أوْ لَعَلَّهُمُ اجْتَمَعُوا في اللَّيْلِ ورَتَّبُوا كَيْفِيَّةَ المَكْرِ فَسَمّى اللَّهُ تَعالى كَلامَهم ذَلِكَ بِالقَوْلِ المُبَيَّتِ الَّذِي لا يَرْضاهُ سُبْحانَهُ، وقَدْ تَقَدَّمَ لَكَ في المُقَدِّماتِ ما يَنْفَعُكَ ها هُنا، فَتَذَكَّرْ. ﴿وكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ﴾ أيْ: بِعَمَلِهِمْ أوْ بِالَّذِي يَعْمَلُونَهُ مِنَ الأعْمالِ الظّاهِرَةِ والخافِيَةِ ﴿مُحِيطًا﴾ أيْ: حَفِيظًا، كَما قالَ الحَسَنُ، أوْ عالِمًا لا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ ولا يَفُوتُ كَما قالَ غَيْرُهُ، وعَلى القَوْلَيْنِ الإحاطَةُ هُنا مَجازٌ، ونَظَمَها البَعْضُ في سِلْكِ المُتَشابَهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب